المذهب الأشعري (الفرق الكلامية)
يمثّل ظهور المذهب الأشعري نقطة تحول هامّة في الفكر الإسلامي بعامّة، وعلم الكلام بخاصّة، فمن جهة أصحبت أغلبية أهل السنة وهم بدورهم يمثلون أغلبية المسلمين، تدين بهذا المذهب الكلامي، ومن جهة أخرى أصبح علم الكلام معترفًا به كَعِلم من من علوم الدين، بعد أن كان المحدثون وأئمة الفقه يكرهون بل يحرَّمون الخوض في هذا العلم.
ظهرت المذهب الأشعري بدوره من دوائر المعتزلة ولما يمض على فتنة خلق القرآن طويل زمان، ولكن الفكر الاعتزالي كان في زواله، فجاء أبو الحسن الأشعري في أواخر القرن الثالث الهجري يعلن الرجوع عن الاعتزال إلى «قول أهل الحق والسنة» وإلى ما «كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل».
فمال إلى الاعتدال و التوسط في المعرفة بين الوحي والعقل، وفي الإلهيات بين التشبيه والتنزية، وفي الإنسانيات بين الجبر والتفويض.
فأبو الحسن تردد في شبابه على المدرسة المعتزلة ودرس مذاهبهم على الجبائي، وتمسّك بتعليمهم حتى عامه الأربعين، وحرَّرَ في الدفاع عنه عددًا من الرسائل. بيد أنه اختلى في منزله لمّا بلغ الأربعين، وخرج من خلوته، التي دامت أسبوعين على الأقل، ليعلن في الملأ في الجامع الكبير بالبصرة إنكاره لمذهب المعتزلة وتخلّيه عنه نهائيًا.
فهو يثبت الصفات الإلهية القديمة القائمة بالذات ويؤكد أنها ليست عين الذات. وهو في أفعال الإنسان يحاول التوسط فيقول بالكسب أي أن أفعال الإنسان لله خلقًا وإبداعًا وللإنسان كسبًا ووقوعًا عند قدرته. وأما التوسط المنهجي بين العقل والنقل تحقق إلى حد ما في العصر الأول من حياة هذه الفرقة.
فقد انتشر المذهب الأشعري الكلامي في شرق البلاد الإسلامية وغربها في القرن السادس الهجري، ولا تزال المدرسة الماتريدية صاحبة الهيمنة على الأوساط الكلامية في الجامعات الدينية السنّية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
وضع الأشعري قواعد المذهب، وحدد موقع وسطيته بين عقلانية المعتزلة ونصوصية السلفية، الأمر الذي ميّز هذه الوسطية عن وسطية المعتزلة، التي كانت وسطاً بين الفلاسفة والسلفيين النصوصيين، وكان هذا هو الإنجاز الرئيس للأشعري،
فقد وضع قواعد المذهب، ومَيَّز وسطيته من وسطية الاعتزال. من أبرز الأئمة والأعلام في المذهب الأشعري: أبو بكر الباقلاني، وإمام الحرمين الجويني، وأبو حامد الغزالي. ثم توالت طبقات أعلام الأشعرية وعلمائها، حتى أصبح مذهب جمهور المسلمين في الاعتقادات.