منبرُنا

قصتي مع السماء وأجرامِها

 

                     

شغفت بالسماء منذ كنت صغيرا، ومازالت ذاكرتي تحتفظ بتلك الصورة المحببة إلى نفسي، صورة فتى صغير يقلب النظر في أجرام السماء في ليلة صافية الأديم غاب فيها القمر أولم يشرق بعد،كان قلبي يدق على إيقاع جريان الكواكب في أفلاكها والنجوم في حركتها الظاهرية، وكان المنظر يزداد بهاء خاصة وأنا أرقب السماء قرب بيتنا في بلدتي زمورة ذات الموقع الجبلي وكان طابعها الريفي يضفي على المنظر مسحة رومانسية أخاذة يختلط فيها حفيف الشجر خاصة شجر السرو والصنوبر بصياح الديكة وبعبق الفجر المندى، وكانت السماء تبدو قريبة مني وأني أوشك أن ألمسها، ويسرف بي الخيال ممعنا في الإبحار فأخال السماء لجة طفت على صفحتها بقع نورانية – هي النجوم والكواكب – وأزعم لنفسي أني أتدلى نحو قرار تلك اللجة، وأما القمر ذاته إن أشرق يسري الهوينى كنت أحسبه راعي ذلك القطيع الضخم من النجوم يرعاها بصبر وأناة وهي تمرح أمام عينيه على سطح تلك اللجة المدلهمة وتحضرني الأشعار-أشعار الجاهليين والإسلاميين – حول تلك القبة وبهجتها وأشد الأبيات تأثيرا في نفسي قول النابغة: 

كليني لهم يا أميــــــــمة ناصـب 

وليــــــــل أقاسيه بطئ الكواكـب  

تـطاول حتى قلت ليس بمنــقض

      ولـيس الذي يرعى النجـوم بآيـب

ويختلط في نفسي شعور حب الليل –لأنه الوقت الذي أخلو فيه إلى درري من فرائد السماء – بشعور الخوف منه لأن فيه وحشة والناس نيام وأنا وحدي أسامر القمر وهو يرعى النجوم، كما كان ظلامه الدامس إن غاب القمر مرعبا لأنه يذكرني بظلام اللحد وكنت أحس ببيت النابغة إحساسا حين يقول للملك النعمان بن المنذر :

فإنك كالليل الذي هو مـــــدركي 

وإن خلت أن المنتأى عنك واسع 

وأما قصيدة المعري “عللاني” فكنت أتلوها على مسمعي بصوت متأني 

وأنا أستعذب ألفاظها وأستمتع بجمال صورها ، وأحار في هذا الشاعر الضرير أنى له هذه الدقة في استقصاء النجوم ومواقعها ؟خاصة التشبيه 

في البيت الثاني وهو تشبيه مزدوج (اللون والحركة):

وكـــــأن الهلال يهـــوى الثريا 

                     فهـــما للـــــوداع معتـنقــــــان

وسهيل كوجنة الحب في اللــو 

                      ن وقلب المحب في الخفقـــان 

                     ضرجته دمـا سيـوف الأعـادي 

      فبكت رحمة لـه الـشـعريــــان 

                     ونضا الفجر على نسره الــــوا 

      قـــع سيفا فهــــــــــم بالطـيـران  

وازداد تعلقي بالسماء ونجومها ، وقرأت كثيرا عن أساطير الإغريق حولها كأندروميدا، وهرقل والجوزاء والعقرب والجبار أوالصياد والملتهب وأساطير العرب كأسطورة الشعريين تلك الأسطورة التي تزعم أن الشعرى اليمانية Sirius  وهي من ألمع نجوم السماء في الشتاء وقد ذكرها القرآن الكريم في سورة النجم في قوله تعالى :” وأنه هو رب الشعرى” فتزعم الأسطورة أن هذا النجم قد عبر نهر المجرة وهو المعروف بالطريق اللبني أو درب التبان مع الحبيب نجم سهيل Canopus  ولهذا تسمى بالشعرى العبور، ولم تستطع أختها الشعرى الشامية Procyon  اللحاق بها فبكت حتى تقرحت عيناها من فرط البكاء وبقيت على طرف المجرة ولهذا تسمى بالغميصاء أي متقرحة العينين من البكاء فالشعرى العبور مالت نحو الجنوب من السماء أي جهة اليمن فهي اليمانية والغميصاء مالت نحو الشمال أي جهة الشام فهي الشامية.

وأما نجم سهيل Canopus أحد عمالقة النجوم الحمراء في السماء الجنوبية والذي يبعد عنا حوالي أربعمئة سنة ضوئية ويستفاد من موقعه باتخاذه نقطة مرجعية في توجيه السفن الفضائية في رحلاتها بين الكواكب إضافة إلى الشمس ، كنت أذكره كلما نظرت إلى الثريا Pléides  تلك النجوم  المجتمعة قرب برج الثور في السماء الشمالية وأتذكر قول الشاعر الأموي عمرو بن أبي ربيعة عن حبيبته الثريا بنت علي بن عبد الله  لما خطبت إلى سهيل بن عبد الرحمن وتزوجها:

                    أيها المنكح الثريا سهيلا 

                    عمرك الله كيف يلتقيان؟ ! 

                    هي شامية إذا مااستقلت

                    وسهيل إذا مااستقل يمان

وذلك على سبيل التورية فالمعنى القريب للثريا تلك  النجوم  والمعنى المقصود هو الحبيبة وكذلك سهيل إذ يتبادر إلى الذهن نجم سهيل غير أن المقصود سهيل بن عبد الرحمن بن عوف العريس . وهي فلتة من فلتات العبقرية الشعرية فقد زعم الشاعر أن الاجتماع والتآلف بين العريسين لن يتم لاختلاف موطنيهما تماما كاستحالة الاجتماع بين نجم سهيل وكوكبه الثريا ! 

كانت تلك نظرة إنسانية رومانسية حالمة لازمتني في طفولتي ولازالت لأني أحب الاندغام في الكون حتى أحسب أن قلبي مركزه وأن حفيف الشجر وهبات النسيم وتلألأ النجوم ما هي إلا أصداء لنبض قلبي، ثم قررت بدافع من فضولي أن أدرس علم الفلك وأعرف حقائق السماء وأجرامها معرفة علمية دقيقة أجمع بينها وبين النظرة الشعرية في تآلف ومودة، وهكذا أحضرت كتب الفلك وأنفقت الليالي في دراستها ولازلت أذكر ذلك القلق الذي كان ينتابني حين يستعصي علي ويستغلق على فهمي موضوع دقيق من مواضيع  هذا العلم وأحاول الكرة وأخيب ثم أحاول كرة أخرى حتى أوفق وتنفتح مغاليقه، ولقد بدأت في الدراسة لوحدي وكان ذلك دأبي بعصامية مستبسلة فقرأت الكتب المبسطة وتدرجت في الدراسة حتى الكتب المتخصصة ولم أستثن معارف القدماء كبطليموس والبتاني والبيروني وعبد الرحمن الصوفي وغيرهم، وقدرت أن معرفتي ستبقى شوهاء إذا لم أقرأ في تاريخ هذا العلم منذ البابليين وحتى فلكي العصر الحاضر، فالتهمت ماوقع في يدي من كتب في تاريخه لأعلامه كجورج سارتون ، وكارلو نيللنو، وغوستاف لوبون والقفطي وطوقان وغيرهم.

وهكذا اجتمع لي قدر مهم من تاريخ الفلك منذ البابليين والكلدانيين وحكاية البروج إلى طاليس وبطليموس إلى البيروني والصوفي والبوزجاني وابن الشاطر إلى كوبرنيكوس وكبلر وبراهى وجاليليو ونيوتن ثم إلى أينشتين ونظرية النسبية العامة ثم فيزياء الكم وتطبيقاتها الفلكية عند فرمي وستيفن وينبرغ وستيفن هوكينغ وصولا إلى باتريك مور عالم الفلك المعاصر مؤلف كتاب ” غينس في علم الفلك”.

لقد صار هذا العلم هوايتي المفضلة قراءة ورصدا للسماء وأجرامها وظواهرها، وأما البهجة التي كانت تغمرني حين أفهم موضوعا ما فهي لا تقدر بثمن، كأني ملكت الدنيا، وكم طردت النعاس الذي هجم علي ليدفعني إلى الفراش واستبسلت في دفعه بغسل الوجه بالماء البارد وشرب المنبهات حتى إذا لاح الصباح لم تستطع قدماي أن تحملني، ولازلت أذكر وأنا طالب بالمرحلة الثانوية كيف كنت أغشى المكتبات بحثا عن كتب جديدة فإن وقع بصري على مؤلف جديد بعت ملابسي لتوفير ثمنه، وأذكر مرة أني مررت بمكتبة عرض في واجهتها كتاب عنوانه ” المنهج الإيماني للدراسات الكونية في القرآن الكريم” ومن العنوان عرفت أن المؤلف سيتناول حقائق الفلك مقارنا إياها بالآيات الكونية في القرآن وقلت لا بأس ربما أجد في الكتاب أشياء مهمة يجدر بي معرفتها وزاد من شوقي ولهفتي على الكتاب غلافه المتضمن سديم رأس الحصان وهو سديم مشهور لازال يتصدر أغلفة الأطالس والمجلات الفلكية  والكتب، وأسقط في يدي ولم أعرف كيف أوفر ثمن الكتاب وكان حوالي مئة دينار وهو مبلغ مهم بل هو مصروف شهر وأهلي سيمانعون في شرائه لغلائه، وأذكر أنني ذهبت إلى جدي لأمي ورجوته بل توسلت إليه بما يضمره لي من محبة وحدب أن يقرضني المبلغ لأنتفع بالكتاب ثم أسدده ولو على أقساط ، وكان جدي متقاعدا يعيش على منحة التقاعد وكانت لا تسد الحاجة ولا تدفع الخصاصة وقبل جدي ، وأسرعت في طلب الكتاب ومن شوقي إليه وفرحتي به فتحته في الطريق متصفحا، وقد انتفعت به في معرفة دورية الكسوف والخسوف وكيفية التنبؤ بهما وهو حدث جلل بالنسبة لفتى مثلي!

وتاقت نفسي إلى رؤية أجرام السماء بالمنظار واحتلت في الحصول عليه غير أن ذلك كان دونه خرط القتاد، وكنت أعتقد أن جدي لأبي المقيم بباريس لا يحرمني منه إن طلبته غير أن إرساله في علبة بريدية ستنتهي به محجوزا لدى مصالح الجمارك لأن ذلك ممنوع، ثم أن جدي لا يزور البلد إطلاقا منذ أكثر من عشرين عاما وهكذا تخليت عن هذه الفكرة، حتى تعرفت إلى صديق من طلاب الثانوية واشتدت عرى الصداقة والزمالة بيننا وأخبرني في يوم من الأيام أنه يملك منظارا مقربا ليس مخصصا للرصد السماوي، ولكنه يريك أشياء لا ترى بالعين المجردة كالنجوم المزدوجة وفوهات القمر الكبيرة، وطلبت منه المنظار على سبيل الإعارة، وأخذته منه وكان ثقيلا وأنفقت ليال  عديدة أرصد أجرام السماء حتى مللت وتعبت قدماي من المشي وعيناي من النظر، واقترح علي خالي وكان يكبرني بخمس سنوات تغيير أبعاد العدسات ليكون المنظار قويا وبعد الفراغ من الرصد تعاد العدسات إلى سابق وضعها غير أن خالي كسر المنظار، ووجدتني في حرج من صديقي وتمنعت وتعللت ثم كشفت له الحقيقة، وأبديت له استعدادي تعويض ثمنه، وكان حوالي أربعمئة دينار وهو مبلغ كبير إنه مصروف نصف سنوي بالنسبة لطالب مثلي واتفقنا أن يكون الدفع على أقساط ، وأقسم صديقي أنه لو كان ملكه لما طالب بثمنه، وسواء أكذب الصديق أم صدق فهو صاحب فضل ومن الواجب تعويضه مع الشكر، ومرة أخرى بعت ملابسي الفرنسية الصنع والتي كان جدي يتكرم بإرسالها من باريس من حين لآخر لتسديد الدين. 

لقد اتسعت معرفتي في هذا العلم ولم أعد أكتفي بالمطالعة فيه فقط بل صرت أقوم بالحساب وأستطيع التنبؤ بتاريخ الكسوف ومكان حدوثه كما أستطيع تعيين تواريخ الكسوفات الشمسية والخسوفات القمرية لمئات السنين الماضية ومكان حدوثها وأقرأ الأزياج الفلكية وأفهمها ولا يقع حدث في السماء إلا وأسرعت للعلم به ، صرت أعرف النجوم في السماء وأعرف بالتحديد المجموعة النجمية التي تنتمي إليها وبعدها عنا، ويحدث أن أسير في الليل فأحدث مرافقي عن مركز مجرتنا درب التبان ناحية برج القوس و أشير إليه، حتى ليأخذ مرافقي العجب وأعرف البروج بدقة ومواقع الكواكب فيها وخضت في أعماق السماء دارسا الحشود النجمية والمجرات والعدسات التثاقلية والثقوب السوداء والكوازارات والمجموعات المجرية ومن حين لآخر أقرأ في النسبية العامة  لزيادة معرفتي بهندسة الفضازمن ، ودفعني فضولي المعرفي إلى البحث في كيفية خلق الكون وكنت أقول لنفسي إذا قدر لي أن أموت فلأكن عارفا بالأمر أفضل من أكون جاهلا واستعنت بشروحات فيزياء الكم المبسطة وما أعقدها !وما أغربها ! .

و أتساءل دائما وإلى الآن عن ما قبل ميلاد الكون ويأخذني الدوار وأحيانا قشعريرة وأنا أتذكر قول أينشتين أن الانفجار العظيم أنتج الزمان والمكان أما قبل الانفجار فلا جدوى ولا معنى للتساؤل؟ وإلى الآن لا يفوتني خسوف قمري دون رصده لرؤية بقعة مخروط ظل الأرض ودخول القمر فيه، وقد قادني رصد خسوف قمري في التاسع من جانفي عام 2001 إلى فهم ظاهرة فلكية شديدة الدقة، إنها مباكرة الاعتدالين ، لقد كنت أسمع بها دون فهم ، فقد قدرت يومها بل ليلتها أن ظل الأرض لابد أن يقع على برج السرطان ، فإذا به يتقهقر واقعا على برج الجوزاء وأسقط في يدي وضربت الأخماس في الأسداس محاولا فك هذا اللغز حتى اهتديت إلى الحل في كتاب بعنوان ” آفاق فلكية ” ولقد شرعت في قراءته في الطريق لهفة وشوقا إلى مضمونه ، وتصوروا فرحتي بفهم لغز حيرني أياما وليال ولقد بقيت عشرين عاما أرقب حدوث كسوف شمسي بالجزائر يوم 11 أغسطس عام 1999 وأحسب الشهور وأستثقل السنين مستعجلا إياها حتى رصدته في ميعاده ولولا ضيق ذات اليد لطرت إلى بلدان العالم لمعاينة كسوفات كلية بلذة وبهجة غير آسف على إنفاق المال والوقت ، ولكم غامرت بعيني في سبيل مشاهدة الكلف الشمسي، فكنت آخذ المنظار 

وأسير في الخلاء منتظرا غروب الشمس ومعتمدا على الغلاف الجوي وحده كمرشح ، وأصوب المنظار نحو الشمس لألاحظ البقع السوداء على سطحها وأحصيها وأحدد موقعها ثم أعود إلى رصدها بعد أيام متأكدا من تحركها نحو الشرق من الشمس مستدلا بها على دوران نجمنا حول نفسه ، آملا في الأخير أن لا تكون الأشعة المتسللة إلى عيني قد سببت لي أي أذى وكم أتعبني البحث عن كوكب عطارد ذلك أن رصده صعب بسبب قربه من الشمس وقصر المدة التي يمكثها في الأفق بعيد غروب الشمس جهة المغرب أو قبيل شروق الشمس جهة المشرق وأنفقت الشهور باحثا عنه متحملا في الشتاء زمهريره وفي الصيف قيظه حتى اكتشفته وميزته بالعين المجردة ولقد كان اكتشافه من قبل بطليموس في برج العقرب إحدى معجزات هذا الفلكي اليوناني العظيم .

ومن ذكرياتي التي لا تنسى والتي صارت مصدر متعة وبهجة كلما عدت إليها مستعيدا لحظاتها اشتراكي في أغسطس من عام 2003 م في رصد اقتران المريخ بالأرض مع جمعية ” أطلس” الفرنسية قرب مطار شارل ديغول بضواحي باريس ، قضيت ليلة بأكملها أرصد الكوكب الأحمر بمنظار قوي هو ملك للجمعية وكان تفاعلي مع الحدث قويا وتذكرت قول أبي العلاء :

           ولنار المريخ من حدثان الــــد       

           هــر مطف وإن علت في اتقاد 

لقد ميزت بوضوح القلنسوة الثلجية البيضاء ، ذات الأصل الكربوني في القطب الجنوبي للكوكب ، كما رأيت بوضوح فوهة كوبرنيكوس على سطح القمر وهي أكبر فوهة على سطحه وميزت بوضوح بعض النجوم المزدوجة والتي تبدو للعين المجردة نجوما منفردة ،ولازلت أذكر تلك الجموع المحتشدة التي جاءت من باريس بعد الإعلان عن ليلة الرصد هذه على الصفحة الأولى لجريدةLe Parisien  الشهيرة ، شيوخ وعجائز وشباب في مقتبل العمر يجمعهم في العراء وفي غابة مدنية Villepinte  هدف واحد هو اقتسام المتعة والاشتراك في اكتشاف غرائب السماء وبدائعها ، وتأملت واقعنا وأحزنني الأمر إننا لا نعطي العلم قدره 

ولا نتلهف على استجلاء عجائب الطبيعة ولا نغامر بحثا عن جديد من علم أو فن أو فكر ، واختصرنا  الحضارة الحديثة في استهلاك ما ينتجه الغرب بروح بدائية وأسلوب همجي في غالب الأحيان ولم نأخذ من منتجات الحضارة إلا ماله علاقة بالغريزة ، أما ما يشحذ الذهن ويغذي الروح ويرهف الحس ويربي الذوق ويدخلنا في مدنية العصر فلا نلقي إليه بالا ! 

ومن ذكرياتي التي لا تنسى اشتراكي في برنامج علمي على الأنترنت نظمته الوكالة الأمريكية للفضاء حول البحث عن الماء في المريخ وكنت قد قرأت عن هذا الكوكب كل ما وقع في يدي من كتب ودوريات ومجلات متخصصة ، وكانت  دهشتي عظيمة حين رأيت الوكالة تكرمني باقتراح تدوين اسمي على قرص مضغوط مع أسماء علماء ورؤساء دول سابقي

 وأثرياء ومشاهير ويرسل هذا القرص إلى المريخ على متن المركبة الفضائية غير المأهولة Exploration Rover  Mars  ليبقى هذا القرص هنالك إلى الأبد .

وأرسلت إلى الشهادة ممضاة من قبل البروفيسور E.Weiler  مدير بحوث الفضاء في « NASA »، وسررت غاية السرور حين علمت أن من الأسماء المدونة على هذا القرص اسم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون والدكتور  E.Weiler  والعالم الكبير باتريك مور صاحب موسوعة غينس في علم الفلك وأسماء أخرى ثقيلة .

والآن صرت أكتب أحيانا – إن سمح الوقت- بعض المقالات في الفلك وعلم الكونيات وتاريخ الفلك وأعلامه وأنشرها في مجلات ودوريات مختصة وأصبحت على صلة بجمعيات فلكية عديدة كاتحاد الفلك العربي في عمان ومرصد باريس الذي يمدني بالمعطيات العلمية الدقيقة كلما طلبت منه ذلك لتحقيق حدث فلكي جلل أستفيد منها فيما أكتبه من مقالات بغية إفادة القارئ العربي بما جد في هذا العلم الرحب.

لقد نظرت إلى السماء ذات مرة وأنا صغير فأسرتني القبة بجمالها

 وسكونها وكنت أحسب تلك الدرر- ولازلت- عوالم تستفز العقل والوجدان للبحث والتأمل.

ترى كم هم الذين يعلمون أن كثيرا من هذه النجوم قد انتهت ولقيت حتفها ولم يعد لها وجود غير بقايا الضوء الذي مازال يصلنا؟

وكم هم الذين يعلمون أن كثيرا من مواقع النجوم لن تبقى كذلك وأن كثيرا جدا من المواقع تغيرت غير أن الضوء مازال يصلنا وفقا للموقع القديم نظرا لشساعة الكون ؟ وأتذكر الآية الكريمة في سورة الواقعة   “فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم” ثم أتساءل عن المغزى من استعمال الفعل المضارع “تعلمون” مكان الماضي علمتم، وأصل إلى الجواب بعد كد الذهن ذلك أن دلالة الزمن هنا تعني إمكانية المعرفة  في المستقبل فضلا عن العرض وذلك أن أجيال العلماء من طراز كبلر ونيوتن وهالي وأينشتين سوف تصل إلى الحقيقة وتطلع الإنسانية عليها ، ولو استخدم  الزمن الماضي لكان ذلك يعني استحالة العلم قياسا على “وما أدراك مالحاقة”أو”مالقارعة” وهنا يقع التناقض بين دلالة الآية وحقائق العلم والقرآن منزه عن الخطأ.

ولا أستطيع وأنا أتأمل السماء إلا أن أتذكر قول أبي العلاء: 

قران المشتري زحلا يرجى          

              لإيقاظ النواظر من كراهـــا 

وهيهات البرية في ضـــلال          

              وقد فطن اللبيب لما اعتراها 

تقضى الناس جيلا بعد جيل         

وخلفت النجوم كما تراها ! 

وأعذر رهين المحبسين لقوله ” كما تراها ” ذلك أن تغير موقع  النجوم يحتاج إلى آلاف بل ملايين السنين لمعاينته وذلك ليس في متناول عمر الإنسان القصير،كما أتذكر قول لبيد بن ربيعة لنفس السبب حين يقول:

                   بلينا وما تبلى النجوم الطوالع              

                   وتبقى الديار بعدنا والمصانع  

وأعذر لبيدا فما كان في مقدور شاعر جاهلي أن يدرك ميلاد وموت النجوم! 

وأنا الآن مازلت أتابع جديد هذا العلم بفضول لا ينتهي وأتهيأ للأرصاد الشخصية كلما كان ذلك ممكنا وأحاول إثارة اهتمام الناس كلما كان ذلك ممكنا أيضا، كما أسعى لنقل فضولي وحبي للسماء إلى أولادي وهكذا أخرج في أمسيات الربيع الدافئة خاصة إذا غاب القمر أو كان هلالا حتى لا يحجب  ضوؤه النجوم إلى ظاهر المدينة في صحبة أولادي أو بالأحرى بناتي الصغيرات لنتأمل القبة السماوية وأخال نفسي سندباد ركبت الهلال مع أولادي زورقا وأبحرنا سويا في لجة السماء المدلهمة نستأنس بقطع النور المتناثرة على سطح تلك اللجة وأشير بأصبعي شارحا لهن هذا النجم القطبي وذاك كوكب المريخ وهذا زحل قرب المشتري وتلك النجمة النيرة هي الشعرى اليمانية …

إبراهيم مشارة

ولد إبراهيم مشارة في 21 فيفري 1967 ببرج زمورة درس في طفولته بالكتاب وبالمدارس الرسمية بمسقط رأسه ونال شهادة البكالوريا عام 1986 ، انتسب إلى كلية الآداب بجامعة قسنطينة وتخرج منها بشهادة الليسانس عام 1992. مارس إبراهيم التعليم كأستاذ للتعليم الثانوي منذ عام 1992 إلى غاية 2007 ليشتغل بعدها مفتشا للغة العربية في التعليم الثانوي إلى اليوم. أصدر أول مقالة أدبية عام 1988 في جريدة الشرق الأوسط اللندنية عن العقاد وطه حسين ثم توالت مقالاته النقدية والقصصية في كثير من الصحف والمجلات العربية كالعربي، وأخبار الأدب والمعرفة والجيل...... نال جائزة القصة القصيرة عن اتحاد أدباء العراق عام 2007 بقصة" العربي ولد صالحة" ثم جائزة النقد من مؤسسة ناجي نعمان بيروت 2008 وجائزة الاستحقاق في القصة من مؤسسة نجلاء محرم بالقاهرة عام 2010. يكتب بصفة منتظمة في كثير من الصحف العربية والمهجرية والمجلات المحكمة والأدبية في معظم ربوع الوطن العربي . 1/ صدر له كتاب"وهج الأربعين" من إصدار وزارة الثقافة في إطار احتفالية الجزائر عاصمة الثقافة العربية وهو كتاب نقدي ضم مقالاته النقدية في المجلات العربية الأدبية. 2/ كتاب "ديوان الحكايا" عن دار إيزيس للنشر القاهرة 2011. 3/أوراق أدبية عن مؤسسة نون للنشر ألمانيا2016. كما له نشاطات أدبية منتظمة ومقالات نقدية وإبداعية على صفحات المجلات والصحف الرقمية العربية على شبكة الانترنت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى