تعد “الخزانة العلمية الصبيحية” واحدة من أبرز المؤسسات الثقافية في المغرب، ومنارة علمية تشهد على تاريخ مدينة سلا وتراثها العريق.
تأسست هذه الخزانة بهدف الحفاظ على الإرث الثقافي والعلمي المغربي، لتكون مركزًا مفتوحًا للطلاب والباحثين من داخل المغرب وخارجه. تحمل الخزانة إرثًا عائليًا نادرًا، إذ جمعت بين المبادرات الفردية والرؤية الثقافية المستدامة.
- تأسيس الخزانة وأهدافها
- البداية:
تأسست الخزانة العلمية الصبيحية عام 1967 على يد الحاج محمد الصبيحي (1882-1969)، الذي كان من أبرز شخصيات مدينة سلا. قام بتحبيس 4000 كتاب من مجموعته الشخصية المتنوعة، والتي تضمنت كتبًا نادرة ومخطوطات ذات قيمة علمية عالية. الهدف الأساسي كان توفير بيئة علمية خصبة لطلبة العلم والباحثين، مما يعكس وعيه بأهمية الثقافة والمعرفة في بناء المجتمع.
- مساهمة الابن:
واصل الحاج عبد الله الصبيحي (1914-1995)، أول مهندس فلاحة مغربي حاصل على دكتوراه من فرنسا، جهود والده، حيث تولى تشييد البناية الحالية للخزانة. حرص الحاج عبد الله على جعل المكتبة مؤسسة مستدامة تخدم الأجيال القادمة، فأوصى بأن تظل الخزانة مؤسسة خاصة غير ربحية مفتوحة للجميع.
- محتويات الخزانة
المجموعة الوثائقية:
تتميز الخزانة بمجموعة وثائقية غنية تشمل أرشيفات ومخطوطات نادرة باللغتين العربية والفرنسية. هذه المجموعات تسلط الضوء على تاريخ المغرب وتراث مدينة سلا الثقافي والعلمي. كما تضم الخزانة أعمالًا تتعلق بتاريخ العالم العربي والإسلامي والإنساني بشكل عام.
- المتحف:
تحتوي الخزانة على متحف صغير يقدم مجموعة فريدة من الأدوات والوثائق التاريخية، منها:
- أدوات الملاحة التقليدية.
- زخارف وكتب عن السفن الحربية القديمة.
- خرائط ومخطوطات تاريخية نادرة.
الإدارة والتطوير
يتولى إدارة الخزانة اليوم المهندس الزراعي أحمد الصبيحي وشقيقه السياسي محمد الأمين الصبيحي. بفضل جهودهما، أصبحت الخزانة مركزًا لاستضافة المؤتمرات الثقافية المفتوحة التي تجمع بين الأدباء، والمؤرخين، والفنانين. كما يعمل المشرفون على تطوير الخزانة باستمرار لتواكب احتياجات الباحثين.
- دور الخزانة في نشر المعرفة
دار النشر:
أسست الخزانة دار نشر خاصة بها تُعنى بنشر الأعمال المتعلقة بتاريخ مدينة سلا والمغرب عمومًا. من أبرز منشوراتها فهرس مفصل للمخطوطات والوثائق التي تقتنيها، ما يتيح للباحثين الوصول السهل إلى محتوياتها.
- النشاطات الثقافية:
إلى جانب خدمات البحث، تنظم الخزانة فعاليات ثقافية ومؤتمرات تهدف إلى تعزيز الوعي بتاريخ المغرب وثقافته. وتساهم هذه الفعاليات في إحياء روح البحث العلمي وتشجيع الحوار الثقافي.
- تحليل أهمية الخزانة
تُعد الخزانة العلمية الصبيحية نموذجًا رائدًا للمكتبات الخاصة التي تحولت إلى مؤسسات عامة تخدم المجتمع. يُظهر تأسيسها وتطويرها كيف يمكن للمبادرات الفردية أن تلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على التراث الثقافي والعلمي.
- مساهمة علمية: الخزانة مصدر رئيسي للباحثين في مجالات التاريخ، الأدب، والعلوم الاجتماعية.
- تعزيز الهوية الثقافية: تعمل على صون التراث المغربي ونقله للأجيال القادمة.
- مركز استقطاب دولي: بفضل محتوياتها الفريدة، تجذب الباحثين من مختلف دول العالم.
مستقبل الخزانة
مع تطور التكنولوجيا ودور الرقمنة في تسهيل الوصول إلى المعلومات، يمكن للخزانة العلمية الصبيحية أن تخطو خطوات إضافية نحو التوسع الرقمي. إنشاء مكتبة إلكترونية أو قاعدة بيانات على الإنترنت يمكن أن يزيد من انتشارها ويعزز من أهميتها.
الخزانة العلمية الصبيحية ليست مجرد مكتبة، بل هي شاهد حي على تاريخ مدينة سلا والمغرب ككل. تمثل جهود المؤسسين والمشرفين الحاليين نموذجًا ملهمًا للحفاظ على التراث الثقافي. بفضل محتوياتها الفريدة ودورها العلمي، ستظل الخزانة منارة معرفية تُضيء طريق الباحثين والمثقفين لسنوات قادمة.
