الاحتلال الأمريكي لنيكاراغوا (1912–1933): حروب الموز وإعادة تشكيل الوعي
سلسلة: الولايات المتحدة والعالم: تاريخ الهيمنة والتدخل
بين عامي 1898 و1934، شهدت أمريكا الوسطى والجنوبية سلسلة من التدخلات العسكرية الأمريكية ضمن ما يعرف بـ”حروب الموز”، حيث شكّل الاحتلال الأمريكي لنيكاراغوا بين 1912 و1933 أحد أكثر هذه التدخلات تعبيرا عن أطماع الولايات المتحدة الاقتصادية والجيوسياسية، لاسيما في ظل التنافس العالمي لبناء قناة بديلة لقناة بنما. اعتبرت نيكاراغوا موقعا استراتيجيا بالغ الأهمية، وسعت الولايات المتحدة إلى منع أي قوة أجنبية من السيطرة عليه.
- الاحتلال وتفاصيله
1. تمرد إسترادا (1909) وبوادر التدخل:
بدأت الأحداث بدعم أمريكي غير مباشر لتمرد المحافظين بقيادة خوان خوسيه إسترادا ضد الرئيس الليبرالي خوسيه سانتوس زيلايا، الذي اتهم بإعدام مواطنين أمريكيين متورطين في التمرد. على إثر ذلك، بدأت الولايات المتحدة إرسال سفنها الحربية إلى السواحل النيكاراغوية، مدعية حماية مواطنيها ومصالحها، ومهدت بذلك لتدخل عسكري مباشر.
2. الاحتلال الرسمي (1912):
في عام 1912، دخل مشاة البحرية الأمريكية إلى البلاد بدعوى تأمين الاستقرار السياسي. وقعت نيكاراغوا لاحقا على معاهدة “بريان-شامورو” (1916) التي منحت الولايات المتحدة حق السيطرة على أي مشروع لقناة مستقبلية تمر عبر الأراضي النيكاراغوية، ورسّخت شكلا من أشكال الحماية أو الوصاية الفعلية.
3. استمرار الوجود العسكري:
استمر الاحتلال الأمريكي حتى عام 1933، وشهدت هذه الفترة قيام العديد من الحركات الثورية النيكاراغوية، أبرزها حركة المقاومة التي قادها أوغوستو ساندينو، الذي صار رمزا للرفض القومي للوجود الأمريكي.
- البعد الاقتصادي والاستراتيجي
مثل كثير من تدخلات “حروب الموز“، ارتبط الاحتلال الأمريكي لنيكاراغوا بالمصالح الاقتصادية لشركات أمريكية مثل United Fruit Company. كما ارتبط بالصراع الجيوسياسي للسيطرة على الممرات البحرية الحيوية التي تربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ. وكانت الولايات المتحدة مصممة على ألا تسمح لأية قوة أخرى (بريطانيا أو ألمانيا) ببناء قناة نيكاراغوا المنافسة.
- أثر الاحتلال على الوعي القومي النيكاراغوي
لعب الاحتلال دورا حاسما في إذكاء الحس القومي في نيكاراغوا، إذ أنشأ تجربة مباشرة مع الاستعمار المقنع، مما أفضى إلى تطور خطاب قومي مقاوم تمثل في حركة ساندينو التي وحّدت الليبراليين والمحافظين حول مفهوم السيادة والاستقلال. كما ساعدت هذه التجربة في بناء أسس الخطاب المناهض للإمبريالية في أمريكا اللاتينية.
- مقارنة مع الوصاية البريطانية
خلافا للولايات المتحدة، اعتمدت بريطانيا في مستعمراتها غالبا على شكل من أشكال الإدارة غير المباشرة والوصاية القانونية، خاصة في مناطق مثل الخليج العربي أو ماليزيا. كانت الوصاية البريطانية ترتكز على التفاهمات مع النخب المحلية، في حين تميز الاحتلال الأمريكي لنيكاراغوا بالتدخل العسكري المباشر وتجاهل المؤسسات الوطنية. ومع ذلك، تشابه النموذج الأمريكي مع البريطاني في خدمة الشركات الأجنبية وتعزيز البنية الاقتصادية التابعة للمركز الإمبريالي.
- خلاصة:
مثّل الاحتلال الأمريكي لنيكاراغوا نموذجا كلاسيكيا للهيمنة العسكرية والاقتصادية، حيث التقت فيه المصالح الاستراتيجية مع الهيمنة الرأسمالية. غير أن هذه الهيمنة أدت إلى نتائج غير محسوبة، أبرزها إحياء الوعي القومي النيكاراغوي وولادة رموز مقاومة شكلت امتدادا لفكر التحرر في أمريكا اللاتينية. وما يزال هذا الإرث حاضرا في الذاكرة الجماعية والسياسية للمنطقة حتى اليوم.
- المراجع:
- U.S. State Department, Office of the Historian – “Occupation of Nicaragua, 1912-1933”.
- U.S. Congressional Research Service – U.S. Military Interventions in Latin America.
- Thomas Walker, Nicaragua: Living in the Shadow of the Eagle, Westview Press, 2003.
- Lester D. Langley, The Banana Wars: United States Intervention in the Caribbean, 1898–1934, University Press of Kentucky, 1983.
-
Greg Grandin, Empire’s Workshop: Latin America, the United States, and the Rise of the New Imperialism, Holt Paperbacks, 2006.