“DARPA”: الظلّ العلمي وراء تفوق القوة العسكرية الأمريكية
(DARPA: Defense Advanced Research Projects Agency)
تشير مشاريع DARPA؛ إلى المبادرات البحثية والتكنولوجية التي تقودها وكالة مشاريع البحوث المتقدمة الدفاعية الأمريكية (DARPA: Defense Advanced Research Projects Agency)، وهي وكالة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، تأسست عام 1958 كردّ فعل على إطلاق الاتحاد السوفيتي لقمر “سبوتنيك“، وهدفها الأساسي هو ضمان التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة في المجال العسكري.
ما الذي تفعله DARPA تحديدا؟
DARPA تموّل وتُشرف على مشاريع “غير تقليدية” واستباقية، تهدف غالبا إلى:
- تطوير تقنيات فائقة التقدم قبل أن تصل إليها أي دولة أخرى.
- ابتكار أسلحة وأنظمة دفاعية ذكية.
- دعم أبحاث الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والتكنولوجيا الحيوية، والفضاء، والنانو تكنولوجي.
أبرز مشاريع DARPA على مرّ العقود:
1. الإنترنت (ARPANET)
- أصل الإنترنت كان مشروعا تابعا لـ DARPA في الستينيات.
- هدفه كان بناء شبكة اتصالات تتحمل الهجمات النووية.
2. نظام GPS
- بدأ كنظام ملاحة عسكري، ضمن مشاريع DARPA.
3. المركبات ذاتية القيادة
- DARPA نظّمت “تحدي المركبات ذاتية القيادة” في 2004، 2005، و2007، مما أعطى دفعة كبيرة لتقنيات القيادة الذاتية.
4. مشروع Atlas (روبوتات بشرية الشكل)
- تمويل وتطوير روبوتات تشبه البشر، مثل “Atlas” من شركة Boston Dynamics.
5. Brain-Computer Interfaces (واجهات الدماغ-الآلة)
- أبحاث في ربط الدماغ البشري مباشرة بالحواسيب للتحكم في الأجهزة بمجرد التفكير.
6. الأسلحة الكهرومغناطيسية والليزرية
- مثل أنظمة الدفاع بالليزر وطائرات الدرون المتقدمة.
7. مشروع “AI Next”
- تطوير ذكاء اصطناعي يمكنه التعلم التفاعلي والتكيف الذاتي، خارج نطاق الشبكات العصبية التقليدية.
لماذا تُثير DARPA الجدل أحيانا؟
- لأنها تعمل على مشاريع تبدو “خيالية” أو “خطيرة” مثل التحكم العصبي، أو الذكاء الاصطناعي العسكري القاتل.
- بسبب الطابع السري لكثير من أبحاثها.
- مساهمتها في تقنيات تُستخدم لاحقا تجاريا، دون كشف كامل عن أصولها العسكرية.
رغم أن DARPA جزء من البنتاغون، فإن الكثير من تقنياتها انتقلت لاحقا إلى الاستخدام المدني، مثل الإنترنت، نظم تحديد المواقع، وتقنيات الذكاء الاصطناعي. عموما؛ فإن DARPA هي مختبر المستقبل العسكري الأمريكي، حيث تُولد التقنيات التي تغير العالم، من الإنترنت إلى الذكاء الاصطناعي، وغالبا ما تكون البداية هناك، قبل أن تصل إلى أيدينا بسنوات أو عقود.
- DARPA مشاريع تُغيّر وجه العالم
في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالتطورات الظاهرة في التكنولوجيا، تعمل وكالة DARPA خلف الكواليس على مشاريع تسبق عصرها بسنوات، بل وحتى بعقود. تأسست هذه الوكالة الأمريكية في عام 1958، لكنها في العقد الأخير (2020–2025) ازدادت نفوذا وغموضا بفضل مشاريعها الثورية في الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والأسلحة الكهرومغناطيسية، وواجهات الدماغ-الآلة. فماذا تفعل DARPA حقا؟ وما أبرز ما طوّرته في السنوات الخمس الأخيرة؟
DARPA ليست مجرد مؤسسة بحثية. إنها مختبر المستقبل العسكري الأمريكي. توجّهها الأساسي هو ضمان تفوق الولايات المتحدة في أي صراع مستقبلي، عبر تمويل أفكار غير تقليدية، غالبا ما تبدأ كخيال علمي وتنتهي كواقع عالمي. ما يميز DARPA هو:
- استباق التهديدات التكنولوجية.
- استثمار مكثف في أبحاث عالية المخاطر وعالية المكافأة.
- السرية التامة في بعض المشاريع.
مشاريع DARPA:
1. مشروع “AI Next” — ذكاء اصطناعي لا يُهزم
في 2020، أطلقت DARPA المرحلة الثانية من برنامج “AI Next”، بهدف تطوير ذكاء اصطناعي يمكنه التعلم ذاتيا من أقل قدر من البيانات، وهو ما يفوق القدرات الحالية التي تتطلب آلاف أو ملايين العينات. هذه التقنية تسمى “الذكاء الاصطناعي التكيفي“.
🔍 الهدف: إنشاء نظم قادرة على التفكير والتصرف في بيئات لم تُدرّب عليها سابقا — على غرار الذكاء البشري.
2. مشروع OFFSET — أسراب الدرون في الحروب الحضرية
منذ 2021، تعمل DARPA على مشروع OFFSET (Offensive Swarm-Enabled Tactics)، الذي يسعى لاستخدام أسراب من الطائرات بدون طيار في بيئات حضرية معقدة. هذه الأسراب يُمكنها التنسيق فيما بينها ذاتيا، دون تدخل بشري مباشر.
📌 الاستخدام: التجسس، التعطيل الإلكتروني، أو حتى الاشتباك المباشر في ساحات القتال.
3. مشروع “Insect Allies” — الحشرات المعدلة وراثيا
يهدف هذا المشروع المثير للجدل إلى استخدام حشرات معدلة وراثيا لنقل جينات وقائية إلى المحاصيل الزراعية، بهدف حمايتها من الهجمات البيولوجية أو التغيرات المناخية المفاجئة. رغم طابعه الزراعي، إلا أن العديد من الباحثين يرون فيه بوابة لتقنيات حرب بيولوجية مستقبلية.
4. Neural Engineering System Design — ربط الدماغ بالآلة
أُطلق هذا المشروع لتطوير واجهات دقيقة يمكنها قراءة وتحفيز إشارات الدماغ بدقة عالية، مما يسمح بتحكم الإنسان في الآلات بمجرد التفكير، ويُفتح الباب أمام الأطراف الصناعية العصبية أو حتى “التخاطر الاصطناعي”.
🚨 في 2023، كشفت DARPA عن نموذج أوّلي يُزرع في الدماغ بحجم قطعة نقدية صغيرة، يعمل لاسلكيا ويدعم التحكم بجهاز كمبيوتر دون لمس.
5. مشروع “XS-1 Phantom Express” — الصاروخ القابل لإعادة الاستخدام
بالشراكة مع Boeing، طوّرت DARPA صاروخا فضائيا يُمكن إطلاقه وإعادته بسرعة عالية، وهو ما يمهد لنقل الأقمار الصناعية أو تقنيات دفاعية إلى الفضاء بكفاءة غير مسبوقة.
🛰️ الاستخدام: الدفاع الفضائي والاستجابة السريعة للتهديدات.
6. Bio-Molecular Computing — الحوسبة الحيوية
بين 2022 و2024، كثفت DARPA استثماراتها في مشروع يهدف إلى استخدام الحمض النووي DNA كوسيط للحوسبة وتخزين البيانات، وهو ما يُعد بداية لثورة في تخزين البيانات على مستوى ذري، بقدرة تصل إلى مئات التيرابايت في نقطة واحدة من المادة البيولوجية.
- هل DARPA تصنع فقط للحرب؟
رغم أن معظم مشاريع DARPA تهدف إلى الاستخدام العسكري، فإن العديد منها ينتقل لاحقا إلى الاستخدام المدني:
المشروع | الاستخدام العسكري | الاستخدام المدني لاحقا |
---|---|---|
الإنترنت (ARPANET) | شبكة اتصالات مقاومة للحرب | الإنترنت العالمي |
GPS | ملاحة عسكرية دقيقة | تطبيقات الملاحة والخرائط |
الذكاء الاصطناعي | تحكم في الأسلحة والاستشعار | الرعاية الصحية، التعليم، الأتمتة |
واجهات الدماغ | دعم المحاربين المصابين | أطراف صناعية ذكية، ألعاب ذهنية |
ماذا بعد 2025؟ توقعات مستقبلية من DARPA
DARPA تعمل حاليا على مشاريع تتعلق بـ:
- الحرب المعرفية: استخدام المعلومات والتلاعب بها كسلاح.
- الأسلحة الكوانتية: باستخدام مبادئ فيزياء الكم.
- التخفي التكنولوجي: منصات طائرات أو جنود لا يُرصدون بالوسائل التقليدية.
- الأخلاقيات الآلية: تطوير ذكاء اصطناعي “يتخذ قرارات أخلاقية” في مواقف الصراع.
خلاصة
ليست DARPA مجرد مؤسسة تكنولوجية، بل هي عقل الولايات المتحدة العسكري والفكري المتقدم، حيث يُصنع المستقبل بسرّية وحذر. وما بين 2020 و2025، استطاعت الوكالة أن تضع حجر الأساس لعصر جديد من الحروب الذكية، والآلات الواعية، والتكنولوجيا التي تتفاعل مع بيئتها كما يفعل الإنسان. إذا أردنا أن نفهم مستقبل البشرية، فإن علينا أن نتابع DARPA عن كثب — وربما بقلق.