الولايات المتحدة والعالم: تاريخ الهيمنة والتدخل

دور الولايات المتحدة في تغيير الأنظمة في أمريكا اللاتينية (1898–1933)

بين الهيمنة الاقتصادية والسيطرة الجيوسياسية

منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين، شهدت أمريكا اللاتينية سلسلة من التدخلات الأمريكية التي استهدفت تغيير الأنظمة السياسية، غالبا بدعم انقلابات أو إنشاء حكومات موالية لواشنطن.

تأتي هذه التدخلات في سياق توسع الإمبريالية الأمريكية، حيث سعت الولايات المتحدة إلى حماية مصالحها الاقتصادية، خاصة في قطاعات الزراعة والتجارة، بالإضافة إلى تأمين نفوذها الجيوسياسي في نصف الكرة الغربي.

  • السياق التاريخي: من معاهدة باريس إلى حروب الموز

بدأت هذه المرحلة مع توقيع معاهدة باريس عام 1898، التي أنهت الحرب الأمريكية الإسبانية وأسفرت عن حصول الولايات المتحدة على بورتو ريكو والفلبين، ومنحت كوبا استقلالا مشروطا. في هذه الفترة، تبنت واشنطن سياسة خارجية توسعية، مدفوعة بمبدأ مونرو وتعديل روزفلت، الذي منح الولايات المتحدة الحق في التدخل في شؤون دول أمريكا اللاتينية لحماية مصالحها.

أدوات التدخل: من القوة العسكرية إلى النفوذ الاقتصادي

استخدمت الولايات المتحدة مجموعة من الأدوات لتغيير الأنظمة في أمريكا اللاتينية، منها:

  • القوة العسكرية المباشرة: كما في احتلال نيكاراغوا (1912–1933) واحتلال فيراكروز بالمكسيك عام 1914.
  • دعم الانقلابات: مثل دعم انقلاب مانويل بونيلا في هندوراس عام 1911، والذي تم بتمويل من شركة كويامل فروت الأمريكية.
  • التحكم في الاقتصاد: من خلال شركات مثل يونايتد فروت، التي سيطرت على قطاعات واسعة من الاقتصاد في دول مثل هندوراس وغواتيمالا.

حالات بارزة لتغيير الأنظمة

  • نيكاراغوا (1912–1933)

تدخلت الولايات المتحدة عسكريا في نيكاراغوا لدعم الحكومات الموالية لها، ووقعت معاهدة بريان-تشامورو عام 1916، التي منحت واشنطن حقوقا حصرية لبناء قناة عبر نيكاراغوا. استمر الاحتلال حتى عام 1933، وشهد مقاومة شرسة بقيادة أوغوستو سيزار ساندينو، الذي أصبح رمزا للمقاومة الوطنية.

  • هندوراس (1911)

دعمت الولايات المتحدة انقلاب مانويل بونيلا ضد الرئيس ميغيل دافيلا، بتنسيق مع رجل الأعمال الأمريكي سام زيموري، مؤسس شركة كويامل فروت. هذا التدخل ساهم في ترسيخ مفهوم “جمهوريات الموز”، حيث أصبحت الحكومات خاضعة لمصالح الشركات الأمريكية.

  • المكسيك (1914)

احتلت القوات الأمريكية ميناء فيراكروز ردا على حادثة تامبيكو، حيث اعتُقل بحارة أمريكيون. جاء هذا الاحتلال في سياق الثورة المكسيكية، وساهم في تأجيج المشاعر المعادية للولايات المتحدة في المكسيك.

الأبعاد الاقتصادية والسياسية للتدخل

كانت التدخلات الأمريكية تهدف إلى:

  • حماية الاستثمارات الأمريكية: خاصة في قطاعات الزراعة والتعدين.
  • منع النفوذ الأوروبي: من خلال تطبيق مبدأ مونرو وتعديل روزفلت.
  • السيطرة على الممرات المائية: كما في محاولة السيطرة على قناة نيكاراغوا.

أثر التدخل على الوعي القومي في أمريكا اللاتينية

أدت هذه التدخلات إلى:

  • تصاعد المشاعر المعادية للولايات المتحدة: بسبب الانتهاكات المتكررة للسيادة الوطنية.
  • نمو الحركات القومية: مثل حركة ساندينو في نيكاراغوا.
  • تشكيل هوية قومية مقاومة: تسعى للتحرر من الهيمنة الأجنبية.

مقارنة مع الوصاية البريطانية

بينما استخدمت بريطانيا أسلوب الوصاية غير المباشرة من خلال النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي، لجأت الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري المباشر وتغيير الأنظمة بالقوة، مما جعل تدخلاتها أكثر عنفا وتأثيرا على السيادة الوطنية.

  • خاتمة

شكلت تدخلات الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية بين 1898 و1933 مرحلة حاسمة في تاريخ المنطقة، حيث ساهمت في تشكيل أنظمة سياسية موالية لواشنطن، لكنها أيضا أطلقت شرارة حركات مقاومة وطنية سعت للتحرر من الهيمنة الأجنبية.

المراجع

  1. Coatsworth, John H. “United States Interventions.” Harvard Review of Latin America.

  2. Langley, Lester D. The Banana Wars: United States Intervention in the Caribbean, 1898–1934. SR Books.
  3. Kinzer, Stephen. Overthrow: America’s Century of Regime Change from Hawaii to Iraq. Times Books.
  4. “United States involvement in regime change in Latin America.” Wikipedia.
  5. “United States Interventions.” ReVista – Harvard University.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى