أزمة القراءة في العالم العربي: بين تراجع الاهتمام وتحديات الواقع
لطالما ارتبطت الحضارة العربية بالكتب والمكتبات كرمز للعلم والمعرفة. ومع ذلك، تشهد الدول العربية اليوم تراجعًا ملحوظًا في العلاقة بين القارئ والكتاب، حيث أضحت القراءة في حياة الكثيرين هامشية. كيف وصلنا إلى هذا الحال؟ وما هي التحديات التي تواجه الكتاب في عالمنا العربي؟
- صناعة النشر تحت الضغط
رغم المحاولات المتكررة لإنعاش النشر، إلا أن الأرقام تشير إلى أزمة واضحة. تشير دراسات مختلفة إلى أن متوسط القراءة السنوي للفرد العربي يقل بكثير مقارنة بمواطني الدول الغربية. بينما يقرأ الطفل العربي كتابًا واحدًا سنويًا في المتوسط، يتجاوز الأطفال في أوروبا وأمريكا قراءة عدة كتب سنويًا.
إلى جانب هذه الإحصائيات، تقف صناعة الكتاب العربية أمام تحديات هيكلية. فالكثير من المكتبات العريقة أغلقت أبوابها بسبب الظروف الاقتصادية، كما حدث مع مكتبة “نوبل” في دمشق و”أنطوان” في بيروت، اللتين لم تقاوما تأثير الأزمات الاقتصادية والسياسية.
- تاريخ غني في مواجهة واقع مأزوم
كان العالم العربي يومًا مركزًا للمعرفة، حيث ازدهرت المكتبات مثل بيت الحكمة في بغداد ومكتبة قرطبة في الأندلس. لكن مع العصور المتأخرة، بدأت هذه المكانة بالتراجع. الهيمنة العثمانية، ثم الانتدابات الأوروبية، أعاقت تطور المؤسسات الثقافية العربية. لاحقًا، جاءت الأنظمة القومية لتعزز مناخ الرقابة على الكتب، ما أدى إلى الحد من حرية النشر والإبداع.
- القراءة وأولويات المواطن العربي
في ظل الأزمات الاقتصادية، أصبحت القراءة ترفًا لا يستطيع تحمله الكثيرون. ومع تزايد الفقر والبطالة، أصبحت أولويات المواطن العربي محصورة في تلبية الاحتياجات الأساسية. هذا الوضع دفع صناعة الكتب الورقية نحو تراجع غير مسبوق.
أضف إلى ذلك ضعف السياسات التعليمية التي لا تُعزز حب القراءة منذ الصغر. مشاهد تمزيق الكتب المدرسية بعد الامتحانات تعكس ضعف ارتباط الطلاب بالكتب، ليس فقط كأداة تعليمية، ولكن كمصدر للتنوير والإبداع.
- الحل يبدأ من التعليم والثقافة
لإحياء القراءة في العالم العربي، يجب أن تبدأ الجهود من المدارس. المناهج الدراسية يجب أن تعزز حب الكتاب بدلًا من تقديمه كواجب مرهق. كما ينبغي أن تتبنى الأنظمة التعليمية أساليب حديثة لجذب الأجيال الجديدة إلى عالم الكتب.
من جهة أخرى، يتحمل الكُتاب والمثقفون مسؤولية تطوير المحتوى الثقافي ليكون أكثر ملاءمة للعصر الحديث. الأساليب التقليدية في الكتابة لم تعد تجذب القارئ العصري الذي يبحث عن محتوى يعكس واقعه وطموحاته.
- نحو ثقافة القراءة
رغم التحديات، تبقى القراءة أداة أساسية للتنمية الفردية والمجتمعية. تشجيع القراءة لا يعني فقط إنتاج الكتب، بل يتطلب إنشاء بيئة تُقدِّر الكتاب كوسيلة للتطور. المبادرات المجتمعية، مثل حملات التبرع بالكتب أو إقامة نوادي قراءة، يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في استعادة مكانة الكتاب في المجتمع.
في النهاية، إعادة إحياء ثقافة القراءة تتطلب جهدًا مشتركًا من الحكومات، المؤسسات التعليمية، ودور النشر. القراءة ليست مجرد ترف، بل هي المفتاح لبناء أجيال قادرة على تجاوز التحديات وصنع مستقبل أفضل.