“Project Gutenberg”، أو مشروع غوتنبرغ، ليس مجرد موقع إلكتروني، بل هو واحد من أقدم وأعرق المبادرات الرقمية التطوعية التي غيرت مفهوم الوصول إلى المعرفة. تأسس المشروع عام 1971 على يد الأمريكي مايكل هارت، ويُعد اليوم أول مكتبة رقمية في العالم، ويمثل حجر الأساس لحركة الكتب المجانية والمحتوى المفتوح.
- البدايات الثورية لفكرة رقمنة المعرفة
في زمن كانت فيه أجهزة الحاسوب نادرة، والشبكات الإلكترونية بدائية، طرح مايكل هارت فكرة استثنائية: لماذا لا نوفر الكتب الكبرى مجانا لكل من يملك حاسوبا؟ هكذا وُلدت فكرة تحويل أمهات الكتب وأعمال التراث الإنساني إلى ملفات رقمية قابلة للتداول، متاحة للجميع دون قيد أو شرط.
لم يكن الهدف بناء موقع إلكتروني بمعاييره المعاصرة، بل نقل أكبر قدر ممكن من النصوص التي تقع في الملكية العامة (Public Domain) إلى صيغة رقمية يسهل نشرها وتداولها.
محتوى المشروع: كنوز معرفية بلا مقابل
- يضم المشروع اليوم أكثر من 70,000 عنوان متاح للتنزيل المجاني.
- تشمل الكتب مؤلفات أفلاطون، شكسبير، دوستويفسكي، غوته، ديكنز، دانتي، طه حسين، وغاندي، وغيرهم من رواد الفكر العالمي.
- معظم الكتب مقدمة بصيغ متعددة: HTML، PDF، ePub، وPlain Text، ما يسهل قراءتها على أي جهاز: حاسوب، قارئ إلكتروني، أو هاتف.
البنية التقنية: بساطة الوظيفة لا تعني محدودية الأثر
رغم ضخامته، لا يتميز موقع مشروع غوتنبرغ بواجهات براقة أو أدوات بحث متقدمة. ويُعد محرك البحث بسيطا؛ يتيح فقط البحث حسب اسم الكتاب أو المؤلف، دون أي تصنيفات موضوعية أو محاور تحليلية.
لكن هذه البساطة متعمدة؛ فقد كان هارت يرى أن المحتوى أهم من الواجهة، وأن التوسع في كمية النصوص الرقمية هو الهدف الأسمى. لذا ركّز المشروع على جعل أكبر عدد من الكتب متاحا بأقل قدر من التعقيد التقني.
أثر المشروع عالميا
- ساهم المشروع في إلهام مئات المبادرات الرقمية الأخرى مثل: أرشيف الإنترنت (Internet Archive)، ومكتبة هنداوي، ومكتبة الشاملة.
- يُعد أحد المصادر الرئيسية للباحثين، والمترجمين، والكتّاب حول العالم، لا سيما من يهتمون بالمحتوى غير المحمي بقوانين الملكية الفكرية.
- يُستخدم بشكل كبير في مشاريع تعليمية وأكاديمية في الولايات المتحدة، أوروبا، والعالم العربي.
نموذج تطوعي فريد
ما يُميّز غوتنبرغ ليس فقط هدفه الثقافي، بل نموذجه التطوعي:
- يعمل عليه أكثر من 1000 متطوع حول العالم.
- يحصل على تمويل من الجامعة البندكتية في إلينوي، والتي عينت مايكل هارت أستاذا في “علوم النص الإلكتروني”.
- يعتمد على العمل الجماعي في تدقيق، تنسيق، ورفع الكتب بصيغ متعددة.
تحليل معمّق: لماذا يستحق مشروع غوتنبرغ التقدير في العالم الرقمي؟
- ريادة تاريخية: وُجد قبل ظهور محركات البحث الكبرى مثل غوغل.
- حرية الوصول: لا حاجة لتسجيل أو دفع أي اشتراك.
- ثقافة المشاركة: أثبت أن المجتمعات يمكن أن تنتج معرفة عالمية بطريقة لا مركزية.
- حماية للتراث الإنساني: عبر رقمنة نصوص نادرة كانت مهددة بالاندثار أو النسيان.
- تحفيز مبادرات محلية: ألهم إنشاء مكتبات عربية رقمية مثل “المكتبة الوقفية”، و”كتبنا”، و”الكتب المفتوحة”.