«ويلكوم للمخطوطات» اللندنية خزانة تاريخ الطب
تمثل مكتبة ويلكوم الآسيوية، حافظة فريدة لتاريخ الطب الكلاسيكي في العالم، إذ تحتوي 12 ألف مخطوطة نادرة وعشرات الآلاف من الكتب المطبوعة بـ43 لغة مختلفة، وتشمل المجموعة الإسلامية فيها، مخطوطات وكتباً مطبوعة عربية وفارسية ومجموعة صغيرة من المخطوطات العثمانية والكتب التركية، ويرتبط مضمون هذه المجموعات بالتراث المهم للطب الكلاسيكي، الذي مورِس في كل أنحاء العالم الإسلامي، من جنوب إسبانيا إلى جنوب شرق آسيا.
كانت المكتبة في سنواتها الأولى نتيجة جهد شخصي لهنري س. ويلكوم، الذي تؤلف مجموعاته التاريخية نواة مكتبة ويلكوم الحالية في لندن، حيث سخر ويلكوم ثروته طوال حياته، لتمويل العديد من المشاريع الخيرية، بما في ذلك المكتبات والمختبرات والمتاحف، وعمل بجد على تطوير موجودات المكتبة، وتركز اهتمامه على تاريخ الطب والمواد المساعدة، مثل: الكيمياء، الأنثروبولوجيا، الانثوغرافيا.
- 1890
بدأ ويلكوم جمع الكتب بجدية في أواخر 1890، ومن ثم التحف الفنية بعد فترة وجيزة.. وبهدف تنويع مصادر المكتبة، استخدم سلسلة من الوكلاء لجمع المواد من غرف المزادات، وكانوا يسافرون إلى جميع أنحاء العالم لشراء كل ما يمكن العثور عليه من خلال صفقات سرية، وكان ويلكوم يصر على السرية ويطلب من الوكلاء حمل أسماء مستعارة وإخفاء هوياتهم الحقيقية.
- ورثة قيّمة
توفي ويلكوم في عام 1936، وورّث الجزء الأكبر من تركته، بما في ذلك ملكية شركته للمستحضرات الدوائية ومجموعاته، إلى إحدى هيئات الأمناء، وأعضاء هذه الهيئة شكلوا..
ويلكوم ترست التي عملت إلى جانب مهمتها الأساسية في دعم البحوث الطبية الحيوية، على تشجيع دراسة التاريخ الطبي من خلال رعاية وصيانة المجموعات الموجودة في المكتبة، حيث بدأت بفرز تلك المجموعات، والتخلص من المواد التي لا يمكن أن تصنف ضمن تاريخ الطب.
وفي 1945 نقلت المكتبة إلى مبنى ويلكوم في شارع يوستن، ثم افتتحت رسمياً للجمهور في 1949، تحت اسم مكتبة ويلكوم التاريخية الطبية، وكان يعمل فيها عدد قليل من الموظفين، كما ان عمليات الاستحواذ في تلك الفترة كانت محدودة جداً. ولكن أعقبت تلك فترة من التقدم المطرد، إذ جرى تطوير خدمات المكتبة، وأصبحت معروفة على نطاق واسع. وعين نويل بوينتر في 1954 أميناً للمكتبة، وبدأ بوضع سلسلة من الفهارس لمجموعاتها.
- نمو متواصل
نقلت ملكية جميع المجموعات التاريخية رسميا إلى ويلكوم ترست، في 1960، وبذلك تحسن الدعم المالي، وجددت المكتبة على نطاق واسع في عام 1962. ثم بدأت منذ ذلك التاريخ، بالنمو المتواصل إلى أن أسس مركز المحفوظات الطبية المعاصرة في 1979، الذي عمل على جمع سجلات المنظمات الطبية الهامة في القرن العشرين حيث أضيف إليها حوالي 10 ألاف كتاب قيّم بحلول العام 1980.
- 1989
امتد نشاط ويلكوم ترست ليشمل جميع نواحي تاريخ الطب، وتمكنت في عام 1998 من إنشاء أقسام جديدة، شملت الطب الحديث.. بالإضافة إلى القسم التاريخي الذي تحتويه المكتبة.
كما تأسست دائرة المعلومات الاستئمانية التي وظفت لهدف لخدمة الاحتياجات الداخلية للمكتبة. وفي تلك الفترة، أضيفت مكتبة التصوير الفوتوغرافي ومكتبة الفيديو التي تحتوي أفلاماً طبية هامة، وفي سنة 1999 حصلت المكتبة على اعتراف واسع كمورد لتاريخ الطب، وسميت في ذلك العام: مكتبة ويلكوم لتاريخ وفهم الطب.
- إضافات نوعية
اتخذت المكتبة، في 2004، مقراً لها في شارع يوستن، وسعت لاستكشاف الروابط بين الطب والحياة والفن في الماضي والحاضر والمستقبل، وبعد ذلك بعام واحد، حصدت جائزة مرموقة من هيئة المتاحف والمحفوظات، واستحقت تلك الجائزة لكونها تعتبر جزءاً هاماً من التراث الثقافي والفني في المملكة المتحدة..
ومنذ ذلك الحين، تواصلت عمليات إضافة المجموعات المميزة إلى رصيد المكتبة، سواء عن طريق الشراء أو الهدايا. وفي 2007 أعيد إطلاق مكتبة التصوير الطبية، جنبا إلى جنب مع الموقع الجديد على شبكة الإنترنت..
كما ازداد خلال السنوات الأخيرة، تأثير وحضور المكتبة على الشبكة العنكبوتية، وشاركت في العديد من المشاريع الرقمية. وفي 2012 أعلنت مجموعة ويلكوم عن استثمار 17.5 مليون جنيه استرليني، بهدف خلق فضاءات جديدة وتحسين مرافق الزوار والباحثين.
- الطب الجديد الكيميائي
كان براكلسوس خيميائياً وطبيباً سويسرياً ألمانياً، ينتمي إلى عصر النهضة، وكتاب «الطب الجديد الكيميائي»، الذي اخترعه براكسلوس هو من بين المقتنيات النادرة في المكتبة، إذ غنه عبارة عن مجموعة مختارات من أعمال خيميائية من أوروبا.
ويتكون الجزء الأول من ترجمة عربية لعمل براكلسوس تتضمن مقدمة تتناول اكتشاف الخيمياء، وانتقالها فيما بعد إلى العالمين الهلنستي والإسلامي، كما تتناول جهود براكلسوس وتحويله الخيمياء إلى قسم من أقسام صناعة الطب، إضافة إلى حفظ صحة بدن الإنسان، كما يضم الكتاب أربع مقالات تحمل المقالة الأولى عنوان:
الجزء النظري من أشياء غريبة، وهو ما يمثل مضمون الطب الكيميائي في الأمور الطبيعية، أما المقالة الثانية التي تحمل عنوان (أساس الطب الكيميائي)، فتحتوي على فصول حول أسباب الأمراض والنبض والعلاج الكلي، بينما تتناول المقالة الثالثة كيفية تدبير الأدوية والعمليات الكيميائية التي تتضمن الفلزات والمعادن، والمقالة الرابعة تناقش مجموعة من العمليات، مثل: تقطير المياه.
أما الجزء الثاني من هذه المختارات فيضم ترجمات عربية للأعمال الخيميائية لأوزوالد كروليوس، وهو طبــــيب وخيميائي تأثر ببراكلسوس.
- عجائب وغرائب
يُعد كتاب «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» لزكريا بن محمد القزويني (1203-1283)، الموجود في المكتبة، من بين أشهر مؤلفات العالم الإسلامي، وعادةً ما يُشار إليه باسم «كتاب الدراسات الكونية». ويبدأ العمل بمقدمة، تتبعها مقالتان، الأولى عن العلويات والثانية عن السفليات، ويتضمن الكتاب شروحات عن عجائب المخلوقات..
ومؤلفات باللغتين العربية والفارسية تصف عجائب السماوات والأرض، ويُعد عمل القزويني هذا أشهر الأمثلة على هذا النوع من المؤلفات.
ونجت العديد من المخطوطات الخاصة بعمل القزويني، بالإضافة إلى عدة ترجمات فارسية وتركية، وهذه المخطوطة أكملها محمد بن محمد فاضل في الثالث من رمضان لعام 1254 هجرية (20 نوفمبر عام 1838). والمخطوطة خالية على نحو غير معهود، من أية رسوم إيضاحية.
- شفاء الأسقام ودواء الآلام
تضم المكتبة تحفة مهمة في عالم الطب والفكر، تتمثل في كتاب «شفاء الأسقام ودواء الآلام»، ومؤلِّف الكتاب هو خضر بن حسام الدين، المعروف في الأصل بالقونوي، نسبة إلى قونيا في تركيا، ويصف المؤلِّف في مقدمته الكتاب إقامته الطويلة في مصر..
حيث مارس الطب في مارستان المنصوري الشهير، إلى جانب مستشفيات أخرى، ومن هنا يأتي لقبه «المصري». وينقسم كتاب «شفاء الأسقام ودواء الآلام»، إلى أربع مقالات: المقالة الأولى في كليات الطب العلمي والعملي، والمقالة الثانية في الأغذية والأشربة والأدوية المفردة والمركبة.
أما الثالثة فهي تبحث في الأمراض المختصة بكل أعضاء الجسم من الرأس إلى القدم؛ والمقالة الرابعة في الأمراض العامة التي لا تختص بعضو من دون آخر، وتنقسم كل من هذه المقالات بدورها إلى فصول، فالمقالة الرابعة، على سبيل المثال، تتألف من فصول عن الحميات والتورمات والتقرحات وموضوعات أخرى.
- علم الفراسة لأجل السياسة
تغتني المكتبة بنوادر المؤلفات والمخطوطات، بينها كتاب «علم الفراسة لأجل السياسة»، للكاتب الإسلامي شمس الدين الدمشقي، الذي ألَّف في عدد من الموضوعات المتباينة، بدايةً من فن الطبخ وحتى علم التوحيد. ويعرض الدمشقي في مقدمة هذا العمل الذي يتناول علم الفراسة، أسماء ثمانية مؤلفين كلاسيكيين وإسلاميين اعتمد عليهم في عمله..
ويخصص حرفاً لكل واحد منهم. فعلى سبيل المثال، خصص لأرسطو حرف الطاء وللرازي حرف الراء، وبناء على هذا الترتيب يُورد شمس الدين، الحرف المناسب أو مجموعة الحروف المناسبة مع كل اقتباس من هذه المصادر، ويتحدث أيضاً عن السمات العامة للشعوب المختلفة، مثل المصريين والسوريين والأناضوليين.. وآخرين، وذلك قبل التركيز على الملامح التشريحية للأفراد وتنوعاتها ودلالاتها.
- «كتاب غالينوس إلى غلوكن»
يتكون كتاب «غالينوس إلى غلوكن» للعالِم المترجم الشهير حُنَين بن إسحق العبادي (809-873)، من أطروحتين للطبيب اليوناني غالينوس (131-201). ويوضح حنين أن الأطباء اليونانيين في مدرسة الطب السكندرية الشهيرة، صنفوا أعمال غالينوس إلى فئات متنوعة تيسيراً للمتعلمين..
ضمّت الفئة الأولى أربعة كتب كأعمال تمهيدية للطب، أولها أطروحة عن فِرَق الطب، وثانيها عمل عن صناعة الطب الصغيرة، وثالثها كتاب عن النبض الصغير ورابعها العمل المقدم هنا، وهو كتاب «غالينوس إلى غلوكن»، والمخطوطة مكتوبة بخط النسخ، بالحبرين الأسود والأحمر.
- «زمرد أخضر وياقوت أحمر»
يمثل كتاب «زمرد أخضر وياقوت أحمر» واحداً من الكتب التي كتبها المؤلف الهندي عبد العزيز بن أحمد القُرشي، الذي عاش في أوائل القرن التاسع عشر، وكان معروفاً بغزارة إنتاجه، حيث ألّف أعمالاً في التفسير والحديث والطب، وكتاب «زمرد أخضر وياقوت أحمر» هو أحد أعماله في الطب.
ويبدأ فيه المؤلف باستعراض أمراض الدماغ وعلاجاتها، ثم ينتقل إلى أمراض العين والأذن وأعضاء الجسم الأخرى، مختتماً العمل بمناقشة الأنواع المتنوعة للحميات وعلاجاتها، ويُثني عبد العزيز في مقدمته على أبقراط وغالينوس، باعتبارهما خادمين لعلم الطب، ويُدرج عدة نصوص طبية كمصادر استعان بها، من بينها:«تحفة المؤمنين» لحكيم مؤمن التُنكابُني و«الطب الأكبر» لمحمد أرزاني.
- رسم
تحتوي المكتبة رسماً تخطيطياً للولب المزدوج للـ د.ن.أ. لفرنسيس كريك، والصورة محفوظة في مكتبة ويلكوم ضمن أرشيف، ويرجع تاريخ تلك الصورة الأيقونية للحلزون المزدوج إلى عام 1953 والنموذج المعدني المصنوع محليا من يد العالم الإنجليزي فرانسيس كريك ومعاونه الأميركي جيمس واطسون.
إذ عزما على حل اللغز الذي طرحته أدلة البــحوث آنذاك، وحصلا على أفكار جديدة من خلال تصورهما لهيكل جزئي معقد بواسطة نموذج ملموس.
- مبادئ أبقراط..25 قاعدة عن الأمراض المميتة
يتألف كتاب «الرسالة القبرية»، الموجز، الذي تضمه المكتبة من مجموعة قوامها 25 مبدأً صحياً تُنسب إلى أبقراط، وتتناول المبادئ بشكل حصري، مآل المرضى المصابين بأمراض مميتة. وتتكون الصيغة المتبعة فيها، من ذِكر عَرَض المرض يليه تحديد الفترة المتبقية حتى وفاة المريض (بالأيام). ثم ذِكر عَرَض ثانوي يؤكد الحالة.
ويتضمن النص شرحاً لعنوان العمل وسبب تسمية الرسالة بالقبرية: لأنها وجدت في قبر ابقراط. كما أن هناك شرحاً يفيد بأنه حُكي عن غالينوس أنه ذهب إلى البلد الذي دُفن فيه ابقراط، وطلب من السلطان كشف قبره فأجازه، وعندما فتحه وجد فيه هذه الأحكام فأخرجها منه ونشرها لكثرة فوائدها وذريعة غرائبها.
- «القانون في الطب» برهان فضل الحضارة العربية على الغرب
تشهد محتويات المكتبة، على دور المؤلفين والفلاسفة والاطباء العرب في نهضة اوروبا، وخير مثال احتضانها كتاب (القانون في الطب) للشيخ الرئيس ابن سينا.
إذ كان السبب الرئيسي لسطوع نجمه في أوروبا، ترجمه إلى اللاتينية جيرارد الكريموني في القرن الثاني عشر وظل جزءاً من المنهج القياسي النموذجي لطلبة الطب حتى أواخر القرن السابع عشر.
وينقسم القانون في الطب إلى خمسة كتب، هي الأمور الكلية في علم الطب، الأدوية المفردة ويدرج حوالي 800 عقار مفرد من أصل نباتي أو معدني، الأمراض الجزئية ويناقش أمراض الأعضاء المفردة، الأمراض التي لا تختص بعضو بعينه ويناقش الحالات الطبية التي تؤثر على الجسم بأكمله، مثل: الحميات والسموم والأدوية المركبة. وفيه يُورِد ابن سينا حوالي 650 مركباً دوائياً، بالإضافة إلى استخدامات وآثار كل منها.