الكرامية
تنسب الكرامية إلى مؤسسها أبو عبد الله محمد بن عبدالله بن كَرَّام السجستاني. انتشر مذهب الكرّاميّة على مدى واسع في المشرق الإسلامي في القرن الثالث الهجري وخاصة في خراسان وخوارزم وجرجان، وأصبحت الكرامية أحد أربعة مذاهب مشهورة في خراسان.
فقد تأسست أربع مدارس كبيرة في نيسابور للمذاهب الفقهية والفرق الدينية الأربع التي كانت لها مكانة مرموقة في المجتمع الخراساني وهي الحنفية والشافعية والشيعة العلوية، والكرامية.
ولم تكن فرقة الكرامية منتشرة فقط في المشرق الإسلامي، بل كانت لها خوانق في بيت المقدس يقيم أتباعها فيها مجالس ذكر، حيث اتجه محمد بن كرام إليه سنة 251 هـ/ 865 م وكان له أكثر من عشرين ألفًا من أتباعه والمعتنقين أفكار الكرامية.
كما كان لهم رباط في ثغور الشام وآخر في دمشق. كما وجد بمصر بعض أتباعها والمؤيدين لأفكارها، حتى أطلق على محلة في مصر يلطق عليها محلة الكرامية، وكان لهم في مصر قيادات بارزة أصحاب ثروة في القرن الثامن الهجري.
يأتي في مقدمة من أسباب الانتشار الواسع كثرة أسفار محمد بن كرام نفسه، فقد بدأت الكرامية في سجستان، حيث ولد محمد بن كرام بها، فلما أظهر مذهبه أنكره العلماء، وسعوا في سجنه وقلته فتخوف صاحب سجستان من قتله.
وأمر بنفيه إلى غرجستان فالتف حوله عدد كبير من أهلها، ثم انطلق في عدة رحلات علمية إلى خراسان، ودرس على يد العلماء في نيسابور، وبلخ، وهراة، في أيام محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر، فازداد أتباعه وكثر أصحابه.
فسجن بنيسابور ثمانية أعوام، ثم مكث بها ستة أعوام أخرى حتى أجمع عدد من الأئمة على طرده منها، فاتجه إلى بيت المقدس عام 251 هـ/ 865 م فالتف حوله الآلاف ومكث بها حتى مات 255 هـ/ 869 م. إن كثرة هذه الأسفار أدت إلى انتشار أفكاره في كل منطقة يتجه إليها.
وحول معتقداتهم، قد تأثرت الكرامية بالبيئة التي نشأ فيها مؤسسها، فجمع ابن كرام في آرائه بين المعتقدات القديمة الفارسية واليوناية والإسلامية.
وقد نسب عدد كبير من كتاب الفرق والمذاهب مثل الأشعري والشهرستاني والإسفراييني هذه الفرقة إلى المجسمّة، وبينما يرى الأشعرة أن الكرامية فرقة من فرق المرجئة، يرى البغدادي أنها فرقة مستقلة بذاتها.
وعلى الرغم من انقسام الكرامية إلى جماعات تختلف في بعض آرائها، إلا أن الإسفراييني والبغدادي اعتبراهم جمعيًا فريقًا واحدًا لأنه لا يكفر بعضعم بعضا.
إن الكرامية لم يخلفوا مؤلفات في مذهبهم تشرح أفكارهم ومعتقداتهم، وإنما يمكن التعرف على أهم آرائهم من خلال كُتّاب الفرق والمذاهب وغيرهم من الذين استقوا معلوماتهم من كتابين مفقودين ألفهما ابن كرام وهو كتاب عذاب القبر وكتاب السر.
يعد التجسيم أهم فكرة ظهرت في الفكر الكرامي، كما أنها السبب الرئيسي في وضع الكرامية في عداد فرق المجسمة. فقد ذكر ابن كرام في كتابه عذاب القبر «إن الله إحدى الذات إحدى الجوهر.»، أطلقوا اتباع الكرامية على الجوهر اسم الجسم.
ولكنه من وجهة نظرهم ليس كالأجسام، له حد واحد من الجانب الذي ينتهي إلى العرش، أي أنه فوق العرش، ولا نهاية له من الجوانب الأخرى. وبالتالي فهو في مكان معين أو جهة معينة، لذا جوّزوا رؤيته، وذهب باقي أهل السنة إلى إثبات رؤية الله ولكن بشكل غير ما يراه الكرامية.
ولقد طور أتباع ابن كرام فكرة مماسة الله للعرش، وقالوا إنه ملاق للعرش. ورأت الكرامية أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط، فمن تكلم به فهو مؤمن كامل الإيمان.
ويرى الكرامية أن هناك فرقًا بين قول الله وكلامه، فكلام الله قديم ليس بمسموع، وقوله حادث مسموع له حروف وأصوات. وانفرد الكرامية في الفقه أيضًا وكان مرجعهم إلى أبي حنفية.