الولايات المتحدة والعالم: تاريخ الهيمنة والتدخل

الاحتلال الأمريكي لفيراكروز 1914م: التغوُّل على دول الجوار

في سياق مضطرب من العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والمكسيك، جاء احتلال فيراكروز في أبريل 1914 كتتويج لسلسلة من التوترات المتصاعدة، وتحديدا ردا على ما عُرف بـ”حادثة تامبيكو”.

دام الاحتلال سبعة أشهر وأسفر عن آثار عميقة على مسار الثورة المكسيكية، وكذلك على صورة الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، حيث اعتُبر مثالا صارخا على التدخل العسكري في شؤون الدول المجاورة.

  • الخلفية سياسية

في العام 1910، اندلعت الثورة المكسيكية ضد نظام بورفيريو دياز، لتدخل البلاد مرحلة اضطراب سياسي حاد. وفي فبراير 1913، وقع انقلاب دموي في مكسيكو سيتي بقيادة فيكتوريانو ويرتا، في أحداث عُرفت بـ”La Decena Trágica” (الأيام العشرة المأساوية)، بدعم من السفير الأمريكي هنري لين ويلسون. غير أن الرئيس الأمريكي الجديد، وودرو ويلسون، رفض الاعتراف بشرعية حكومة ويرتا، معلنا أنه استولى على السلطة بطريقة غير دستورية.

  • حادثة تامبيكو: شرارة التدخل

في 9 أبريل 1914، ألقت القوات المكسيكية القبض على تسعة بحارة أمريكيين من سفينة “USS Dolphin” بزعم دخولهم منطقة محظورة في ميناء تامبيكو بولاية تاماوليباس. رغم إطلاق سراحهم بعد تدخلات سريعة، طالب القائد الأمريكي باعتذار رسمي وتحية عسكرية مكونة من 21 طلقة، لكن السلطات المكسيكية رفضت التحية، ما دفع الرئيس ويلسون لاعتبار الحادث إهانة للولايات المتحدة.

  • الإنزال في فيراكروز: تدخل مسلح مباشر

في 21 أبريل 1914، ومع أنباء عن اقتراب باخرة ألمانية تحمل شحنة أسلحة يُزعم أنها موجهة لفيراكروز لدعم ويرتا، أمر ويلسون البحرية الأمريكية باحتلال الميناء ومصادرة الشحنة. نزلت قوات المارينز والبحرية الأمريكية في المدينة، واشتبكت مع القوات المكسيكية والمدنيين، ما أسفر عن مقتل أكثر من 150 مكسيكيا و19 جنديا أمريكيا. استمر الاحتلال حتى نوفمبر من العام نفسه.

  • الدور الخفي للمال والسلاح: المصالح الاقتصادية في قلب النزاع

كشفت تقارير لاحقة أن شحنة الأسلحة لم تكن ألمانية بالكامل كما زُعم، بل كانت بتنسيق من رجل الأعمال الأمريكي جون ويسلي دي كاي وتاجر الأسلحة الروسي ليون راست. بعض الأسلحة كانت مُصدرة من شركة “Remington” الأمريكية، وأُرسلت بطرق ملتوية عبر مدن أوروبية مثل هامبورغ لتفادي الحظر الذي فرضته إدارة ويلسون.

  • أثر الاحتلال على الداخل المكسيكي وصورة الولايات المتحدة

أدى احتلال فيراكروز إلى تعزيز الروح الوطنية المكسيكية ضد التدخل الأجنبي، وساهم في تآكل شرعية حكومة ويرتا التي استقال رئيسها لاحقا في يوليو 1914. أما في أمريكا اللاتينية، فقد وُصف التدخل بأنه تكريس لسياسة “البندقية الكبرى” التي انتهجتها واشنطن، وأدى إلى تدهور الثقة الإقليمية في نوايا الولايات المتحدة.

  • مقارنة تاريخية: الوصاية البريطانية على الشرق الأوسط

رغم أن التدخل الأمريكي في فيراكروز جاء تحت ذريعة حماية السيادة والقانون الدولي، فإنه يُقارن من حيث الشكل والمآل بتدخلات الإمبراطورية البريطانية في عدد من الدول العربية، مثل احتلال مصر عام 1882. في كلا الحالتين، استُخدمت الذرائع الدبلوماسية والأمنية لتبرير وجود عسكري طويل الأمد، غالبا ما ارتبط بحماية مصالح استراتيجية وتجارية كبرى، مثل قناة بنما أو قناة السويس.

مراجع:

  1. Office of the Historian, U.S. Department of State: The United States Occupation of Veracruz, 1914

  2. Congressional Research Service, Library of Congress: U.S. Military Interventions in Latin America
  3. “The United States Occupation of Veracruz, 1914,” in Encyclopedia Britannica: britannica.com/event/Veracruz-incident
  4. Friedrich Katz, The Secret War in Mexico: Europe, the United States and the Mexican Revolution, University of Chicago Press, 1981.
  5. Alan Knight, “U.S. Intervention and the Mexican Revolution,” The Mexican Revolution: A Very Short Introduction, Oxford University Press, 2016.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى