المكتبة البريطانية: ذاكرة معرفية كونية تحفظ حضارة الإنسان منذ آلاف السنين
(British Library)
في قلب العاصمة لندن، وعلى مرمى حجر من محطتي “يوستن” و”سانت بانكراس”، تقف المكتبة البريطانية (British Library) شامخة، بوصفها واحدة من أعظم المعالم الثقافية والمعرفية في العالم، ومخزنا مذهلا لذاكرة البشرية.
أُنشئت المكتبة رسميا سنة 1973، إلا أن جذورها تعود لقرون طويلة، حين كانت جزءا من المتحف البريطاني. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المكتبة الوطنية للمملكة المتحدة، وواحدة من أكبر المكتبات عالميا من حيث حجم المحتوى، وتنوع مصادره، وثراء لغاته.
- محتوى عالمي بـ150 مليون عنصر من كل قارات الأرض
تضم المكتبة أكثر من 150 مليون عنصر معرفي بمختلف الأشكال، من مطبوعات ومخطوطات إلى تسجيلات صوتية وفيديوهات وخرائط وطوابع وحتى براءات اختراع. وتشمل مقتنياتها:
- نحو 14 مليون كتاب، لا يفوقها في ذلك سوى مكتبة الكونغرس الأمريكية.
- مخطوطات نادرة، تعود إلى أكثر من 2000 سنة قبل الميلاد.
- تسجيلات صوتية وموسيقية عبر أرشيف الصوت الوطني.
- قواعد بيانات ووسائط متعددة بتنسيقات رقمية حديثة.
مكتبة إيداع قانوني وعملاق في الاستحواذ المعرفي
بصفتها مكتبة إيداع قانوني (Legal Deposit Library)، تتلقى المكتبة البريطانية نسخة من كل كتاب يُنشر في المملكة المتحدة وإيرلندا. وهي تضيف نحو 3 ملايين مادة جديدة سنويا، ما يتطلب تمددا دائما يصل إلى 9.6 كم من الأرفف كل عام!
كما تمتلك المكتبة برامجا طموحة في الاستحواذ على محتوى دولي، مما يجعلها منصة عالمية حقيقية لتلاقح الثقافات وتعدد اللغات.
بنية جغرافية متعددة المراكز
- المقر الرئيسي: شارع يوستن، لندن – سانت بانكراس.
- مراكز تخزين وقراءة: بوسطن سبا، ويوركشاير الغربية.
- غرف قراءة ومراكز بحث: مفتوحة للباحثين من كافة أنحاء العالم، وفق إجراءات مرنة.
أرشيف الصوت الوطني: صوت التاريخ البشري
من بين أبرز ما يميز المكتبة البريطانية استحواذها عام 1983 على أرشيف الصوت الوطني (National Sound Archive)، والذي يحتوي على:
- أكثر من مليون تسجيل صوتي من إذاعات ومحاضرات وموسيقى نادرة.
- آلاف الأشرطة الصوتية والبصرية التي توثق أحداثا وشهادات تاريخية.
خلفية تاريخية موجزة
- قبل 1973: كانت قسما من المتحف البريطاني.
- 1973: تأسست رسميا عبر قانون المكتبات البريطانية.
- 1980s: توسعت لتشمل مراكز تقنية ومكتبات متخصصة مثل مكتبة الإقراض الوطنية ومكتبة المكتب الهندي.
- 1997: انتقلت إلى مبناها الحديث في سانت بانكراس، المصمم خصيصا لحفظ المحتوى الرقمي والورقي.
أهداف المكتبة البريطانية:
- جمع التراث الثقافي والمعرفي العالمي في مكان واحد.
- إتاحة المعرفة مجانا أو بتكلفة رمزية للباحثين والطلبة.
- حفظ التراث البريطاني واللغوي والتاريخي من الاندثار.
- دعم البحث العلمي والتعليم داخل وخارج المملكة المتحدة.
- رقمنة الكنوز المعرفية وإتاحتها إلكترونيا عبر الإنترنت.
ماذا تقدم المكتبة للباحثين العرب؟
توفر المكتبة البريطانية محتوى ضخما حول:
- تاريخ الشرق الأوسط والخليج العربي
- الاستشراق والمخطوطات الإسلامية
- اللغة العربية وآدابها
- الكتب النادرة عن العالم الإسلامي
كما عقدت شراكات مع مكتبات عربية (مثل مكتبة قطر الوطنية) لتوسيع رقعة التعاون الرقمي.
- مخطط زمني لتاريخ المكتبة البريطانية
تمثل المكتبة البريطانية نموذجا فريدا لتطور الفكر المؤسسي في حفظ المعرفة وتنظيمها رقميا وورقيا. فمنذ نشأتها في قلب المتحف البريطاني، مرورا بفصلها قانونيا وتطور بناها التحتية، إلى توسعها الرقمي العالمي، تظل المكتبة شاهدة على ديناميكيات تطور الذاكرة الإنسانية. هذا المقال يعرض مخططا زمنيا لأبرز محطات المكتبة البريطانية عبر أكثر من قرنين من الزمن.
- المحطات التاريخية الكبرى للمكتبة البريطانية (1770–2025)
القرن 18: الجذور داخل المتحف البريطاني
- 1753: تأسيس المتحف البريطاني، متضمنا مكتبة ضخمة أسهمت في تشكيل نواة المكتبة الوطنية.
- 1757: تبرع الملك جورج الثاني بمكتبة الملوك (King’s Library) للمتحف، والتي أصبحت لاحقا من مقتنيات المكتبة البريطانية.
القرن 19: الانفجار المعرفي وتوسيع المجموعات
- 1857: افتتاح “قاعة القراءة المستديرة” الشهيرة داخل المتحف البريطاني، والتي ستصبح مركزا علميا عالميا يرتاده كبار المفكرين (مثل ماركس وداروين).
- 1890: ازدهار اقتناء المخطوطات الشرقية والنادرة ضمن حملة الاستكشافات الإمبراطورية البريطانية.
1972–1973: الميلاد القانوني للمكتبة البريطانية
- 1972: صدور قانون المكتبات البريطانية، بقرار من البرلمان البريطاني.
- 1 يوليو 1973: إعلان تأسيس “المكتبة البريطانية” رسميا كمؤسسة وطنية مستقلة عن المتحف البريطاني.
1974–1985: التوسع والدمج المؤسسي
- 1974: دمج وظائف “مكتب المعلومات العلمية والتقنية” داخل المكتبة الجديدة.
- 1982: استحواذ المكتبة على مكتبة المكتب الهندي ومكتبة الإقراض الوطني للعلوم.
- 1983: ضم أرشيف الصوت الوطني الذي يضم ملايين التسجيلات التاريخية.
1997: الانتقال إلى مقر سانت بانكراس
- 1997: افتتاح المقر الجديد في شارع يوستن – سانت بانكراس، بتصميم معماري حديث بُني خصيصا لحفظ المحتوى الورقي والرقمي وتوفير قاعات بحث مفتوحة للباحثين.
2000–2010: الرقمنة والانفتاح على الإنترنت
- 2004: إطلاق مشاريع الرقمنة الكبرى، من بينها مخطوطات العالم الإسلامي، وكتب نادرة من العصور الوسطى.
- 2008: إطلاق بوابة إلكترونية تتيح الوصول إلى آلاف الوثائق والمحتويات الرقمية.
2012–2020: شراكات عربية ودولية
- 2012: شراكة مع مكتبة قطر الوطنية لتطوير مشروع رقمي ضخم للوثائق المرتبطة بالخليج العربي.
- 2016: إطلاق مكتبة مرئية رقمية بواجهات متعددة اللغات من ضمنها اللغة العربية.
2020–2025: الذكاء الاصطناعي والمحتوى المفتوح
- 2020: إدماج الذكاء الاصطناعي في فهرسة وتحليل المجموعات النادرة.
- 2023: مشروع “إعادة اكتشاف المخطوطات” عبر التعرف الآلي على الخط العربي والتصنيف الموضوعي.
- 2025: العمل على تحويل المكتبة إلى بيئة بحثية مفتوحة المصدر وتوسيع واجهات الوصول لمحتوياتها للعالم العربي والإفريقي.
المكتبة البريطانية: من مخزن ورقي إلى منصة رقمية كونية
تمثل هذه المحطات تحوّل المكتبة البريطانية من فضاء تقليدي لتخزين الكتب إلى مؤسسة رقمية متعددة الوسائط تخدم الملايين حول العالم. ويظل تطورها مرآة لتحولات الثقافة العالمية من الورق إلى الذكاء الاصطناعي.