سينما ومسرح

إشكالية الـ (ذات) و (الآخر) في الدراما التلفزيونية اليمنية (2023)

- دراسة نقدية لمسلسل العالية -

  • مقدمة:

تمثل الدراما التلفزيونية وسيلة خصبة للغرس الثقافي، إذ إنها تلعب دوراً حاسماً في تشكيل وعي المشاهد والتأثير على آرائه، لما لها من مقدرة في السيطرة على شعوره بمقومات وعناصر فنية فاعلة، كالتشويق ومخاطبة الذات والمحاكاة بطريقة درامية تمكنها من الغوص بشكل مباشر في توجيه البُعد العاطفي والفكري للمتلقي؛ فهي تثير في كثير من الأحيان مشاعر قوية لدى المشاهد للتفاعل مع شخصيات الدراما، مثل: التعاطف، والشفقة، والفرح، والحزن، والغضب، الكراهية والخوف.


هذا الارتباط العاطفي بين المشاهد وشخوص الدراما يمكن أن يؤدي إلى انخراط المشاهد بشكل أعمق في القصة والشخصيات، وقد يصبح مرتبطاً عاطفياً بمجريات القصة وجزءاً لا شعورياً من أحداثها، وهذا يؤثر في مواقفه وسلوكه كمتلق، كأن يتبنَى قناعات أو قِيم الشخصيات الدرامية التي يتعاطف أو يلتقي معها في وجه من الأوجه.


كما يمكن للدراما التلفزيونية أن تُشكِل تصوُر المشاهدين للعالم من حولهم لأنها غالبًا مرتبطة بقضاياهم الثقافية، وعلاقاتهم الاجتماعية، مما قد يؤثر في تصورات المشاهد وقناعاته حول تلك القضايا. على سبيل المثال، يمكن للدراما التلفزيونية أن تؤثر في تصور المشاهد للثقافات والأجناس والطبقات الاجتماعية، وتغير في مواقفه تجاه تلك الفئات المختلفة معه على المستوى الثقافي والاجتماعي، أو تغير في مواقفه المرتبطة بالجانب السياسي.


إلا أن ذلك كله يتوقف في المقام الأول على طبيعة المتلقي، وخلفيته الشخصية والثقافية والمعرفية والدينية، وكذا ذائقته في اختيار الدراما التي تتوافق وميوله، ومدى تطابق اهتماماته الفكرية والعاطفية والثقافية والسياسية تجاه العمل الدرامي الذي يتابعه.


وإذا ما نظرنا الى الإنتاج الدرامي اليمني للعام 2023، فسنجد الكثير من المسلسلات التلفزيونية التي عرضتها الشاشة على المشاهد، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: دكان جميلة، أرزاق، القريب بعيد، خارج التغطية والعالية.


إلا أن السواد الأعظم من اليمنيين الذين تفاعلوا مع المسلسلات الرمضانية لهذا العام قد تفاعلوا بصورة غير مسبوقة مع مسلسل العالية دوناً عن سواه، ليس لأن مسلسل العالية امتلك إمكانات فنية أكثر من غيره، ولا لأن غيره من المسلسلات يفتقر للمقومات الفنية والجمهور، بل لأن الموضوعات التي تناولها مسلسل العالية والرسائل التي حملها كانت غاية في الأهمية، فهي تخاطب الذات اليمنية في مرحلة تاريخية مفصلية من الصراع اليمني على السلطة والهوية على حد سواء.


وعلى الرغم من أن الموضوعات التي تناولها المسلسل تمثل جدلية ذات بعد سياسي واجتماعي، فإنه استطاع أن يفتش عن الذات اليمينة المفقودة، وأن يخاطب الذاكرة اليمنية بأهمية التنبه للخطر الذي يهدد الهوية الوطنية من قبل جماعة تسعى الى إعادة تعريف الهوية اليمنية على أساس عرقي، وتُشيئّها خدمة لمعتقداتها القائمة على أساس التمييز العرقي وتبنّي نظرية الحق الإلهي في الحكم.


كما أن المسلسل أعاد للهوية اليمنية اعتبارها من خلال القيم التي حملها بصورة رمزية أو بصورة مباشرة في حلقاته الثلاثين، والتي امتدت طوال شهر رمضان المبارك، حيث استمد منه اليمنيون بعضاً من تلك القِيم لمداواة حالة الهوان والانكسار والخذلان التي يعيشونها في حاضرهم. وقد حمل المسلسل في بُعده السياسي قضية وطنية لها ارتباط بالذات اليمينة المقاومة بصورة مباشرة، وهي دلالة تعني أو يُعنى بها كل يمني.


أخيراً، فقد ولّد التناغم والانسجام بين النص والكاتب والمخرج والمنتج والممثلين والمكان شعوراً عميقاً لدى المشاهد، وأعطى دفعة تفاعلية لإنجاح المسلسل على المستوى الوطني، وأوصل رسالة صادقة تعكس جزءاً من معاناة اليمنيين وتطلعاتهم في آن واحد، تلقاها المشاهد في أدق مراحل تاريخ اليمن المعاصر حساسية.


  • العالية والرمزية التاريخية

 العالية هو مسلسل يمني أنتجته قناة يمن شباب، وعرض على شاشتها وعلى شاشة قناة العربي الجديد 2، وهو أول مسلسل يمني يعرض على قناة عربية ضمن باقة المسلسلات الرمضانية في دورتها للعام 2023م. يُعد المسلسل عملاً فنياً تاريخياً واجتماعياً تدور أحداثه في إحدى القرى الريفية اليمنية تُدعى العالية، ويتناول قضايا اجتماعية وسياسية وعاطفية معقدة.


وإذا ما انطلقنا في فهم موضوعات المسلسل من زاوية البعد الزماني والمكاني، فيمكن القول إنه يخاطب الماضي في السياق التاريخي والجغرافي اليمني، ولم يخلُ من الرسائل السياسة التي تتقاطع مع الظروف الزمانية للحاضر، والمسلسل مغلف بتجارب مريرة من تاريخ اليمن، ودليل إضافي على صوابية دروس التاريخ التي تعيد نفسها في أشكال وصور شتّى، إذ استطاع توظيف تلك الأحداث من خلال ربط الحاضر بعدسة التاريخ عبر الصورة الرمزية للحاكم وأدواته في مواجهة مع أهل العالية، من خلال استرجاع الماضي، وفقاً لما يعرف في النقد الأدبي بالـ (Flashback memory).


وإذا ما نظرنا، من زاوية أخرى، إلى مجريات الأحداث في العالية وإسقاطها على الواقع الذي نعيشه اليوم، فسنجد قوة الربط بين بطش الوالي وأدواته كالحاكم وقطام كجزء من ذاكرة اليمنيين المليئة بالغبن والمعاناة، علاوة على ممارسات أصحاب الفكر المؤمن بالحق الإلهي في الحكم في اعتقاد الولاية للبطنين، وتلك المرويات التي لا تستقيم مع قدسية الرسالة السماوية ولا مع منطق الحق والمساواة بين الناس، وبين عناد اليمنيين وتمردهم على جبروت الإماميين وعنصريتهم ماضياً وحاضراً، في الواقع والدراما على حد سواء.


كلف هذا الصراع أهل العالية الكثير من التضحيات الجسمية التي قدموها ثمناً للخلاص من ذلك الكابوس ولا يزالون، إما لقلة وعي بعض الناس وعدم إدراكهم لذلك الخطر، وإما لعوامل أخرى تأتي في سياقات تاريخية وسياسية ودينية مركّبة. فقد تجلى للمشاهد الثمن الذي دفعه أهل العالية نتيجة خذلان بعضهم لقضيتهم، أو التراخي عن الالتفاف حول شيخهم للدفاع عن العالية نكاية به لخصومةٍ معه أو لعجزهم عن مواجهة الحاكم مخافة بطشه، ليكتشفوا في نهاية المطاف أن التضحية في مواجهة الباطل أهون بكثير من السكوت عنه.


ولأن دورة الحياة وعِبَر التاريخ تُعلِمنا أن الجزاء من جنس العمل، فإن “مهدي” و”توفيق” و”ثابت” و”مانع” الذين وقفوا إلى جانب الظالم، على الرغم من انتمائهم للعالية، قد شربوا من الكأس نفسها التي جرعوها أهلهم وذويهم، طمعاً في إرضاء الحاكم أو التقرب منه، ولاقوا مصيراً أبشع مما لاقاه أهل العالية الذين وقفوا في وجه البطش الذي مارسه الوالي والحاكم وقطام.


والذين انحازوا للعالية وانتصروا لكرامتهم وحريتهم، فهانت التضحيات في سبيل تلك الغاية النبيلة التي ضحوا من أجلها. هكذا يجد ثابت وتوفيق ومانع ومهدي أنفسهم في نهاية المطاف مجرد خونة منبوذين في نظر أهل العالية، وأدوات في نظر الحاكم الذي استخدمهم لغاياته الخبيثة.


  • رمزية الـ (أنا) و(الأخر) في العالية

تمثل الـ (أنا) أو الـ (نحن) والآخر إشكالاً مرتبطاً بعوامل عدة أبرزها الهوية: سواء الثقافية منها أو الإيدلوجية أو السياسية. فالـذات اليمنية التي تمثلها الـ (نحن) في العالية كان لها خط واضح يفصلها عن الآخر (الحاكم-الإمامةـ الحق الإلهي- الولاية)، نابع من اعتقاد الآخر بأنه أكثر استحقاقاً من سواه أو ممن يراهم دونه في الحقوق، وفي هذا استفزاز (للذات) لأهل العالية.


وعلى الرغم من أن الـذات (أنا أو نحن) خاضعة لعوامل ومتغيرات كثيرة، فإنها تظل ثابتة في إطارها العام لتأكيد الاختلاف عن الـ (آخر) الذي له خصائصه التي يرى نفسه مختلفاً بها عن الـ (الذات أو الـ نحن) ويستمد منها عقدة علوه. وإذا ما أسقطنا هذا البُعد في تعريف الذات أو الأنا والآخر، فسنرى أن المسلسل مشحون من بداياته بكم هائل من تلك الحواجز،


فالحاكم يرى في العالية أعداء يجب إبادتهم عن بكرة أبيهم، لأنهم يتمردون على أوامره التي هي أوامر الله (عبارة تكررت على لسان الحاكم كثيراً) لتأكيد ما يراه حقاً إلهياً لا ينازعه فيه أحد، بينما الـ (نحن) أو العالية ترى أن الحاكم هو صورة الآخر الذي يفتقد للجذور التي تؤهله ليكون جزءاً من الذات أو القبول ليكون جزءاً من الـ (نحن) على أساسٍ متساوِ معها في الحقوق والواجبات، وبذلك فإن عدم قبوله أو التعايش معه هو نتاج طبيعي لعدم التجانس  بين الذات والآخر على المستويات الثقافية والاجتماعية والفكرية.


ظلت شخوص العالية تعتز بانتمائها الجغرافي كمحدد لعلاقتها مع الآخر، بينما ظل الحاكم يعتز بالنسب لا الجغرافيا، إذ بقي يتباهى بانتماء من نوع آخر: انتماء بيولوجي يمنحه ما يعتقد أنه تمييز إيجابي ومكانة اجتماعية تفوق مكانة أهل العالية على أرضهم.


هذا الصراع بدا كما لو أنه دورة صراع بين الأضداد: الشرق المقاوم في مواجهة الغرب المُستعمِر، فئة من أهل العالية سقف انتمائها هو الوطن وجماعة ترى أن النسب أو العِرق أو الأسرة هو المحدد لتعريف الهوية، أي: هو المحدد للمكانة والامتيازات الاجتماعية والسياسية على حد سواء… إلخ.


لذا، كثّف مسلسل العالية من الصورة الرمزية من خلال المكان ومظهر الشخصيات (اللباس) والحبكة الدرامية وكذا اللغة، لترتبط تلك الصور والمظاهر والأماكن وحتى الألفاظ بدلالات الهوية التي يفهمها اليمني جيداً، وتم توجيهها على هذا النحو في أداء الشخصيات،

وكان لهذه الرمزية الفنية غايات أعمق تتمثل في إيصال رسالة محددة الى وعي المشاهد (اليمني تحديداً) من خلال إعادة تكريس الهوية الوطنية في مقابل تنميط هوية غير متجانسة للآخر مع الهوية الوطنية: هوية الـ (نحن) في صورة العالية وسكانها في مقابل هوية (الآخر) المختلف في صورة الحاكم والوالي والمركز والمدينة، وهم بذلك يمثلون آخر مختلفاً، أو آخر خارجياً.


ولقد أخذ المسلسل بعداً تصاعُدًيا غير تصالحي مع الآخر سواء الآخر (الداخلي أو الخارجي) على مستوى المواضيع وعلى مستوى الشعور (آخر داخلي كمانع والخونة ممن ينتمون للعالية) أو الآخر الخارجي (الذي لا جذور له في العالية كقطام والحاكم) باعتبار أن ما يربطهم بالعالية وأهلها مجرد سلطة ونفوذ، إذ إنهم قدموا ليحكموها ويصادروا خيراتها ويستعبدوا أهلها المعرفين بالـ (نحن) المختلف عن الآخر (العالية التي لا تلتقي هي والآخر) وهو ما تكرر كثيراً في اللقاءات الثنائية بين الـ (نحن) و(الآخر) أو في صراع الضدية الذي تعكسه ثقافة وتوجه كل من أبناء العالية والحاكم وأدواته.


وعلى الرغم من أن الآخر الداخلي (أو من ينتمي إلى العالية لكنه يدين بالولاء للآخر الخارجي) كان هو اليد التي استطاع من خلالها الآخر الخارجي التحكم بالـ (نحن) المقاوِمة والمتمردة على سطوة الـ (آخر الخارجي)، لأن الآخر الخارجي ينطلق من فلسفة تملكية نحو الـ (نحن) يستمدها من عقدة تاريخية عمل على تكريسها في وعي الناس ليسهل عليه تسويغ تشيئهم، فإن الذات المقاومة الـ(نحن) استطاعت أن تواجه الآخر الداخلي والخارجي في آنٍ واحد لترد الاعتبار للذات المنكسرة وتنتصر للعالية كرمز للهوية.  


وبرؤية نقدية موضوعية، يمكن القول إن مسلسل العالية مثّل قفزة درامية على مستوى الشاشة اليمينة حين ذهب يفتش في الجذور التاريخية لأسباب الصراع الحالي في اليمن بين كيانين: الأول يعتقد بأحقيته بحكم الناس من منطلق فلسفة دينية لا تؤمن بالمساواة، والآخر الرافض لتلك النظرية بوصفها انتقاصاً لحقوق اليمنيين.


كما أن المسلسل أعاد تعريف مفهوم التنميط في الدراما اليمنية من خلال تقديم شخصيات وأحداث أقرب إلى الواقع منها إلى وحي الكاتب أو المخرج، أو حتى من خلال معالجة بعض الظواهر الاجتماعية بطرق أكثر توازناً مما كانت عليه في الماضي، ونموذج ذلك موقف أهل ظبية الإيجابي والذي اتكأت عليه ظبية لتدافع عن شرفها أمام الجميع في مشهد المحاكمة، خاصة أمام الحاكم ومانع اللذين دبرا تلك المكيدة.


فقضايا الشرف كانت ولا تزال قضايا تثير حساسية مفرطة من قبل أهالي الفتيات وتشكل سبباً في قتل الفتيات تحت مسوغ غسل العار، وقد ظلت هذه صورة نمطية عن المجتمع اليمني حاول المسلسل كسرها من خلال إعادة الاعتبار للمرأة ولأهميتها في المجتمع جنباً إلى جنب مع الرجل، كما استطاع المسلسل رسم صورة مقاومة للتشييئ[1] الذي سعى الحاكم الى تكريسه كأمر واقع على أهل العالية من خلال شراء ولاءات البعض لتمرير مخططه، كما كان الحال مع ثابت، ومناع، ومهدي وبعض اللاهثين وراء المال، أو من خلال تدريس قطام لمعتقدهم كتفخيخ للأجيال الناشئة تحت عباءة العلوم الشرعية والفقهية.


والتشييئ في فلسفة (الحاكم-قطام) أو حتى الوالي الذي لم يظهر في المسلسل، واكتفى المشاهد بمعرفته من خلال شخصيات الحاكم وقطام مع من سواهم من الناس (أهل العالية)، تجلى في طريقة تعامل هؤلاء مع سكان العالية ومقدراتهم وأرضهم باعتبار أنهم مجرد ماديات مجردة يمكن للحاكم والوالي تملكهم لخدمتهم لا بوصفهم أفراداً يمتلكون قيماً وكرامة وحرية توازي ما يتمتع به الحاكم وحاشيته.


وقد انطوى ذلك على تقليل قيمة أهل العالية وشيطنة دورهم المجتمعي التعاوني وجرح كبريائهم، مع تجاهل همومهم، ومعاناتهم، واستقلاليتهم وإفقارهم وتجويعهم المتعمد، والذي تجسد في سياقات مختلفة في المسلسل كالجبايات والديات غير المسوغة، ونهب عساكر الحاكم لمزارعي العالية، والمحاكمات التي تنتقص من كرامة أهل العالية، كما جرى لظبية والكثيرين غيرها.


وقد كان لذلك التجسيد أو التشيّيئ آثار مدمرة على سكان العالية، إذ أسهم في تشويه صورتهم الأخلاقية عبر تلفيق التهم تارة بالقتل وأخرى بالانحلال والتهميش، وعزز صورة نمطية مشحونة بالكراهية والتحامل والتمييز السلبي، مهدداً حقهم في المساواة واحترام حقوقهم الإنسانية. فكان لذلك أثر سلبي على الصحة العقلية والعاطفية لأولئك الذين تعرضوا للظلم، اذ تولد لديهم شعور بأنهم يُعامَلون بلا رحمة، وقاد ذلك بعضهم إلى الموت كمداً أو ظلماً، مثل: ظبية وغلاب وسلمان.


وقاد البعض الآخر الى الجنون نتيجة للصدمات العاطفية العنيفة التي تعرضوا لها، والتي أفقدتهم توازنهم كحال هلال والشيخ فاضل عقب مشهد محاكمة ظبية، لأن المكائد التي حاكها قطام والحاكم ضد شيخ العالية، عبر زرع الفتنة بين أبناء العالية وتغذية الضغينة فيما بينهم، سهل على الحاكم تحقيق غايته في حكم أهل العالية وجعلهم جميعاً تحت رحمته.كما أن عنصر المفاجأة في العالية كان له دور مهم في خلط الأوراق لدى المشاهد،

فعلى الرغم من انتهاج المسلسل خطاً فنياً واضحاً منذ البداية، وهو مواجهة الآخر الذي يعمل على إلغاء الذات في وعي الـ (نحن) أو على الأقل جعله هامشياً، فإن الكاتبة نجحت في تضمين الحبكة الرئيسية بمجموعة خطوط سردية أخرى تتماشى مع الحبكة الأساسية لخدمة الغاية المقاومة للتشيّؤ والتي لأجلها قام العمل الدرامي.


لذا ليس من نافلة القول الادعاء بأن العالية استطاع أن يحمل أكثر من رسالة معينة وإيصالها إلى وعي المشاهد، على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي الوطني على حد سواء، وهذا ما عزز سلطة العالية كدراما تهدف إلى توجيه المشاهد نحو قيم معينة.

فقد لعب المسلسل دوراً في إعادة بث روح المقاومة ضد الظلم وسياسة الإفقار التي مارسها الحاكم ويمارسها أتباعه اليوم بنفس النهج. فإبراز الجانب الوحشي والهمجي لدى الآخر المسكون بعقدة العلو والاصطفاء من خلال شخصيتي الحاكم وقطام ترك سخطاً متزايداً تجاه تلك الممارسات أو الحاملين لفكرها في وعي المشاهد وراكم غضبه تجاههم.


كما عمل المسلسل على تعزيز القيم الإنسانية والأخلاقية القائمة على الأخوة والتعاون والتي تمسك بها أبطال المسلسل في مراحل مختلفة، كالشيخ فاضل وعزيزة وشداد. فإيصال رسالة عن القيم الإنسانية والأخلاقية التي ينبغي على أهل العالية اتباعها، كالصدق والعدالة والتسامح والرحمة والشجاعة كانت لها دلالتها أيضاً.


  • التكثيف في العالية:

لم يقتصر التكثيف أو التركيز في العالية على بعده الداخلي فقط أو على عرض المسلسل من وجهة نظر معينة، على الرغم من أن ذلك التركيز انصب على شخصيات بعينها: قطام والحاكم وزوجة الحاكم، وهذا التكثيف الداخلي مقصود بعناية من قبل كاتبة النص، وكذا الأمر بالنسبة للأدوار التي قام بها الممثلون والمخرج في المسلسل.


كما اتسم مسلسل العالية بما يمكن أن نطلق عليه التبئير. فقد تمثل التبئير الداخلي أو الـ(focalization) عبر شخصيات متماثلة في التفكير والشعور كقطام والحاكم اللذين يمثلان وجهاً للاستبداد ببعده الأيديولوجي  والعرقي، على الرغم من التباين الداخلي بين الشخصيتين في إطار الطبقة الواحدة (الهاشمية ببعدها السياسي والعقدي): فالأول هو الحاكم بأمر من الله كما يعتقد، والثاني أقل مرتبة منه ودوره دور درويش أو فقيه (هِجرة عِلم) يقوم بنقل تلك المعتقدات إلى بقية الناس (أو ما يرونه هم دور تهذيب للرعايا والأتباع من أهل العالية والقبائل الأخرى).


 وبذلك منحوا أنفسهم من الحقوق ما ليس لسواهم من الناس غير مدركين لطبيعة العالية التي ظلت أكبر من أن يحتويها أو يتملكها شخص أو فئة. وهذا النوع من التركيز مكّن المشاهد من الوصول إلى أقرب نقطة ممكنة من أفكار هذه الشخصيات ومشاعرها وتجاربها ومعتقداتها، كما مكنه من فهم طبيعة السلوك الذي تمارسه تجاه كل من لا ينتمي إلى الطبقة أو ما يمكن أن نطلق عليه تجاوزاً ال (caste)، خاصة نحو من يسعون إلى منازعتها المنزلة التي ترى تلك الشخصيات أنها حكر عليها.


ويمكن ملاحظة ذلك من خلال العداء الشديد تجاه الشيخ فاضل والقاضي عبد الرحمن، باعتبارهما خطراً يمكن أن ينازع الحاكم و”قطام” الملك والسلطة والجاه والعِز، وهي العبارات التي ترددت كثيراً على لسان الحاكم وبصورة أقل على لسان قطام، على الرغم من أن الأخير مسكون بحقد دفين تجاه الكل ومتفنن في زرع الأحقاد والشحناء بين الآخرين،


وهو بذلك يعبر عن نزعته الشريرة ويعكس الأيديولوجيا الميكافلية[2] التي يستقي منها تلك الشرور. هذا النوع من التركيز الدرامي جعل من الصعب على المشاهد أو المتلقي التعاطف مع كل ما له علاقة بقطام والحاكم وأدواتهما من أبناء العالية. هذا التكثيف المرئي واللفظي للمسلسل مثّل مرتكزاً لتنميط الخر ورسم صورة في وعي المشاهد أقرب إلى الواقع منها إلى التمثيل، عززتها مرارة الوضع الذي يعانيه اليمنيون اليوم جراء ممارسات تلك الطبقة بحقهم، والتي تلتقي مع تلك التي مارسها الحاكم وقطام بأهل العالية.


ولهذه الصورة النمطية ما يسوغها إذا ما نظرنا الى السجل التاريخي الحافل بجرائم الإمامة بحق اليمنيين، فنجد أن شخصيات المسلسل ربطت بطريقة درامية رائعة بين الحاضر الذي يعد امتداداً للماضي، وبين تطلعات اليمنيين نحو الخلاص من هذا الفكر الذي يستمد منه الحاكم وقطام وأمثالهم عقدة عُلوهم، واعتقاد حقهم في تملك رقاب اليمنيين وحكمهم بمنطق القوة المرتكزة على تفسير مغلوط للرسالة السماوية القائمة على أساس العدل والحرية والمساواة بين الناس.


من جانب آخر، بدا التركيز الخارجي، أو ما يسمى “التركيز الصفري”[3] للعالية، نصاً وتمثيلاً، متوازناً الى حد ما، وإن كان بدرجة أقل قياساً بالتركيز الداخلي للمسلسل، لأنه لم يقدم الشخصيات وفق منظور سردي منمّط بنظرة شخصية معينة، بل اتسع ليشمل الرأي والرأي الآخر المختلف أو المخالف في حالتيه (غالب ومغلوب).


وهذا يعني أن المشاهد يمكنه الوصول لمعلومات عن الشخصيات والأحداث التي لا تقتصر على منظور شخصية واحدة. ومن خلال استشراف مسلسل العالية وفقاً لدرجته ونطاقه وتركيزه، فإن درجة التركيز تشير إلى منظور ثابت تجاه الحاكم وقطام وأدواتهم أمثال ثابت ومانع ومهدي، وإلى منظور متغير إلى حد ما مع مرور الوقت مع شخصيات مثل توفيق وشداد وعوض وعزيزة وهلال ومحصنة والقاضي عبد الرحمن وغيرهم من الشخصيات الرئيسية في المسلسل.

وهذا يعزز الثراء السردي والتكثيف المتعمد والمرتبط إجمالاً بالتركيز على بعض الأحداث والشخصيات وجوانب القصة حتى نهايتها.


يمكن القول إن مما جعل مسلسل العالية واحداً من أكثر المسلسلات تأثيراً ضمن المسلسلات الرمضانية للعام 2023 قدرة المسلسل على تقديم مشاهد واقعية في قالب درامي، قربت للناس حقائق يعيشها اليمنيون ويتعايشون معها منذ أكثر من ثمانية أعوام.

وإذا ما قدمنا العالية مجردة من رمزيتها، يمكن القول إنها ارتكزت على بعد وطني توعوي واضح. فتركيز العمل انصبّ على نقل رسالة القيم الوطنية وحب الانتماء للعالية، فالجميع نبذ “مهدي” لأنه فرط في أرضه، والجميع كره “مانع” لأنه خان أهله وعشيرته، والجميع كره “قطام” لأنه تفنن في زرع الفتنة والبغضاء بين الناس، والكل تعاطف مع الشيخ فاضل لأنه تمسك بأرضه ودافع عن العالية في وجه جبروت الحاكم.


كما أن الأدوار البطولية لعزيزة ومحصنة وكل نساء العالية كان لها دور في تحرير المجتمع من السلطوية الذكورية أو التقليل من دور المرأة، فنساء العالية قمن بدور لا يقل بل قد يفوق دور الرجل في الدفاع عن العالية، وطن الجميع. تلك هي بعض الأسباب التي رفعت من رصيد العالية كدراما تستطيع توجيه المشاهد وتؤثر في وعيه وتعزز عنده روح الانتماء للوطن.


  • السمات الإيجابية في مسلسل العالية:

 كان للأداء التمثيلي الرائع أثره البالغ في إنجاح مسلسل العالية، كما أن مزج المسلسل بشخصيات شابة غير تقليدية، إلى جانب الشخصيات المعروفة على مستوى الشاشة اليمنية، كان تطعيماً ناجحاً للمسلسل وللرسالة التي يحملها وللدراما اليمنية عموماً، حيث برزت مواهب فنية صاعدة وواعدة، تمتلك قدرات استطاعت توعية المشاهد بطبيعة الصراع القائم.

من تلك الشخصيات الواعدة كان لهلال وظبية وعوض وشداد الحضور الأبرز كشخصيات شابةٍ ملهمة، إضافة الى شخصيتي “قطام” والحاكم والتي استطاع الممثلان تقمص شخصيتيهما ولعب دورهما بصورة مبهرة انعكست في بغض المشاهد لممارساتهما وسلوكياتهما على الصُعد كافة.


وقد أنتج التكامل بين كاتبة النص والشخصيات والمنتج والمخرج عملاً فنياً رائعاً يحاكي الواقع اليوم، على الأقل ببعده السياسي بصورة أساسية. فعناصر نجاح المسلسل كانت متناغمة ولم تقف عند عامل معين بعينه. فالحماس الذي بدا عليه الشاب هلال هو صورة رمزية لحماس جيل الشباب اليمني نحو التغيير أكثر منه عند كبار السن من الشخصيات.


وهذا الحماس الذي ظهر عليه هلال، كان بحاجة إلى كبح ثم إلى تهذيب وتوجيه، كي لا يتحول إلى كتلة انتقام تجاه الكل، وهذا ما ظهر لدى شداد والشيخ فاضل وعبد الرؤوف وسلمان كجيل أكثر نضجاً ولديه خبرة أطول. كما أن موقف هلال في الدفاع عن ابن خاله شداد في مشهد محاكمته على الوثائق المسربة ضد الحاكم، وموقف عزيزة في إرسال الطعام لأسرة الحاكم عقب جنونه، كشف عن قيم نبيلة متجذرة عند أهل العالية رجالاً ونساءً حتى مع خصومهم، وعن استعداد للتضحية في سبيل واحدية الهدف وهو الخلاص من الحاكم.


اختيار الريف الجبلي كمكان لمسلسل للعالية أضاف للمسلسل بُعداً مكانياً مغايراً. فجبل صبر، كما مثل صورة رمزية لعلو المكان في العالية، يمثل أيضاً نقطة انطلاق للتغيير الذي تتحكم تعز في ديناميكيته بما تمتلكه من تنوع في القوة الناعمة، باعتبارها منارة الثقافة وعاصمتها، والمخزون البشري الأكبر على مستوى اليمن.  وقد حاول مسلسل العالية تجاوز النمط السائد في الدراما التلفزيونية اليمينة المعاصرة وهو نمط كان يركز على المدينة ببعدها الحداثي ويجعلها مركزاً للأحداث.


ومما ساعد على نجاح العالية في هذا الموسم الرمضاني عوامل أخرى كثيرة، يتمثل أبرزها في التمازج بين جودة النص والإخراج وأداء الممثلين. فتوافر مقومات النجاح النصي مع الإبداع التمثيلي وكذا الإخراج المتميز، كلها عوامل ساعدت على إنجاح المسلسل، وهذا ما جعل المشاهد يتفاعل مع الأحداث ويتعايش مع شخصيات المسلسل ويتقاسم معها شعورها ومشاعرها.


ثمة أمر آخر ويتمثل في القضايا التي تناولها المسلسل، وهي القضايا التي يعيشها اليمن منذ ما يزيد على ثماني سنوات من الحرب، ولهذا وجد اليمنيون أنفسهم أمام ساعة التاريخ تمشي بعقاربها إلى الوراء عكس إرادتهم. وتناغم المسلسل مع معاناة الناس من الظروف القائمة جعل من المسلسل متنفساً لليمنيين ليروا من خلاله المعاناة عن طريق الدراما، فهو يتطابق مع معاناتهم التي يعيشونها اليوم في صور شتًى وبأساليب متعددة.


فالغوص في نقل معاناة الناس بطريقة درامية خلق لدى المشاهد إحساساً بصدق الدراما في نقل همومهم، فالظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي يعيشها اليمني لا تختلف كثيراً عن تلك التي صورها مسلسل العالية.


  • العيوب الفنية للعالية:

كأي عمل فني لا يخلو من أخطاء وثغرات، فإن مسلسل العالية على الرغم من نجاحه الباهر لم يخلُ من بعض العيوب والملاحظات التي لا تُخطِئها عين المشاهد الناقد، فتحول شخصية الشيخ فاضل من شخصية محورية تملك القدرة على مواجهة بطش الحاكم بأساليب متعددة في النصف الأول من المسلسل إلى الانعزال في قمة الجبل الأسود عقب مشهد محاكمة ابنته ظبية، منتظراً تدخلاً إلهياً ينتصر له دون بذل الأسباب، هو انسحاب وتواكل أكثر منه توكلاً.


فقد بدا وكأنه درويش يؤمن بالكرامات الإلهية دون بذل الأسباب، وتناسى دوره كوجاهة اجتماعية لها وزنها الذي يمكن أن يكون سبباً لاسترداد حقه وحق أهل العالية من الحاكم. فما لاقاه الشيخ من خذلان واتهام في عرضه لا يعفيه من واجبه في المواجهة، لكنه بدا صاحب بروح انهزامية، منكفئاً على ذاته وعلى اعتقاده بتدخل القدر لفعل ما عجز عنه أمام الحاكم.


وبالنظر إلى حال الشيخ فاضل وابنه شداد أو حتى زوجته عزيزة، نجد أن “شداد”، مثلاً، بدا أكثر توكلاً وسعياً لمواجهة الحاكم من خلال تحريضه للناس وتجنيدهم وإعداد القوة كأحد أسباب النصر، وهو ما استطاع أن يفعله هو ورفاقه هلال وعبد الغفور وسلمان والقاضي عبد الرحمن وآخرون في نهاية المسلسل. كذلك فعلت عزيزة في اللحظة الحاسمة إدراكاً منها بأهمية دورها كأنثى في مواجهة الباطل، وتوظيفاً لمكانتها في قلوب نساء العالية.


أضف إلى ذلك سيطرة الروح الشبحية لظبية، الضحية، على مجمل مشاهد المسلسل في حلقاته الأخيرة التي أعقبت وفاتها. فقد ظلت روح ظبية كابوساً يؤرق الحاكم و”مناع”، وقد يكون لذلك ما يسوغه لقاء ما اقترفوه بحقها، لكن ظهور الصورة الشبحية لظبية هو الديناميكية الدرامية التي وجهت شخصيات أساسية، مثل: هلال أو والدها، بدا غير موفق،

حيث بدت المشاهد مثل دراما شكسبيرية للشخصية الشبحية فيها دور رئيس يتحكم في الأحداث، ويلهم بقية الشخصيات أو يحرض عليها لإحقاق العدالة الشعورية كما في مسرحيات هاملت وماكبث والعاصفة مثلاً. إلا أن ارتباط الأشباح بالدراما الشكسبيرية كان ذا مغزى موجه لمعالجة أو انتقاد الاعتقادات الخرافية التي ظلت تسيطر على وعي الناس لقرون طويلة على حساب إعمال العقل والمنطق والعلم، أو ما عرف حينها بصراع التنوير مع الكنيسة.


لكن إعادة تكريس مشاهد مشابهة لها في مسلسل العالية، بالتزامن مع دور الرهبنة الذي تقمصه الشيخ فاضل في الجزء الأخير من المسلسل، علاوة على دور قطام القائم على الخرافة والدروشة على الرغم من بشاعته، هو محاولة إعادة تنميط للخرافة كجزء من ثقافة المجتمع اليمني الذي تجاوزها سابقا ويعمل اليوم على مواجهتها.


ومن الملاحظات المهمة التي يمكن توضيحها هو عدم إنزال العدالة الفنية بعدد من الشخصيات الرئيسة مع نهاية مسلسل العالية. ويفسر هذا عدم التكافؤ الشعوري بين الفعل والعقوبات التي تستحقها تلك الشخصيات، والذي يتعارض مع رغبات المشاهدين وتوقعاتهم. هذا النوع من عدم التكافؤ في الاستحقاق العدلي أو  ما يسمى في النقد الأدبي “العدالة الشعرية”[4] (poetic justice)،


ينبغي أن يتوافر في سردية الدراما، وذلك من خلال حسم أفعال و مصائر الشخصيات الدرامية بطريقة أكثر عدلاً لتحقق رضا المشاهد والجانب الأخلاقي للعدالة على حد سواء، إذ إن مكافأة الشخصيات التي تتصرف بطريقة فاضلة أو أخلاقية، ومعاقبة تلك التي تتصرف بشكل غير أخلاقي أو ظالم كأداة سرد لخلق شعور بالرضا أو الاستدراج التشويقي المقسط لدى الجمهور، يخلق شعوراً لدى المشاهد بالعدالة أو التوازن الدرامي مع نهاية المسلسل.


فقطام مثلاً، والذي كان سبباً وراء كل الماّسي والفتن في العالية، لم ينل الجزاء الذي يستحقه كعدالة شعورية لدى المشاهد على الأقل، وتسامح عوض معه هو تفريط في حق العدالة وإهانة لحقوق الضحايا ومشاعرهم، وإفلات مجرم من عقوبة مستحقة. وهذا النوع من التسامح غير مسوغ، فالـمُشاهد يتوقع أن يواجه قطام عقوبة توازي أفعاله لا أن يترك دون حساب.


وهو ما قد يشجعه أو أمثاله على العودة لممارسة أفعاله مجدداً. كما أن جنون الحاكم مسوغ غير كافٍ لإفلاته من العقوبة جزاء ما اقترفه بحق العالية وأهلها. إلا إذا كان المخرج قد ادخر بعض الأدوار للمعالجة في جزء آخر قد يعرض مستقبلاً، يتعايش فيه جيل جديد من العالية مع مكر قطام ولا يتسامح معه.


نقطة أخيرة تجدر الإشارة اليها وهي أن المسلسل لم يراعِ في لغته فهم المشاهد غير المحلي، خاصة أن المسلسل عُرِض على قناة عربية لها جمهورها العربي الواسع، لأن اللهجة التي ظهر فيها المسلسل تبدو محدودة الاستيعاب حتى في فضائها المحلي. ومن أجل مخاطبة الجمهور العربي في إطار فضاء أوسع، كان بالإمكان التنبه أكثر إلى بعض المفردات والعبارات التي تبدو صعبة على المشاهد اليمني، ناهيك عن العربي، واستعمال تعبيرات وكلمات يسهل على المشاهد العربي فهمها وتلقيها، حتى تحقق الدراما اليمنية نقلة أوسع، لتشمل المحيط الجغرافي والثقافي المجاور.


[1] التشييئء أو التشيَؤ مصطلح نقدي حديث يقصد به تجسيد الأشياء أو الأشخاص، وتملكها أو التصرف بها كأي شيء آخر، بحيث ينتزع منها صفة الإنسانية.

 2 الميكا فلية مصطلح يشير إلى فكرة الفيلسوف والمفكر الإيطالي نيكولا ميكافلي، الذي يقوم على أساس التبرير، ويؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة بعيداً عن حسابات الفضيلة والأخلاق، وذلك في كتابه الشهير الأمير، وهو أقرب مرادف للتُقيا التي تجسدت في ممارسات قطام والحاكم في العالية.

 [3]  المقصود بالتركيز الصفري السرد الموضوعي غير المتحيز لوجهة نظر معينة، لأجل تحقيق ما يسمى السرد الدرامي الواعي.

[4] لا يشير مصطلح “الشعري” في العدالة الشعرية إلى الشِعر بالمعنى الحرفي، ولكنه يرتبط بالفكرة العامة للعدالة الفنية أو الجمالية في السرد. يمكن ملاحظة هذا المفهوم في أشكال مختلفة من الأدب، والسينما، والمسرح، وغيرها من أشكال الفن السردي، حيث تعكس أفعال الشخصيات ونهاية القصة شعورًا بالعدالة الشعرية.

[*] د. منصور علي المسوري، أكاديمي متخصص في النقد الأدبي المقارن والعلوم السياسية، ومُهتمَ بالشئون الثقافية والأدب السياسي في اليمن والخليج. يعمل حالياً باحثاً مقيماً لدى المركز الدولي لدراسات الشرق الأوسطية بجامعة كولومبيا ألأمريكية.

منصور المسوري

أكاديمي يمني، حاصل على الدكتوراه في اللغة الإنجليزية- مسار النقد الأدبي المقارن حاصل على شهادتي ماجستير: الأولى في العلوم السياسية وأخرى في الأدب الإنجليزي. عضو هيئة تدريس بجامعة عمران، يعمل حالياً باحث مقيم في المركز الدولي للدراسات الشرق أوسطية-عمّان، جامعة كولومبيا الأمريكية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى