مكتبات تاريخية عريقة

مكتباتُ القديمِ والمُستعمَل .. مناجمُ معرفةٍ تُدر الملايين

يخطئ من يعتقد أن الكتب الحديثة وحدها هي التي تلقى رواجاً في سوق الكتب، ومخطئ أيضاً من يرى أن الكتاب حينما “يشيخ” لا قيمة له، فإحصائية أجرتها “الاقتصادية“، كشفت فيها نصف العينة المستطلعة آراؤهم أنهم اقتنوا كتباً قديمة، وسط تقديرات غير رسمية بأن حجم سوق الكتاب المستعمل يصل لـ 20 مليون ريال سنوياً.


  • تجارة رائجة

في كل دول العالم، يعتبر بيع الكتب المستعملة تجارة رائجة، ولعل “سوق الأزبكية” في عتبة القاهرة وشارع النبي دانيال في الإسكندرية يمثلان نموذجاً عربياً ناجحاً لأسواق تغلبت على الزمن.

بخمسة ريالات أو أقل يمكن شراء الكتب من هاتين السوقين، وفي المملكة الأمر سيان؛ إذ تتمتع المكتبات التراثية أو مكتبات الكتاب المستعمل بسمعة طيبة، وتحتضن كتباً نادرة، قلما تجد مثيلاً لها في العالم العربي.

يقدر باعة في إحدى المكتبات التراثية حجم سوق الكتب القديمة والمستعملة في المملكة بـ 20 مليون ريال، حيث يباع الكتاب الواحد بثلث ثمنه، أو ربع ثمنه، وعدد قليل من الكتب يحتفظ بثمنه، لندرته وقيمته العلمية.


  • الفكرة لا تموت

في المكتبات القديمة تجد أمهات الكتب، كلاسيكيات الأدب العربي، قواميس اللغات، نوادر التفاسير والكتب الدينية، وهناك عددٌ لا بأس به من الباحثين الذي يجدون في هذه الرفوف ضالتهم.

“الاقتصادية” أجرت استطلاعا على 500 قارئ، أكثر من نصفهم طلابٌ ينتمون إلى جامعة الملك سعود في الرياض، كشفت نتائج الاستطلاع أن 48 في المائة من إجمالي العينة بحثوا عن كتب قديمة ثم اقتنوها، فيما قال نحو 20 في المائة ممن لم يقتنوا هذه الكتب أنهم لا يعرفون أماكن بيعها.

ورغم تباين الأسباب، بيّنت النتائج أن جلّ من اشتروا كتباً قديمة، قالوا إنهم اشتروها من أجل أفكارها، فـ “الأفكار لا تموت” على حد تعبيرهم، حيث يستعان بها في الأبحاث الجامعية، وكشفوا أنهم يعيبون على معارض الكتب أنها تركز على تسويق الكتاب الحديث دون غيره.


  • في بطن الحوت

يصوّر مثقفون مهمة البحث عن كتاب قديم كمن يبحث في بطن الحوت، فالمشتري في هذه الحالة يلف أسواق الكتب القديمة بطولها وعرضها للبحث عن كتابه المنشود، في حين يطالب مثقفون بوجود موقع إلكتروني للمكتبة التراثية وأماكن بيع الكتب المستعملة تسهيلاً لتلك المهمة، ليجد القارئ كتابه الذي يبحث عنه.

أجمل ما في هذه المكتبات هو رائحة الورق التي تفوح منه، حيث يقف القارئ بين آلاف الكتب، ويجد في بعضها ملاحظات قارئها الأول القيّمة، ومنها ما طالته عوامل الزمن القاسية، واصفرّت ألوان صفحاته، لتؤكد أن الكتاب لا يموت.

أما الباعة فيكشفون أن معظم الباحثين عن الكتب المستعملة والقديمة هم في الأساس باحثون جامعيون، فيما كشفوا عن حالات فريدة لقراء يتجولون بين الكتب للبحث عن كل ما هو نادر وفريد، فلا يبحثون عن عناوين بعينها؛ بل عن كنوز خفية في كهوف المكتبة.


  • كيف يحصلون على هذه الكتب؟

قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين سؤالٌ حول كيفية حصول المكتبات على الكتب القديمة، يكشف باعة في حديثهم لـ “الاقتصادية”، أن المكتبات الكبيرة والشهيرة تفسح المساحات ورفوفها للكتب الجديدة، عبر بيع جزء من مخزونها بسعر مخفّض، فيحتفظون بنسخ محدودة من الكتاب القديم، فيما يبيعون بقية النسخ.

وليس تلك الوسيلة الوحيدة لاقتناء الكتب القديمة، فجزء كبير من مقتنيات المكتبات الكتاب المستعمل هي من التبرعات، حيث يقوم كثيرون بإهداء أجزاء من مكتباتهم ورفوفهم لتلك المكتبات، فيما يشتري هؤلاء الباعة مكتبات الآخرين بأسعار مخفضة، عبر صفقات هم فيها الرابح الأكبر.

ومن أمثلة تلك الصفقات بحسب باعة التقتهم “الاقتصادية”، حينما أجرى ورثة متوفى أخيراً مزاداً في الحراج على مجموعة من الكتب تناهز الألفي كتاب، بيعت بألف ريال، فيما قام آخر ببيع مكتبته بعدما ضاقت به الحال بـ 3 آلاف ريال، حيث كانت تحتوي أكثر من 2500 كتاب.


  • الغذامي تصدّق بكتبه .. وشحبي باعها

ولعل الحادثة الأكثر شهرة في مجال بيع المكتبات وإهداء الكتب، هو ما حدث للمثقف والكاتب السعودي الدكتور عبدالله الغذامي، حينما كشف أنه تصدّق بأغلى كتبه لأسر محتاجة وشغوفة بالقراءة، لا تملك المال لشراء خير جليس، كاشفاً في حسابه على “تويتر”، بعد إشاعات قالت إن مكتبته سُرقت أو بيعت إثر وجود كتب عليها إهداءات باسمه في بعض المكتبات، بأن سيدة فاضلة تعمل في وجوه الخير، ومشهود لها بمواقفها الإنسانية، أبلغته أن هناك عائلات تتطلع إلى القراءة وتعشق الثقافة، إلا أنها لا تملك ما يكفي من المال لشراء الكتب.

الإيثار بلغ بالدكتور الغذامي مبلغه، حينما كشف أن هذه الكتب هي أغلى ما يملك، لا يحتفظ بنسخ أو طبعات أخرى منها، وإنما هي كتب لأصدقاء ومعارف وعليها إهداءات باسمه، لتكون خير صدقة.

على الجانب الآخر، عرض الروائي السعودي إبراهيم شحبي مكتبته المنزلية الضخمة، وروائع ما احتفظ به من كتب على مدى 35 عاماً، لحاجته لشراء آلة “حرّاثة”، لزراعة البن والدخن في مزرعته التي تقع في إحدى قرى رجال ألمع.

تضم مكتبة شحبي آلاف الكتب المتنوعة، ما بين كتب فقهية، وتفاسير، وكتب دراسات الأديان، ودراسات نقدية وفكرية، وروائع الأدب العربي من قصص وروايات ودواوين شعرية، فيما كشفت مصادر أن المكتبة بيعت لإحدى المكتبات بسعر زهيد.


وفي العالم العربي، نماذج عديدة لبيع المكتبات الشخصية، وهي حالة باتت شائعة في أوساط المثقفين، الذين يتمنون أن يستفيد آخرون من كتبهم التي جمعوا عبر عقدين من الزمن أو أكثر، ولا يجدون حرجاً في ذلك، فيما لا يزال صدى ما فعله الكاتب العراقي ذو الأصول الكردية زامدار أحمد قوياً، وأكثر حالات بيع المكتبات إثارة للجدل، فقد عرض مكتبته التي تحتضن أكثر من ألف كتاب للبيع في إحدى حدائق بلدة كويسنجق التابعة لمحافظة أربيل، بهدف جمع مبلغ مالي ليتمكن من اللجوء إلى إحدى الدول الأجنبية. 

جهاد أحمد من الرياض

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى