تحالف العيون الخمس: منظومة استخباراتية عابرة للحدود
تحالف “العيون الخمس” (Five Eyes) هو أحد أقدم وأقوى التحالفات الاستخباراتية في العالم، حيث يجمع بين خمس دول ناطقة بالإنجليزية: الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا.
تأسس هذا التحالف بموجب المعاهدة البريطانية الأميركية متعددة الأطراف، ويركز بشكل أساسي على التعاون في مجال استخبارات الإشارات (SIGINT)، مما يجعله أحد أكثر الأنظمة الاستخباراتية تطورًا وتعقيدًا.
- الجذور التاريخية للتحالف
يرجع أصل تحالف العيون الخمس إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أصدر الحلفاء “ميثاق الأطلسي” عام 1941، والذي وضع الأسس لعالم ما بعد الحرب. كان هذا الميثاق بمثابة إعلان نوايا لتعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي بين الدول الغربية،
خاصة في مواجهة التهديدات المتزايدة من الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة. في عام 1946، تم توقيع “اتفاقية المملكة المتحدة والولايات المتحدة” (UKUSA Agreement)، والتي أرست القواعد الأولية لهذا التعاون.
- آلية العمل والتنسيق الاستخباراتي:
يتشارك أعضاء تحالف العيون الخمس المعلومات الاستخباراتية عبر قنوات سرية، مستفيدين من شبكات التنصت والمراقبة واسعة النطاق. تشمل عملياتهم:
- جمع وتحليل البيانات: تعتمد الدول الأعضاء على أنظمة متقدمة لرصد الاتصالات الإلكترونية، بما في ذلك البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية والرسائل الفورية.
- مراكز التنصت العالمية: تستخدم الدول الأعضاء مرافق مراقبة في مواقع استراتيجية حول العالم، مثل محطة “باين غاب” في أستراليا، وموقع “مينويث هيل” في المملكة المتحدة، لجمع وتحليل البيانات.
- نظام إيكيلون (ECHELON): تم تطوير هذا النظام خلال الحرب الباردة لمراقبة اتصالات الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية. ومع تطور التكنولوجيا، أصبح النظام أداة قوية لمراقبة شبكة الإنترنت العالمية.
تحالف العيون الخمس في العصر الرقمي:
مع انتشار الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة، وسّع التحالف نطاق عملياته ليشمل مراقبة البيانات الرقمية. أبرز التطورات في هذا السياق:
- الحرب على الإرهاب: بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، زادت عمليات التحالف لمراقبة الشبكات الإرهابية المحتملة.
- الكشف عن عمليات التجسس: في 2013، كشف المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركي إدوارد سنودن أن تحالف العيون الخمس يجمع بيانات ضخمة عن المواطنين، متجاوزًا القوانين المحلية لكل دولة.
- التعاون مع شركات التكنولوجيا: تشير الوثائق المسربة إلى أن التحالف يتعاون مع شركات كبرى مثل جوجل ومايكروسوفت للحصول على بيانات المستخدمين.
التداعيات السياسية والأخلاقية:
يواجه تحالف العيون الخمس انتقادات واسعة تتعلق بانتهاك الخصوصية وخرق القوانين المحلية والدولية. أبرز النقاط المثيرة للجدل:
- التجسس على المواطنين: أظهرت تسريبات سنودن أن المكتب الفيدرالي الأمريكي (FBI) يشارك بيانات المواطنين مع التحالف، متجاوزًا اللوائح التقييدية.
- نقاشات في البرلمان الأوروبي والكونغرس: أدى الكشف عن عمليات التحالف إلى جدل واسع في المؤسسات التشريعية حول ضرورة وضع قيود على هذه الأنشطة.
- التوسع في الشراكات: رغم اقتصار التحالف رسميًا على خمس دول، فإنه يتعاون مع دول أخرى مثل ألمانيا وفرنسا واليابان في بعض العمليات، مما يوسع نطاق نفوذه.
تحالف العيون الخمس هو مثال على التعاون الاستخباراتي العابر للحدود، لكنه أيضًا يثير أسئلة جوهرية حول الخصوصية وحقوق الإنسان. في عالم يزداد فيه الاعتماد على التكنولوجيا، يظل هذا التحالف لاعبًا رئيسيًا في الساحة الاستخباراتية العالمية، ولكن تحت مراقبة مستمرة من المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية.