عنف الكنيسة الغربية، اضطهاد العلماء وأثرُه في تطور العلمنة الشمولية
يرمي هذا البحث إلى تأصيل حقبة تاريخية في الغرب الحديث جرت فيها أحداث ومنعطفات تأسيسية وكان محورها العنف المفتوح بين اللاهوت المسيحي والتنوير العلماني.
يمضي الباحث إلى مقاربة العلمانية بما هي نتيجة من نتائج الخطاب الديني الأصولي، الذي ساد في المجتمعات الغربية الحديثة ولا تزال وقائعه سارية إلى يومنا هذا.
كما يسعى البحث إلى بيان المشهد التاريخي لدور الكنيسة في مواجهة ثورة العلم والعنف الذي مورس بحق العلماء وأثر ذلك في ظاهرة العلمنة الحادة.
- المحرر
ما من شك في أن مفاهيم مثل «العلمانيّة» و«ما بعد العلمانيّة» هي وليدة ظروف لا يمكن عزلها عنها؛ فالعلمانيّة تنتمي إلى إشكاليّة الحداثة، وقد وردت بعض التأويلات؛ ترى إلى العلمانيّة بوصفها انتصار العلم على الكنسيّة التي رفضت التطور باسم الدين[1].
وعلى الرغم من عدم وجود علاقة لكلمة العلمانيّة بالعلم، فإن علاقتها تكمن في فصل الدين عن مجالات الحياة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والفكريّة[2]. الا إننا نجد أن العلمانيّة في الترجمة العربيّة مشتقة من مفردة (عَلَم). على الرغم من أن معناه في اللغة الانكليزيّة كان ترجمة لكلمة secularism الانجليزيّة التي لها نظائرها في اللغات الأوربيّة وتعني العصر أو الجبل أو القرن،
ويوجد لفظ لاتيني آخر للإشارة إلى العالم، وهو (موندوس) mundus، ولفظة «سيكولوم» مرادفة للكلمة اليونانيّة ايون aeon التي تعني العصر، أما «موندوس»: فهي مرادفة للكلمة اليونانيّة «كوزموس Cosmos» التي تعني الكون مقابل كيوس chaos بمعنى فوضى ومن هنا، فان كلمة سيكولوم تؤكد البعد ألزماني أما «مونووس» فتؤكد البعد المكاني[3].
وأيضا يظهر الحفر في دلالة العلمانيّة في كلمة laicite وهي لفظة مشتقة من كلمتين هما laos وتعني الشعب وLaikos وتعني عامّة الناس الذين يقابلون رجال الكنسيّة ويدعون إلى إقامة سلطة سياسيّة تكون مختلفة عن سلطة رجال الدين التي كانت تسيطر على الحياة السياسيّة آنذاك([4]).
وهذه الدلالة الأخيرة موجودة في الإنجليزيّة والفرنسيّة،فهي مشتقة من اليونانيّة بمعنى «العامّة» أو «الشعب» وبشكل أدق عكس الإكليروس أو الطبقة الدينيّة الحاكمة؛ وأبان عصر النهضة بات المصطلح يشير إلى القضايا التي تهم العامّة أو الشعب خلاف القضايا التي تهم خاصته. ومن هنا تقدم دائرة المعارف البريطانيّة تعريف العلمانيّة بكونها: «حركة اجتماعيّة تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الدنيويّة بدلاً من الاهتمام بالشؤون الأخرويّة»[5].
وهذا المعنى يختلف تماما مع الترجمة العربيّة التي جعلت من (العلمانيّة) بمقابل (العلم)، كما عرضنا سابقا. وهذا التطور في المفهوم يظهر الرهانات في الواقع الأوربي في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين تكون من خلال حصيلة القرنين إذ كانت أوروبا تدعو إلى توسع (المسيحيّة البروتستانتيّة والكاثوليكيّة) في المجتمعات، وتحولها من مجتمعات مسيحيّة اسماً إلى مسيحيّة بالفعل وبالتعاون مع دول مركزيّة احتاجت مركزها إلى جعل مجتمعاتها سفوحا مستوية ثقافياً إلى الحد الذي سمحت به سبل الاتصال والإدارة في ذلك الزمان وتوسمت تلك الدول في الإكليروس الفئة القائمة على التوحيد الثقافي والقانوني.
ومن ثم تصاعدت الدعوة للعلمانيّة: أي استقلال العلم عن الدين واستقلال السلطة السياسيّة عن الكنيسة، وهذا كان رد المثقفين والفلاسفة على تشدد الكنيسة وعجزها عن مواكبة التغيرات الثقافيّة والاجتماعيّة التي شهدها مجتمع أوروبا في القرن السابع عشر الميلادي وما بعده[6].
ومن ناحيّة ثانيّة كانت دعوة العلمانيّة هي بمنزلة تجاوز للانشقاق الذي ولد بعد الحروب الدينيّة التي خلقت مجتمعاً منقسماً مذهبيا وسياسياً، في ظل تلك الظروف ظهرت الدعوة العلمانيّة التي حفزت على حريّة المعتقد، وهي تستبعد كل خوف ديني أو إيديولوجي. أما المساواة في الحقوق،فهي تتناقض مع إعطاء قيم مميزة وامتيازات لاعتقاد ما، أو حتى للملحدين. الدولة هي شيء مشترك للجميع لذا يجب عليها أن تكون حياديّة (neuter في اللاتينيّة) على صعيد جميع الأديان والطوائف، وتعني كما وردت في اللاتينيّة «لا أحد ولا الآخر».
أما «ما بعد العلمانيّة «فهو ينتمي إلى إشكاليّة أخرى هي ما بعد الحداثة، بما أن الحداثي هو زمنيّة حديثة، تشكل قطيعة مع الفهم الوسيط، لكن يفترض الحديث عما بعد ليس على أساس زمني فقط بل تشكل معقوليّة ما مختلفة في إشكالياته في المنهج والرؤيّة مختلفة عن السابقة لها. إذ هناك الاختلاف بين الإشكاليتين، إذ جاءت ما بعد الحداثة وهو مفهوم إشكالي بتعبير ديفيد هارفي «لطالما استغلق علينا معنى الحداثة والتبس، لذلك فإن رد الفعل باسم ما بعد يظل هو الآخر مستغلقا وبكيفيّة مضاعفة.»[7] .
وفي ظل ما بعد الحداثة ظهر نقد حقبة الحداثة ومنها نقد الخطاب العلماني الأصولي الذي يمارس هيمنة على الآخر ويعمل على نفيه من الفضاء العمومي من خلال الفهم التواصلي الذي يقوم على الاعتراف بالآخر من خلال نحت «هويّة جماعيّة ذات بعد كوني تتجسد من خلال جماعة سياسيّة تظل مفتوحة لاندماج كل المواطنين بمختلف أصولها»[8]. وبالآتي جاءت ما بعد العلمانيّة تجاوزاً للعلمانيّة، فقد كانت العلمانيّة تعيش في ظل صراع ثنائي مع الفكر الديني، اذ كان هناك موقفان:
الأول: علماني يعتقد بأن القطيعة هي استبدال لطرق تفكير وأشكال حياة، بأشكال عقلانيّة وأسمى من سابقتها في الأحوال كلها، إذ يؤول هذا الاتجاه من الحداثة بصورة تفاؤليّة تجاه التقدم.
أما الاتجاه الثاني وهو لمن اعتقد أن الحداثة انتزعت ملكيّة فكريّة وبصور غير شرعيّة، وبذلك فهي نظريّة الانحطاط، إذ لا يوجد أصل أو جذر ديني لها، وهذا هو الاتجاه الديني[9].
وهنا تظهر إطروحة ما بعد العلمانيّة تحاول تجاور الأصوليتين إلى تقديم مغاير تواصلي إذ «يعارض هابرماس الاتجاهين، ويرى أنهما يمارسان اللعبة ذاتها وهي محاولة هزيمة الطرف الآخر والانتشار عليه، والرؤيّة من جانب واحد إلى الآخر»[10] فهذه العلمانيّة التي تحولت إلى خطاب أصولي ينفي الدين وجدت مراجعة غربيّة معاصرة تمثلت في ما بعد العلمانيّة؛فهي تقوِض العلمانيّة الصلبة وتقترح خيارات جديدة.[11] لكن العلمانيّة وممكنات العولمة اليوم مهّدت الطريق إلى انتشار الأصوليات عالميا مستثمرة الامكانات العلمانيّة[12].
أطروحة هذا البحث: تحاول أن تقارب العلمانيّة بوصفها نتيجة من نتائج الخطاب الديني الأصولي، وبالآتي فهي مرتبطة بإشكاليّة محددة وليس قدراً كونياً يفترض منه أن يكون انعكاساً لما حصل في الغرب وينسخ تجربته من غير مراعاة الاختلافات الثقافيّة والحضاريّة.
إذ كانت هناك جملة من الإفرازات جاءت بفعل الأصوليات الدينيّة المتصارعة في الغرب وجعلت من المجتمع يخوض حروباً دينيّة استمرت إلى مدّة طويلة بعد الحروب تم القضاء على المذاهب المختلفة وجعل الدولة تحابي المذهب المهيمن.
وهذه الحروب هي انعكاس لهيمنة دينيّة طويلة للكنيسة الرومانيّة على الغرب في طيلة العصر الوسيط معتمدة على عاملين هما: (الشرعيّة الدينيّة والعنف الرمزي)، بمقابل هيمنتها على الخيرات في عموم أوربا والى جانب هذا انتشار المفاسد الأخلاقيّة التي ارتبطت بصكوك الغفران والحروب الصليبيّة ومحاكم التفتيش الوحشيّة، هذا كله ولّد ردود أفعال علميّة وفكريّة تحاول تقديم نقد بقصد الإصلاح وليس الهدم وصولا إلى الإصلاح الديني وما خلّفه من انشقاق وتغول الملوك القائمة على الحق الإلهي.
كل هذا خلق ردود أفعال تولد عنها الخطاب العلماني الذي انتشر بوصفه مذهباً فكرياً وبشكل مطّرد إلا في القرن السابع عشر الميلادي، ولعلّ الفيلسوف إسبينوزا كان أول من أشار إليها إذ قال: إن الدين يحوّل قوانين الدولة إلى مجرد قوانين تأديبيّة.
وأشار أيضاً إلى أن الدولة هي كيان متطور وتحتاج دوماً للتطوير والتحديث خلاف شريعة ثابتة موحاة. فهو يرفض اعتماد الشرائع الدينيّة مطلقًا مؤكدًا أن قوانين العدل الطبيعيّة والإخاء والحريّة هي وحدها مصدر التشريع[13]. وهو ما أكّده أيضاً الفيلسوف الانجليزي جون لوك (1689 -1704م) الذي كان يرى أن الانقسام بين أفراد المجتمع قائم على أساس ديني لهذا أكّد أنه ينبغي على الدولة أن تتسامح مع جميع أشكال الاعتقاد دينياً أو فكرياً أو اجتماعياً.
ويجب أن تنشغل في الإدارة العمليّة وحكم المجتمع فقط، فقد قال: «كُلّ ما في الرجل الأرثذوكسيُ هو في نفسه، والحكومة يَجِبُ ألا تُؤسّسَ على أي نزعة دينيّة بل إنها بديل لا بدّ منه في جمع المصالح الماديّة مِنْ مواضيعِها مثل “ حياة، حريّة، صحة الجسمِ، المال، الأراضي، أثاث وما شابه»[14].
من هذا نفهم أن العلمانيّة كانت رد فعل أو حلاً لما خلّفته الأصوليّة الدينيّة التي نسعى من خلالها هنا إلى تحليل الظروف والإشكالات التي مرّت بها السلطة الكنسيّة وما خلفته من آثار. وهذا ما سوف نقوم به في هذا البحث في تناولنا في المبحث الاول إلى: تشكل سلطة الكنيسة وما تقوم عليه أصوليتها من ادعاءات، والمبحث الثاني نحلل فيه الهيمنة التي قامت ووقعت بحق العلماء والفلاسفة وهم يرومون تقديم فكر إصلاحي وليس تقويضياً.
- المبحث الأول: فرض قراءة واحدة دوغمائية
لقد أشار كثيرٌ من النقاد من خارج المسيحية إلى نقود متنوعة منها دينية كما جاءت في القرآن الكريم وفي التلمود، فضلاً عن كثير من الدراسات المعاصرة في ظهور التأويل الرسمي التي فرضته الكنيسة بوصفه حقيقة مقدسة خارج النقد وهذه حال كل خطاب أصولي، يحاول احتكار المعنى ويقوم بتأميم الحقيقة. وهذا بالتأكيد سوف يقود إلى فرض دوغمائية معينة.
من المفيد بداية الإشارة إلى الفرق بين الهرطقة والبدعة، إذ لا يصبح منتسباً إلى بدعٍ دينية إلا حين يستمر في خطئه وينفصل بشكل مكشوف عن الكنيسة مع عدد من الأشخاص الذين يفكرون مثله على صعيد الإيمان. فالمرء لايمكن أنْ يشكل بدعة وحده، ولكن يمكن شخصياً، وحده، أن يؤمن بهرطقة من غير أن يكون عضواً في جماعة هرطيقية أو زعيماً لها[15].
على وفق هذه الرواية تشكلت نظرة الكنيسة إلى الآخر وقد جاءت اللحظة التي تشكلت بها الأصولية الكنسية حين فرضت رؤيتها للإيمان بكل أصولها التي جاء بها «بولص» وتم فرضها على الآخرين وبهذا تم اتهام المختلفين معها كونهم مبتدعة كمجموعات أو هرطقة كأفراد، وكانت أول حالة تمّت مواجهتها هي في طبيعة العلاقة مع اليهودية، إذ كان هناك موقفان منها: الأول «يعتبر أن الإنجيل لم يلغ الناموس، وينبغي الحفاظ على سبيل المثال، على طقس الختام؛
والثاني، الأكثر اعتدالا، فكان يقبل، بخصوص الوثنيين المهتدين إلى المسيحية، بإمكانية عدم الالتزام بالأنظمة القانونية الخاصة بشريعة موسى، لكنّ الالتزام بالرأي الاول، كان ذلك يقضي بجعل المسيحية بدعة دينية يهودية؛ أما في الحالة المعاكسة، فكان ذلك يعني خلق فئتين من المسيحيين، فئة «التامين» وفئة «المتهودين»[16].
هذا الصراع قائم منذ ظهور «بولص» وتأويله للمسيح تأويلاً مختلفاً الاختلاف كله فالذين واصلوا الالتزام بالعقيدة الأصلية للمسيح اتهموا بأنهم متهودون وأنهم الابيونيون وهم يذهبون إلى الاختلاف مع تأويل بولص فيقولون إن المسيح ليس مولوداً من الله الآب، بل مخلوقاً، وهو أحد رؤساء الملائكة، المالك على الملائكة وعلى كل أعمال القدير[17]،
ويقولون إن المسيح نزل على يسوع يوم عماده في الأردن، وفارقه قبل استشهاده[18]، وهذه الهرطقة المتكونة من التوفيقية اليهو- مسيحية سريعة العطب جداً إذ لن تصمد أما الاندفاع الظافر للديانة الكوسموبوليتية الجديدة،صحيح أنها بقيت موجودة في القرنين الثاني والثالث، ولكن سرعان ما اختفت بعدئذ لعجزها عن حل مأزق الانتماء: إلى اليهودية أو إلى المسيحية.[19]
وهذا العجز ليس مرده بنظرنا إلى قدرتها على الانفتاح الكوني كما جاء في التأويل «الكوسموبوليتية الجديدة»، وإنما هو استجابة إلى فروض الدولة التي فرضت المسيحية بشكلها الجديد المعدل والذي يستجيب للذهنية الرومانية وعلى الرغم من ذلك فإن الشعوب الوثنية أرجعت سقوط روما إلى تخليها عن دينها الوثني. وهذه الآراء دفعت أوغسطين إلى الرد عليها بتأليف كتابه.[20]
هكذا ولدت أصولية تحتكر الحقيقة وتقصي أي مخالف لها سواء أكانت انحراف الماضي أم المذاهب المخالفة لها في التأويل والمذهب أم تيارات و أشخاصاً من العلماء فهي تحارب الماضي وما فيه من انحراف بنظرها ولهذا أقامت الحرب الصليبية بحق المسلمين، ومحاكم التفتيش، أو الحاضر باتجاه المستقبل من خلال محاربة العلماء والتيارات والمذاهب التي اختلفت معها. (حدث سفك دماء واضطهاد، ومحاكم تفتيش ومذابح واستقلال، واستبعاد ووحشية)[21].
- المبحث الثاني: العنف ضد العلماء وأهل الرأي
إن العلاقة بين الخطاب الأصولي والعلم ظهر في العصر الوسيط من خلال سلوك الكنيسة التي تعاضده مع الدولة وعملت على فرض رؤيتها للدين وجعلتها تتعارض مع العلم، وكانت رؤيتها هي الدين نفسه في حين رؤيتها رؤية بشرية منحازة إلى مصالح رجال الدين المسيحيين في الكنيسة الرومانية ومفاسدهم،
وهذه الرؤية وتلك السلوكيات تتعارض مع ثوابت النصوص وأيضاً مع طبيعة السيرة الاخلاقية التي سار عليها الآباء فهذا التعارض وتلك العلاقة مع الدين وكأنهما ملك على رجال الكنيسة كلها خلقا خطاباً متشدداً كان لابد أن يجد له نقاط اختلاف من قبل الفلاسفة فلعلماء للدين مساحتهم، وللفلسفة مجالها.
وللعلم مجاله هو الآخر لا يمكن للعلم أن يصادرهما كما حدث مع التيارات الملحدة والعدمية التي وظفت العلم توظيفاً سياسياً من أجل أن يكون بديلاً من الفلسفة والعلم وهذا تجنٍّ على العلم نفسه ومنها المذهب الربوبي القائل إن الله خلق العالم وتركه يعمل على وفق قوانينه من غير تدخل منه، ومن ينفي عن الله القدرة والعلم المطلق ؟[22]
إلا أنه ينظر إلى الإله من ناحية ثانية عن طبيعة الاتصال ما بين الانسان والإله هي تأمل عقلي وليس وحياً إذ هو (فكر الدين وممارسته كما يحدّدها العقل بالاستقلال عن أيّ وحي».»[23] او هناك من نفى الاله كما يذهب بعض العلماء المعاصرين مثل» دوكنز»… إذ يستمد هذا الاتجاه مرجعيته من العلم ونتائجه ما يسوّغ ويؤيد به إلحاده.[24] على الرغم من كل هذا الموقف المتشدد لكنّ الاندفاع نحو الإيمان هو موقف فلسفي ونفسي وليس موقفاً علمياً، فالعلم صامت أخلاقياً.[25]
لكن هذا ايضاً لا يعني قبول الأصولية المسيحية المتشددة في أحكامها وتفسيراتها مثلما هناك أصولية علمانية لأنّ المشترك بين الأصوليات، كما يرى «جان ديبوا» ومن هذه التعريفات يمكن استخلاص المكوِّنات الأساسية للأصولية:الجمودية «رفض التكيّف» و«جمود معارض لكل نمو، لكل تطور. والعودة إلى الماضي و«الانتساب إلى التراث» و«المحافظة». وعدم التسامح، الانغلاق، التحجّر المذهبي: «تصلب»، «كفاح»، «عناد».[26]
بالتأكيد هكذا أصولية تحاول مصادرة كل جديد وتحول إلى خطاب يقوم على النفي والإقصاء ويعتمد على العنف في مواجهة المختلفين معها ومع تأويلها الإيديولوجي إذ تبقى الإيديولوجيا مخالفة للدين والفلسفة؛ لأن الفلسفة الحقيقية هي تساؤل عن مشكلة الوجود الجوهرية وعن وضعية الإنسان الوجودية… في حين أن الإيديولوجيا نسق مقفل على نفسه يدور حول بعض أشباه الحقائق، ساعياً إلى إشهار قيمتها الكونية والمطلقة على الرغم من كل ما يثبت خلاف ذلك. وبالآني فالإيديولوجيا ليست فكراً جدلياً؛ لأنها تفرغ من السلبية وتكتفي من المنطق بتماسك الأفكار المسبقة وما يترتب عنها من نتائج[27] .
فالكنيسة تستثمر حاجة الإنسان إلى أمرين: أولهما حاجته إلى الاعتقاد والثاني تفسير الاعتقاد وتسويغه هنا.
وقد استثمرت الكنيسة هذا الأمر واحتكرت تأويل النص الذي أبقته باللغة اللاتينية وحاربت أي اختلاف مع سياستها بعنف ومن أشكال وآليات المراقبة والمعاقبة التي اعتمدتها الكنيسة مع الفلاسفة والعلماء. ويمكن أنْ نعيد هذه الممارسات إلى عنفها قبل العصر الوسيط وفي أثنائه وهو ما تجلى بأشكال متنوعة من الحرمان والنفي والتعذيب والقتل بصورة بشعة وهي تستند على نصوص في العهد القديم والعهد الجديد.
- أ ـ إرهاب الفلاسفة وأهل اللاهوت
أهل اللاهوت: على العموم فإن العنف ضد من تعتقد الكنيسة أنهم مهاطقة أو ضالّون عن الصواب ولابد من إرجاعهم إلى سبيل الصواب، كما كانت حال محاكم التفتيش Inquisition التي كانت تستند على أصول تاريخية. إذ جاءت إشارة في العهد القديم إلى المارقين. إذ يجري التحقيق بدقة مع الحائر دينيا بعد اتهامه من قبل ثلاثة شهود. ويؤخذ المارق عند ثبوت التهمة إلى خارج المدينة إذ يرجم بالحجارة حتى الموت.
ونص العهد القديم أيضاً على: «إذا ظهر بينكم نبي أو صاحب أوهام… ينادي باتباع آلهة اخرى.. يجب إعدامه… وإن حدث أن أخا لكم أو ولداً… أو صديقاً عزيزاً عليكم غرر به سراً… فلا يجوز ستر الأمر بل يجب إعدامه».
وجاء في إنجيل يوحنا أن المسيح أخذ بذلك الاجراء (إن من لا يركن إلي سوف ينبذ ويقطع ثم تجمع أوصاله وترمى في النار)[28] على الرغم من قوله أيضا بحسب متى (فاطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذا كله يزداد لكم) أي يخبرنا بأننا ينبغي ألا نهتم إلا بملكوت الله وحده وبعدالته التي يقدمها لنا،كما يقول اسبينوزا في المسيح إنه لم يضع قوانين كما يفعل المشرع، بل أعطى تعاليم كما يفعل المعلم؛ لأنه لم يكن يريد أن يصلح الأفعال الخارجية، بل استعدادات النفس الداخلية[29] إلا إن الكنيسة تأولته ما يناسبها من أجل أفعالها الشرعية.
أما بالنسبة للإجراءات الدنيوية من ناحية تاريخية في هذا الشأن فالقوانين اليونانية مثلا عدت من لا يعبد الآلهة مارقا اقترف جريمة كبرى عقوبتها الاعدام. وبهذا القانون أعدم سقراط بتجرعه السم أما في العصر الروماني الكلاسيكي فكانت الآلهة حليفة الدولة أيضاً وإن المروق الديني خيانة عظمى تستحق الموت.
وعمدت الحكومة البيزنطية إلى تطبيق القانون الروماني المتعلق بالمارقين ضد المانويين وسائر الهراطقة[30] وقد طبق هذا القانون على المسيحية (حتى 313م. ناضلت الكنيسة ضد الاضطهاد الروماني الرسمي. وفي تلك السنة تم الاعتراف الرسمي بالديانة المسيحية كديانة شرعية تتمتع بحقوق متساوية مع سائر أديان الإمبراطورية).[31]
وقد استوعبت الدولة الرومانية المسيحية بتأويلها لما يتفق مع رؤية الدولة بوساطة بولص وهذا جعل من المسيحية قريبة للثقافة الرومانية[32] وهذا قاد إلى اعتراف وأيضا إلى تحالف بين الكنيسة مع الدولة قادت الناس إلى الطاعة إذ رأى بولص أن من الضروري كثيراً العودة في «رسالة إلى الرومانيين «لقضية الطاعة، إذ عمّق على طريقته كلمة يسوع الكبيرة «ليخضع كل واحد للسلطات المنصبة. فإنه لا سلطان إلا من الله…»[33].
وفي ظل هذا التحالف (ظهرت عقوبة وكان أولها عقوبة التحريم في عهد البابا ليو التاسع في القرن الحادي عشر. ثم ازداد الأمر في القرن الثالث عشر اقتران التحريم بالنفي أو السجن الذي تتولى أمره السلطات الدنيوية. وقد تشدد البابا أنوسنت الثالث في أمر الهراطقة إذ قال:»يعاقب القانون المدني الخونة بمصادرة أملاكهم وبالموت أفلا يحق لنا إذاً اصدار عقوبة التحريم ومصادرة أملاك خونة الدين ؟ إن الاعتداء على حرمات الدين أعظم من جرائم الاعتداء على صاحب السلطان»[34].
من الملاحظ أن تلك الأفكار تركت آثارها في التفسير المسيحي للتاريخ وما فيه من حوادث فهي تفتقر إلى الموضوعية وتحاول اختلاق التسويغات لما هو مجافٍ للعقل فإنهم يحاولون مواجهة ما لا يعقل عبر اختلاق التسويغات و(ذلك بإيجاد معنى خفي أو تفسير باطني واستجابة لهذه الضرورة حلت المجازات والمعاني الرمزية محل التحليل الناقد والقول الصريح كأساس للمنهج التاريخي)[35].
وثمة أمثلة على تعامل الكنيسة مع الهراطقة ( فعلى امتداد حوالي ألف سنة، كانت الكنيسة «كاثوليكية «حقا بالمعنى الاشتقاقي للكلمة، أي «جامعة» وحتى بعد انشقاق الشرق الكبير، ظلت تدبر بلا جدال أوروبا كلها… كانت «توتاليتارية» مقبولة من الجميع تلغي الحدود…. كانت الدولة تقدم من دون تحفظ خدمات السلطة المدنية لكنيسة كلية القدرة أخلاقيا، أما الهراطقة فعملوا بقسوة اتخذت أقصى الأشكال في إسبانيا، حيث الملك والملكة، في أيام محاكم التفتيش[36].
يحضران الإعدامات بالحرق، ويرمزان بحضورهما، على ضوء المحارق، إلى التعاون الوثيق بين السلطتين)[37] وهناك نماذج كثيرة فيما يتعلق بتلك السياسة تعود إلى أوقات أبعد يمكن أن نستعرض نماذج منها هنا.
- الفيلسوفة هيباثيا أنموذجا:
أما عن أبرز أشكال العنف تلك التي كانت في حادثة قتل الفيلسوف هيباثيا في عام 415م[38] فقد كانت مثالاً حقيقياً للعنف الذي قامت به الكنيسة في الإسكندرية وهي تحاول أن تفرض إرادتها على المجتمع القديم وتحارب اليهود في دينهم وعقيدتهم بأشكال مروعة، وفي أثناء هذا العنف الديني أو الحرب جاءت هذه الفيلسوفة بخطاب يقوم على التسامح مع اليهود، وهذا جلب عليها غضب الكنيسة وحقدها،
إذ تقدم موقفاً مقاوماً وشجاعاً وتنتمي هذه الفيلسوفة إلى أُنموذج قد أخذ بالتواري أي التفكير الحر والتأمل العقليّ والدين بوصفه تجربة فردية، وهذا جعلها تواجهُ مصيرًا مؤلمًا إذ ماتت على يد حشدٍ من الغوغاء بعد اتهامها بممارسة السحر والإلحاد والتسبب في اضطرابات دينية، وهي تهمة رافقت هيمنة الكنيسة التي كانت تعتمدها في إرهاب الخصوم وتصفيتهم معنوياً وجسدياً.
وكانت تلك الأحداث تعطي علامات على تحولات فكرية وسياسية كبيرة فصلت بين مناخ الحريات في التاريخ القديم ومناخ العصور الوسطى إذ كانت بداية التحولات الفكرية التي مهدت إلى ولادة خطابات أكثر شمولية متمثلة في الفكر الديني الذي بدأ يتحول إلى سلطة رمزية شمولية ومعيار للمشروعية السياسية في تحريك الناس وتوظيفهم على وفق الغايات التي كان يسعى لها رجالُ الدين والسياسيون ممن أدركوا مكانة الدين في الفضاء العمومي بوصفه معياراً للشرعية السياسية.
وفي النتيجة كانت هناك قطيعة بين الفكر العقليّ المدنيّ الذي عُرِفت به الإسكندرية منذ عصر الإغريق والرومان الذين أبقوا على أغلب التقاليد المعمولة، ومؤسسة حوّلت المسيحية إلى دين يتم به تحريك الجماهير من أجل الضغط على أهل السياسة واتهامهم بالهرطقة والمروق، وشن حروب دينية على الأطياف المختلفة وبخاصةً اليهود وهم أصحاب جالية كبيرة في الإسكندرية،
ولكنَّ الأجواء التي صاحبت الصراع بين السلطة المدنية والسلطة الدينية وأجواء الاتهامات ضد اليهود أثارَ العامّة ودفعهم إلى نهب اليهود والاعتداء على أرواحهم بفعل تحريض رجال الدين التي جعلت من العامّة أداةً في ضرب السلطة والاستقرار السياسي، وفي هذه الأجواء كانت أفكار الفيلسوفة وحكمها وخطبها تحاول احتواء الانفعالات وتفضح مواقف رجال الدين، فأدرك ساعتها رجال الدين دورها وما تشكله من خطورة ومن هنا جاءت الاتهامات ضدها بالسحر والشعوذة من أجل تخويفها أو حتى قتلها.
وتحركت العامّة تبحث عنها من أجل معاقبة تلك المرأة التي سحرت الناس ببيانها وحجاجها التي غلبت رجال الدين، وقد وجدها الباحثون جالسة على كرسي، فأمسكوا بها وأحضروها إلى «كنيسة كبيرة»، إذ شرعوا بخلع ملابسها وتعرية جسدها. ثم أخذوا بتجريحها وتعذيبها والتمثيل بها بعدما أخرجوها في مشاهد تعذيب همجية فجروها في شوارع الإسكندرية حتى ماتت بعدما أصابها ما أصابها على أيدي هؤلاء المتعطشين إلى القتل والتعذيب، وبعد موتها قاموا بإحراق جثتها، في مشهد إرهابي لأهل الفكر الحر المخالف. فكانت تلك الأفعال الشنيعة التي رافقت مقتل هيباتيا قد أثارت استنكارًا شعبيًّا كبيرًا، إذ يعد مقتل هيباتيا نهايةً للعصر الكلاسيكي القديم في التفكير الحر وبداية العصور الوسطى المسيحية.[39]
ولكنَّ هذا القربان الذي قدمته هيباتيا دليل على عمق أثر الفيلسوف صاحب الموقف الشجاع والفكر الحر في مواجهة لاهوت الكراهية والعنف والاسترقاق للعوام بدلاً من الفكر الحر الذي ينشد الانعتاق ويجعل المحبة بمقابل الكراهية والتسامح والتحرير للعقول وتعميق المنهج الأخلاقي وهذا كله متجسد في سلوكها كما يذكر التاريخ فقد كانت تلك الفيلسوفة تجمع بين العقل والتواضع والشجاعة.
وهي مزايا من النادر أن تجتمع في انسان، فعلى الرغم من سلوكها الأخلاقي لكنَّها كانت تقف أمام قضاة المدينة وحكامها من غير أن تفقد مسلكها المتواضع المهيب الذي كان يميزها من سواها، والذي أكسبها احترام وتقدير الجميع لها ومن هنا جاء التفاف جمهور المثقفين حول الفيلسوفة.
في ظل الصراع بين الدولة المدنية والسلطة اللاهوتية في الإسكندرية والاتجاه الديني متمثلاً بالأسقف الذي كان يرغب في الهيمنة على مقدرات المدينة والوالي في الاسكندرية وهو حاكم مدني وقد ظهر هذا الصراع في أوجهِ مختلفة منها: رغبة الأسقف بإخراج اليهود من المدينة متسلحاً بدعم جيش من الرهبان. وهو موقف عارضته الفيلسوفة وكانت تنشد حماية حقوق اليهود.
ومن هنا كانت تلك الدوافع هي المحرضة على الفعل الذي كانت بوادره تتجلى بفعل المكانة الفكرية والاجتماعية لها بوصفها مثقفةً ترفض العنف والقسوة على أُسس دينية، لليهود أو غيرهم. ومن أبرز أقوالها تأكيدها:” أن كل انسان هو حر بما يفكر ويعتقد، ولا يجوز أن يُكره المرء على اختيار أي سلوك أو أمر غير مقتنع فيه بتاتا، وبذلك يعد قسراً وخارجاً عن مفهومها الفكري والشخصي».
- ثانيا: إرهاب العلماء وأهل الاصلاح الديني
إرهاب العلماء:
في سبيل استعراض موقف الكنيسة من العلماء نرجع إلى قول انشتاين «ليس صعباً أن نفهم لم حاربت الكنائس العلم دائماً واضطهدت مناصريه. ومن ناحية أخرى أنا أؤكد أن الشعور الديني الكوني هو الباعث الأقوى والأنبل للبحث العلمي.
إن أولئك الذين يحققون الجهود الضخمة. وقبل ذلك، تلك التقوى التي من غيرها لا يمكن أن ينجز عمل رائد في مجال العلم النظري هما الوحيدان القادران على إدراك قوة العاطفة التي منها وحدها، بعيدا عن وقائع الحياة المباشرة، يمكن أن يصدر مثل ذلك العمل)[40] .
فهذا القول يبين أن الاختلاف بين البحث العلمي غير موجود الآن فلكل منهما غاية مختلفة في: (القيمة النهائية للخير والشر، والحقيقة المطلقة، والعدم المطلق، والمادة المطلقة)، وهي من المسائل التي لا يمكن للعلم أن يجيب عنها أو يبدي رأيه وحكمه الحاسم بشأنها، وإنما الفلسفة وحدها هي التي تستطيع الخوض في هذه الأمور. إلا إن الكنيسة بموقفها الشمولي والمعادي للعلم خلقت أزمات أمام العلماء والفكر وكان لها نتائج غير محمودة. إذ استمرت الكنيسة على الموقف نفسه في العصر الوسيط وبداية العصر الحديث وبخاصة مع العلماء:
لقد جاءت الأحداث العلمية في مجال الفلكية بتغير مهم دراماتيكي إذ اصبحت الشمس هي مركز الكون بدلاً من الأرض وهذا ما جاء به كبلر (1571-1630م) وكان له مناصرون على الرغم من المعارضة الرسمية من جانب الكنيسة الكاثوليكية والعديد من الطوائف البروتستانتية.
في حين أن كبلر قاد ثورةً في علم الفلك بين عامي 1596 و1610 م؛ إذ قدّم كتاب الشمس، و أمكن فيه تحديد المسافات بين الكواكب من خلال رسم مدارات الكواكب داخل مجسمات متناسقة. ونشر كبلر أيضاً نظرية مغناطيسية للحركة الكوكبية في كتابه العظيم “علم الفلك الجديد” الصادر عام 1609 م، وهو أطروحة ضمّت أول قانونين مما عرف فيما بعد( بقوانين كبلر)، والتي تقول إن الكواكب تتحرك في مدارات قطع ناقص أو إهليلجية، وأما الشمس فتقع عند إحدى بؤرتي مدار معين، تقطع الكواكب كلها المسافات نفسها في الأزمان نفسها). في عام 1609 م، حوَّل جاليليو زوجاً من العدسات إلى آلة أتاحت له تكبير الأشياء.
وجهها نحو السماء، وأدرك أن كوكب المشتري له مجموعة من الأقمار تدور حوله، مثلما تدور الكواكب حول الشمس. وفي كتابه القصير الصادر عام 1610 م، صرح أيضًا أنّ القمر به جبال وأودية، وأن درب التبانة يتألف من آلاف النجوم. وفي عام 1613 م، زاد في تحديه النظريةَ التقليدية السائدة وذلك من خلال إثبات أن الشمس بها بقع. وهي منزهة عن العيب.
أضاف كبلر قانونه الثالث في كتابه على أنه بالنسبة لأي مدار كوكبي، فإن مكعب متوسط المسافة بين الشمس والكوكب يتناسب طرديٍّا مع مربع مدة دوران الكوكب حول الشمس. وفيما دحضت اكتشافات جاليليو بفعالية الاعتقاد في كمال السماء، كانت لقوانين كبلر أهمية محورية لنيوتن في «المبادئ الرياضية» لإثبات الفرضيات الأساسية في كتابه.
لم ينته إسهام جاليليو في علوم القرن السابع عشر الميلادي عند أعماله في علم الفلك، ففي كتابه: «حوار حول النظامين الأساسيين للكون» عام 1632 م، أقدم بشجاعة على نشر كتابه بوصفهِ عملاً حاول فيه إثبات النظام الكوبرنيكي للعالم من خلال الحوارات والبراهين؛ وبسبب ذلك وُضع قيد الإقامة الجبرية في منزله حتى نهاية حياته في عام 1642 م، على الرغم من صدور رائعته في عام 1638م.
وكان أرسطو يفترض أن الأجسام المقذوفة قد تعرضت في البداية لحركة دفعت الجزيئات الأرضية للجسم إلى أسفل نحو موضعها الطبيعي. وذهب أيضًا إلى أن الأجسام تسقط بسرع تتناسب مع وزنها. بدلًا من ذلك، أعلن جاليليو في كتابه أن مسار المقذوفات قطع مكافئ، بينما المكون الرأسي لأي جسم بالقرب من «الحوارات»سطح الأرض يمكن التعبير عنه كقانون ينص على أن إجمالي المسافة التي تسقط منها رأسيٍّا تتناسب مع مربع الوقت المستغرق في السقوط. وأوضح أن الأسباب الفيزيائية للجاذبية غير ذات أهمية، وفي الواقع سوف تكون بالغة الصعوبة في اكتشافها، فيما يعد تعارضاً آخر مع المشروع الأرسطي بأسره[41].
لقد كانت هناك ردود عنيفة من قبل الكنيسة على هذه المنجزات العلمية بمجرد مخالفته تفسير الكنيسة للكون من خلال قوله إنّ الشمس هي مركز الكون وليست الأرض، وهو ما أيده العالم الإيطالي غاليلو، إلا إن الأخير تعرض للإرهاب من قبل رجال الكنيسة، وأجبر على التراجع عن آرائه العلمية.[42]
وقد اتهم بالكفر والإلحاد، لأنّ كلامه يتعارض مع تفسير الكتاب المقدس، إذ استندَ إلى نصٍّ من التوراة جاء فيه، أنَّ الأرضَ ثابتةٌ إلى الأبد، ومن ذلك ما ورد في الإصحاح الأوّل من سفر الجامعة: «ما الفائدة للإنسان من كلَّ تعبهِ الذي يتعبهُ تحتَ الشمس، دورٌ يمضي ودورٌ يجيء، والأرض قائمةٌ إلى الأبد والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تُشْرق».[43]
فقد تم ترهيب « كوبر نيكوس «أما جاليليو فقد ثارت ثائرةُ الكنيسة وأعلنت هرطقة هذا العالِم وإلحاده مُستندةً إلى أنَّ أقواله تخالف ما ورد في الكتاب المقدس. وتمَّ تحويل (جاليليو) إلى محكمة التفتيش في روما.[44]» وأجبرته لجنة المحكمة على الرجوع في رأيه بأنْ عرضتْ عليه أولاً وسائل التعذيب المستخدَمة إذا ما أصرَّ على رأيه… وكانت أعمالُ «جاليليو« قد أُدينت ووُضِعت في كشف الممنوعات منذ عام 1616م[45].
وقد أمضى بقية حياته مُعتقَلاً في منزله فشهرته العالمية قد سمحت له بتفادي العواقب الوخيمة، فكانت عمليّةُ اعتقاله في منزله الوسيلة الوحيدة لتفادي عمليات التعذيب الرسمية التي تمارسها اللجنة..»[46] وبخاصةً بعد أن صدر الحكم عن محكمة التفتيش بسجنه وتعذيبه بشدّةٍ مما اضطّره للتراجع عن نظرياته العلمية، وأعلن أمام البابا «أربان الثامن» تراجعه وتوبته عمَّا قاله. وقال في إعلانه هذا: «أنا غاليليو، وفي السبعين من عمري، سجينٌ جاثٍ على ركبتيَّ، وبحضور فخامتك، وأمامي الكتاب المقدس، الذي ألمسُه الآن بيدي أعلن أني لا أشايع، بل ألعنُ وأحتقرُ خطأ القول وهرطقة الاعتقاد بأن الأرض تدور»[47].
لكن كان موقف الكنيسة أشد مع ما جاء به العالم «جيوردانو برونو» بفرضيّةٍ علميّةٍ وصفَ من خلالها الكون بأنه «لا نهائي» كما تضمَّنت فرضيتهُ معلوماتٍ أُخرى منها على سبيل المثال (أنّ هنالك أشكالاً من الحياة خارج الكرة الأرضية) مما أثار غضب رجال الكنيسة الذين كانوا يعتقدون أن الأرضَ منبسطةٌ، وبناءً على ذلك فقد وجَّهت الكنيسة تهمة (الهرطقة)[48] إلى «جيوردانو برونو» وقامت بمحاكمته لمدّةٍ قاربت ثماني السنوات «تمَّ من خلالها انتزاعُ الاعترافات من «برونو» عن طريق التعذيب وحُكِمَ عليه بالموت؛ لأنه «متعنّتٌ مُصِرٌّ على هرطقته»…
وكان قد جاهد ليشرح أنّ أفكاره ليست خطأً، من دون جدوى. وتم حرقُه حيّاً في «كامبو دي فيوري» وقد كمّموه قبل أن يأخذوه إلى المحرقة؛ لتفادي أن تتسبّبَ عباراته في قلقلة معتقدات الجمهور الذي حضر لمشاهدة المحرقة. وقد تم إضفاء رتبة «كبير علماء الكنيسة» عام 1930م على «الكاردينال بلّلارمين» الذي تولّى إدانة «برونو« رسميا…».[49] يبدو أن تلك الافعال التي كانت قد قامت بها الكنيسة لم تسهم بإيقاف البحث العلمي إلا( أنها أعاقت عموما تقدم العلم)[50].
- إرهاب أهل الإصلاح الديني:
يُستفادُ مما سبق أنَّ الكنيسة حاصرت العقول الحرّة وحاولت جاهدةً أن تحجر عليها، ولم تعترف بالحرية الفكرية إلا تلك التي تدور في فلكها وتوافق هواها وتبدأ من عندها وتنتهي إليها؛ فما وافق أمزجة الباباوات كان حريةً فكريةً وإبداعاً، وما خالفها كان «هرطقة» وتمرّداً وخروجاً عن جادة الصواب واستحق الحرمان والقتل والإحراق البطيء المؤلم بالنار…
وبعد ما سبق كله يطل علينا البابا «بنديكت» السادس عشر من جامعة «ريتسبون» بألمانيا يوم الثلاثاء 12/9/2006م ليقول: «إنّ الإسلام لا يتفق مع العقل؟؟!! وإنّ جزءاً كبيراً من الإسلام قائمٌ على الإيمان بالغيبيّات والقَدَرِ، وإنّ في ذلك تغييباً كبيراً لوجود العقل!! لقد كان حرياً بالبابا أن يتكلّم على جوانب المسيحية كلها سوى جانب (الإيمان والعقل)؛
لأنه الجانب الأشدُّ ظلمةً وسواداً فيها كما ثبت بالتجربة والبرهان والأدلّة السابقة، وصدق الله الحق إذ يقول: «وإنْ تعجب فعجبٌ قولهم».[51] ولعلّ موقف البابا هذا يقودنا إلى النقطة الآتية والعامل الآخر من عوامل الدعوة إلى الإصلاح الديني والمتعلق برجال الدين والباباوات وممارساتهم الخاطئة.
المصلح الديني جان ويكلف (1320-1384م): الذي عد أول مترجم للإنجيل إلى الإنجليزية، أقرب إلى الفلاسفة منه إلى فقهاء الإنجيل أو الناشطين الدينيين، لكن اسمه ارتبط بثورة الفلاحين التي قامت عام 1381م، وبجماعات الكولارد السرية التي نشرت تراجم غير مصرّحة للكتاب المقدس لم يكتبها ويكليف بقلمه إذ شكك ويكليف في أحقية الكنيسة في السيطرة على أملاك المواطنين، ورأى أن القس الفاسق يفقد حقه في ممارسة مهامه ويحتمل أن يقصى عن عضويّة الكنيسة بمفهومها الحقيقي، كمجتمع من المؤمنين الصالحين الذين قدر لهم الرب سلفا الخلاص.[52]
فضلاً عن انتقاده الكنيسة المسيحية في مبالغتها في جمع الأموال؛ ولذلك دعا إلى الاستحواذ على ممتلكات الكنيسة واستلالها في إصلاح البلاد الإقتصادية والاجتماعية والتحذير من استغلالها وسلطتها بعد أن تبين أن سلوك رجل الدين لا علاقة له بما يأمر به الدين المسيحي. واتهم لكل هذه الأسباب بالهرطقة، وأدان البابا وجامعة أكسفورد بمجلس كنسي عام معتقداته،
ويرجح أن ويكليف في أثناء عزلته في مدينة لوتروورث في العامين الأخيرين من حياته عانى سكتةً دماغية قبل أن توافيه المنية عام 1384م ودفن في فناء الكنيسة، لكن نبش قبره وأخرجت عظامه عام 1428م، بأمر من البابا مارتن الخامس، وأحرقت وألقي رمادها في نهر السويفت.[53]
المصلح الديني جان هس (1370 – 1415م) قام جون بانتقاد الكنيسة انتقاداً شرساً ودعا إلى عدم تقديس البابوية؛ لأن أفكارها وسلوكها بعيدان عن الديانة المسيحية وإن تصرفاتها الفاسدة تتنافى مع القيم التي يدعو إليها الإنجيل، وقد أدى به انتقاده إلى إعدامه من طرف الكنيسة سنة 1415م وذلك بتهمة الهرطقة (الردة).
المصلح الديني إيرازم: انتقاد إيرازم الرهبانَ المسيحيين؛ لكونهم قوماً ظالمين قساة، استسلموا للخرافات، ودعوته للعودة إلى الإنجيل الذي يشتمل على القيم الحقيقية والتخلص من السلطة
الكاثوليكية التي تتنافى مع الديانة المسيحية. فقد استولوا على أملاك الكنيسة وظهرت الرشوة، وأخذ الكثيرون يذهبون إلى الصيد والحرب، ويشيدون القصور الفخمة، وأرهقوا الفلاحين بالضرائب الثقيلة؛ولما كثرت هذه السيئات بمرور الزمن ظهر المصلحون من الأفراد والجماعات فكانت الكنيسة تصفهم بالإلحاد عندما تراهم يهاجمون قواعدها الأساسية وأنظمتها[54].
- الخلاصة الختامية:
التي يمكن أن نصل اليها أن هناك عقيدة مسيحية تم إنتاجها من قبل بولص، وهي تستجيب إلى حاجات نفسية لدى بولص متمثلة بنزوع نفسي وسياسي يختلف مع ما هو معرفة عن المسيح من خلال أقواله وأفعاله والتربية التي أعد بها تلاميذه وبولص لم يكن منهم.
يضاف إلى هذه الامور كلها تأويلات الكنيسة وما قدمته من هبة قسطنطين، فقد أسهمت في ولادة أصولية وهذا جعل القول الشائع إن «الدين هو البوصلة التي تساعد الإنسان على الحفاظ على اتجاهاته السليمة في هذه الحياة، وتحُول بينه وبين الهيام على وجهه دون هدف مما قد يعرضه إلى السقوط في براثن الشر». يصعب التصديق مع تجارب الكنيسة الرومانية وتحولها إلى سلطة دينية تدعم السلطة السياسية، وتضفي عليها الشرعية.
وأصبح الخروج على تلك السلطة أمراً صعباً على الرغم من كونها بشرية، وتعاني انحرا فاتٍ كثيرةً أخلاقية كما تجلت في نقد لوثر وغيره من العلماء وأصحاب النزعة الإنسانية المسيحية.
وقد كانت آليات العنف الرمزي عبر الحرمان المادي بمصادرة الممتلكات والتعذيب والموت. في مواجهة أمور تبدو بدهية، الأولى تفاسير عقائدية مسيحية تختلف عن تفسير الكنيسة الرومانية التي اختارت «بولص» وسارت على منهاجه من دون بقية الحواريين،
وهي أمور مارست الكنيسة بحقها العنف بوصفها هرطقة، في حين هي لا تختلف عن جوهر تعاليم المسيح، وأخرى اكتشافات علمية تحاول فهم الطبيعة التي خلقها الله وهي المعلول الذي يشير إلى وجود علة خالقة ومنظمة للكون كما جاء مع كلبر وغاليلو.
وجابهت حركة الاصلاح الديني والتي هي رد فعل على الفساد الاخلاقي في المؤسسة الكنسية. هذه الاخطاء والأساطير كلها كانت سبباً في الانحراف والميل إلى الإلحاد.
عامر عبد زيد الوائلي : أستاذ الفلسفة والفكر المعاصر في جامعة الكوفة ـ العراق.
-حمود بن احمد الرحيلي، العلمانيّة وموقف الإسلام منها، دار النهضة العربيّة، مصر، 1967م ص 4 .
[2]- المصدر نفسه، ص5.
[3]- عبد الوهاب المسيري، العلمانيّة الجزئيّة والعلمانيّة الشاملة، مصدر سابق، ص53.
[4]- انظر: إبراهيم العبادي وآخرون، الإسلام المعاصر والديمقراطيّة، سلسلة ثقافة التسامح، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2004م، ص129 .
[5]- إنعام احمد قدوح، العلمانيّة في الإسلام، مؤسسة بضعة الرسول، ط1، بغداد، 2012، ص9.
[6]- توفيق السيف، رجل السياسة دليل في الحكم الرشيد، الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، بيروت – 2011م، ص88 .
[7]- انظر: محمد الشيخ وياسر الطائري، مقاربات في الحداثة وما بعد – الحداثة، حوارات منتقاة من الفكر الألماني المعاصر دار الطليعة، بيروت، 1996م، ص10. وانظر: رضوان جودت زيادة، صدى الحداثة ما بعد الحداثة في زمنها القادم، المركز الثقافي العربي، ط1، بيروت، 2003م، ص 17.
[8]-الناصر عبد اللاوي، الهويّة والتواصليّة في تفكير هابرماس، دار الفارابي، ط1، بيروت، 2012 م، ص 12.
[9]-علي عبود المحمداوي، خطاب ال»مابعد «في استنفاد وتعديل المشروعات الفلسفيّة، دار ضفاف، ط1، بيروت، 2013م، ص222.
[10]- المرجع والصفحة نفسهما.
[11]- يمكن مراجعة هذا الأمر في هذا الكتاب: يورغن هابرماس، وآخرون، قوة الدين في المجال العام، ترجمة، فلاح رحيم، دار تنوير، ط1، بيروت،2013. م.
[12]- انظر: أوليفيه روا، نحو إسلام اوروبي، خليل أحمد خليل، دار المعارف الحكميّة، ط1، بيروت، 2010م، ص72.
[13]-رفيق عبد إسلام، في العلمانيّة والدين والديمقراطيّة المفاهيم والسياقات، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 2008، م ص37 .
[14]-Emmet Kennedy. The Tangled History of Secularism، Conditions And Challenges، University of Washington، D. C.، Washington 1989. p 34 .
[15]-ج. ويتلر، الهرطقة في المسيحية، ص 18.
[16]- المرجع نفسه، ص 49.
[17]-أبو موسى الحريري، قس ونبي، دار لأجل المعرفة، بيروت، 1985م، ص 128 وانظر: Epiphane، Panarion، 30/4. 6.
[18]- المرجع نفسه، 129.
[19]- ج. ويتلر، الهرطقة في المسيحية، ص 49-50.
[20]- أوغسطين ن مدينة الله ن ترجمة، الخوري أسقف يوحنا الحلو ن دار المشرق، طط2، بيروت،2015م.
[21]- كارين ارمسترونغ، النزعات الاصولية في اليهودية والمسيحية والإسلام، ترجمة، محمد الجورا، دار الكلمة للطباعة والنشر، ط1، دمشق، 2005، ص 78.
[22]- دكتور عبد المنعم الحفني، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، دار مدبولي، ط3، القاهرة، 2000م،ص778.
[23]- لاغريه، ج، الدين الطبيعي، ترجمة: منصور القاضي، مترجم، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت،1993م،ص10.
[24]- علي حمزة زكريا، أنواع الإلحاد نظر مجملة، شبكة الفكر، موقع.
[25]- المرجع نفسه، ص 11.
[26]- أ. د. خليل حسين، دراسة منشأ الحركات الاصولية وتداعياتها، منشأ الحركات الأصولية وتداعياتها، مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية (RSSC)،المؤتمر الإقليمي الأوّل،القضايا الإقليمية الناشئة: التحدّيات والرؤى المستقبلية،بيروت 29 آذار – 1 نيسان 2011م.
[27]- انظر: داريوش شايغان، ما الثورة الدينية الحضارية التقليدية في مواضعها الحداثة، ترجمة، محمد الرحموني، دار الساقي، ط1، بيروت، 2004م، ص 218-219.
[28]- عبد القادر أحمد اليوسف، العصور الوسطى الاأوربية (476-1500)، المكتبة العصرية،بيروت، 1967م،ص 250.
[29]- إسبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة حسن حنفي، دار التنوير، ط1، بيروت، 2005م، ص 240.
[30]- عبد القادر أحمد اليوسف، العصور الوسطى الاأوربية (476-1500)، المكتبة العصرية،بيروت، 1967م،ص 250.
[31]- هوستن سميث، أديان العالم، ترجمة، سعد رستم، دار الجسور الثقافية،ط3، حلب، 2007،ص ص438.
[32]- انظر: ابن قرناس، في كتابه مسيحية بولص وقسطنطين، دار الجمل، ط1، بيروت،2009م، ص9.
[33]- الكتاب الانجيل، الرسالة الأولى من بطرس،دار الكتاب الشريف، ط1، بيروت، 2007م، ص290. جان جاك شوفالييه، تاريخ الفكر السياسي، ترجمة محمد عرب صاصيلا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع، ط4، بيروت،1998م، ص144.
[34]- عبد القادر أحمد اليوسف، العصور الوسطى الاأوربية (476-1500)، المكتبة العصرية،بيروت، 1967م،ص 250.
[35]- هاشم يحيى الملاح، المفصل في فلسفة التاريخ، منشورات المجمع العلمي، مطبعة المجمع العلمي،، بغداد، 2005م، ص113.
[36]- محاكم التفتيش: محاكم التفتيش «باللاتينية: Inquisitio Haereticae Pravitatis)، حرفياً: التحقيق في البدع الهرطوقية)،ديوان أو محكمة كاثوليكية نشطت خاصة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، مهمتها اكتشاف مخالفي الكنيسة ومعاقبتهم. إن محاكم التفتيش هي «سلطة قضائية كنسيه استثنائية» التي وضعها البابا غريغوري التاسع لقمع، في جميع أنحاء العالم المسيحي، جرائم البدع والردة، وأعمال السحر، من القرن الثالث عشر إلى السادس عشر.
[37]- ج. ويتلر، الهرطقة في المسيحية، ص107.
[38]-في الاسكندرية وهي إذ كانت مديرة المكتبة التي تمثل عصارة التراث الهلنستي وتعد هذه الفيلسوفة فارق عن التفكير ما قبل الكنيسة وخطابها الاصولي فهي آخرَ أكبر عالمةِ رياضياتٍ وفلسفةٍ في مدرسة الاسكندرية آنذاك، وقد تَمَّتْ عملية القتل بناءً على توجيهاتٍ وأوامر من أسقف الإسكندرية «سيريل» الذي جعلته الكنيسة البابوية قدّيساً فيما بعد!! «وبعد إعدامها بلا محاكمة، قام الجناةُ بسحب جثتها داخل الكاتدرائية وتولّى الرهبان تقطيع جسدها. انظر: ريبوني، إنريكو، الإلحاد وأسبابه «الصفحة السوداء للكنيسة» ترجمة د. زينب عبد العزيز، دار الكتاب العربي، ط1،بيروت، 2004م، ص 69.
[39]- Mueller، I.؛ L. S. Grinstein & P. J. Campbell (1987). Women of Mathematics: A Biobibliographic Sourcebook. New York: Greenwood Press
[40]- روبرت س. سولمون، الدين من منظور فلسفي، ترجمة حسون السراي، العارف، ط1، بيروت، 2009م، ص30.
[41]- روب أيلف، نيوتن، ترجمة، شيماء طه الريدي، مؤسسة المهداوي للتعليم والثقافة، ط1، 2014م، ص 29-30. وانظر يوسف كرم،تاريخ الفلسفة الحديثة، دار القلم، بيروت (د. ت)،ص19.
[42]- وايت، آندروديكسون، بين العلم والدين، ترجمة إسماعيل مظهر، ص 73، 1930م، دار العصور، مصر.
[43]- المرجع السابق نفسه، ص 61.
[44]- سيأتي تفصيل ذلك لاحقاً.
[45]- قامت اللجنة الخاصة بالحكر على الفكر التابعة للكنيسة بإصدار قائمة الكتب التي يمُنع نشرها وتداولها وكان من ضمنها كتب (كوبر نيكوس) و(جاليلو).
[46]- روبرت س. سولمون، الدين من منظور فلسفي، المرجع نفسه، ص 103.
[47]- وايت، آندروديكسون، بين العلم والدين، المرجع نفسه، ص 79 – 80.
[48]- كلمةٌ إغريقيّة الأصل تعني الخروج على مجموعة الأفكار الدينيّة التي يؤمن بها السوادُ الأعظم من الناس في مجتمع ما وزمانٍ ما، وأصبحت فيما بعد تُطلَقُ على تفكير الإنسان لنفسه وتساؤله مُتشكّكاً في سلطة الكنيسة.
[49]- للتوسع في هذا الموضوع انظر: روبرت س. سولمون، الدين من منظور فلسفي، ص 100 -102.
[50]- ميرتشيا إلياد، البحث ٌ عن التاريخ والمعنى في الدين، ترجمة سعود المول مركز دراسات الوحدة العربية،ط1، بيروت، 2007م، ص113.
[51]- من الآية (5) من سورة الرعد.
[52]- سكوت إتيش هندريكس، مارتن لوثر، مقدمة قصيرة جداً، ترجمة كوثر محمود، مؤسسة الهنداوي للتعليم والثقافة، ط1، القاهرة، 2014م، ص19.
[53]- المرجع نفسه والصفحة نفسها.
[54]- محمود شاكر، مرجع سابق، ص: 496.