الماتريدية (الفرق الكلامية)
يشكل الماتريدية مع الأشاعرة الجناح الكلامي لأهل السنة والجماعة، بينما غلبت الروح النصية إلى حد ما الحنابلة والظاهرية الذين كانوا أقرب إلى روح المُحدّثين والفقهاء، كما كان المعتدلون منهم أكثر تمثيلًا لموقف السلف في العقائد.
والماتريدية هم أتباع أبي منصور الماتريدي، المتوفي سنة 333 هـ، الذي كان بدوره تابعًا لأبو حنيفة ومذهبه في العقيدة والفقه جميعًا، ثم حاول عرض آراءه في العقيدة بلغة متكلمي عصره فجاء مذهبه قريبًا من مذهب الأشعري حتى إن القدماء ليعدون مسائل الخلاف بين المذهبين فيحصرونها في بعض عشرة مسألة.
ومن أبرز هذه الخلافات أو الفروق: أنهم في التوحيد يؤكدون قدم الصفات الإلهية ويعارضون المعتزلة في القول بحدوث صفات الفعل التي يعدون منها الإرادة والكلام. كما يختلفون مع الأشاعرة في ميلهم إلى القول بحدوث الصفات العدلية، باعتبارها مجرد تعلقات للقدرة.
يتخذ الماتريدية موقفًا وسطًا فيما يتعلق بالحرية الإنسانية فرغم أنهم لا يقولون باستقلال القدرة الإنسانية بالإيجاد كالمعتزلة، لا يقولون أيضًا بالكسب الأشعري الذي يعترف بقدرة إنسانية مصاحبة للفعل لا دخل لها في التأثير في إيجاده،
بل يقولون بقدرة إنسانية سابقة على الفعل صالحة للفعل والترك ولها أثر في إيجاد الفعل غير أنها لا تستقل بالإيجاد، فالله هو الخالق المكون لكل شيء.
ثم، إن الماتريدية يذهبون في التحسين والتقبيح إلى مدى أبعد مما ذهب إليه الأشاعرة، فيقولون بأن الحسن والقبح ذاتي في الأشياء ويمكن للعقل إدراكهما، ولكن لا يوافقون المعتزلة في الوقت نفسه في قولهم بأن الإنسان مكلف قبل ورود الشرع وأن العقل يحكم ويوجب ويحرّم.
ويرى بعض العلماء أن مواقف الماتريدية هي أكثر تمثيلًا لمواقف السلف وللروح الأصيل في الفكر الإسلامي من الأشاعرة.