انتخابات وقوائم ومرشحون ودعاية وديموقراطية
أستمع كثيرا للدعايات التي تقدمها القوائم المرشحة لانتخابات الكنيست الخامسة والعشرين ( والكنيست لمن لا يعرفها بعد من الأعاريب؛ هي برلمان العدو الذي دونه جميع البرلمانات العربية أداء واحترافا وحرية تعبير …).
تجد في المبثوثات سوقا للأفكار التي تنهال عليك من كل حدب وصوب.
وتجد في المبثوثات ما لا يسرك وهو كثير وتجد فيها ما يسرك وهو قليل.
تجد فيها ملامح قوة العدو وتفاني المرشحين لخدمة قومهم
وتجد فيها الصوت العربي يصارع كي يؤمن له منصة في السوق مستقبلا
تجد في مضمونها فسطاطين : فسطاط العدو وان امتد ما بين غلاة العنصريين إلى الأقل عنصرية . والفسطاط الثاني : فسطاط الفلسطينيين العرب ( والفلسطينيون عند العدو عرب على التعميم والتغليب , او ان شئت الأغيار وإن تنوعت التغطية لاستقطاب شرائح من الأغيار تلزم هنا أو هناك ).
والفسطاط الفلسطيني والعربي ( هناك مرشحون من الجَولان العربي السوري ) متنوع أيضا فمنه العربي الصافي والعربي المخلوط مع غير الأغيار .
وتعجبني الرموز المستخدمة لكل قائمة ولفت انتباهي رمزان :
الرمز الأول : “ض ” وهو رمز التجمع الوطني الديموقراطي بقيادة الأستاذ Sami Abou Shahadeh – سامي أبو شحادة المحترم وللرمز ايحاءاته فهو رمز اللغة العربية الخالد ( لغة االضاد ) مع كل دلالات ذلك ومضامينها .
والمحور الذي يدور حوله هذا الحزب بسيط وفعّال في آن : “المساواة” مع كل ما يقتضيه هذا الأمر ومحو للعنصرية .
الرمز الثاني : وهو مضحك ولم يتقصده أصحابه حتما ولكن غباءهم أوقعهم فيه : م ح ل ( مَحْلْ ) وهو رمز التكتل ( هليكود ) بقيادة العدو نتنياهو .
وفعلا جاء الرمز والاسم ليعبر عن المضمون من حيث لا يعلمون : ليعبر عن المحل والقحط وكل الايحاءات المرافقة وهذا ما جناه الفلسطينيون خاصة والعرب عامة من هذا الشخص وحزبه منذ فوزهم بالحكم بانتخابات الثلاثاء 17 أيار 1977 وان ظهر للبعض بقع ماء هنا وهناك ولكنها انكشفت سرابا .
وأما الأغاني فهي مُشَكَّلَة وتتبنى بعض الأحزاب بعضا منها والبعض الأكثر لا يميل إليها .
وشخصيا أتابع الدعايات الانتخابية الإسرائيلية منذ 41 عاما يوم كنت بالثانوية العامة وتحديدا انتخابات الأول من تموز 1981. ومن أطرف الشعارات وأطرف الأغاني التي عايشتها :
الأول : شعار حزب همفدال ( الحزب الوطني الديني وهو حزب يميني ديني متطرف وتحوّر لأحزاب أخرى ( بضم الهمزة ) وابرزها حزب البيت اليهودي بقيادة أييلت شكيد . والمهم تَبنى حزب المتدينين هذا في انتخابات الأول من نوفمبر 1988 شعار :
انتخب المفدال وعلى الله الاتكال ( وفي رواية ( على الله المتكال )
لاحظوا ان حزباً يهوديا دينيا متطرفا يداعب الفلسطينيين لانتخابه بتبني مبدأ سامٍ لدى المسلمين وهم جل الناخبين الفلسطينيين !!
الثاني : في الانتخابات نفسها ( الفاتح من نوفمبر 1988 )
أعد أشياع الليكود ( التكتل ) وكان بزعامة الهالك اسحق شمير ( سمير ) يومها طلعةً زجلية في دعايتهم الانتخابية , وهي جميلة بغض النظر عن مضمونها الكاذب :
بِدْنا نْصَوِّتْ لَ الليكود …… حتى تتحقق الوعودْ
ولَمّا الليكود اللي “يكود” …..يجيب السلام المنشود
لاحظوا : 1. اللجوء للزجل وهو فن شعبي فلسطيني جميل وأصيل ( وكذلك بلبنان طبعا ) وفن له احترامه عند أهلنا بالجليل تحديدا وسائر فلسطين
- استخدم ” المؤلف ” كلمة : يكود ” وهي باللهجة الفلسطينية الجميلة : يقود ( أي يتولى زمام القيادة )
- اختار لونا زجليا يسهل إيصال الفكرة فيه وتنغيمه سهل أيضا , ويحفظ بسهولة أيضا .(ما زلت أحفظه منذ 34 سنة رغم أنه مخزّن في ذاكرتي ولا أستخدمه طبعا )
ولا يخفى على المرء الخطاب النفسي الذي يرومه أصحاب الشعارات والدعايات من دغدغة المشاعر والتلاعب بالألباب . ولكن ثقتي بالأهل في فلسطين تجعلني واثق أن مثل هذه الألاعيب لا تنطلي عليهم
ولقد راكم الفلسطينيون في الداخل ( جِوّأ ) من الخبرات بهذا المجال ما يجعلهم يبزون كل الشعوب العربية بهذا الخصوص واعني ما أسميه “الوعي الانتخابي والديموقراطي” ولعبة الأحزاب والقوائم وفائض الأصوات …الخ
وغني عن البيان القول, أمران( الأول ) أني كنت أتوق لأن يكون الفلسطينيون الفلسطينيون قائمة واحدة كما حصل بانتخابات آذار 2015 فحققوا غلة معقولة. ولكن جرت الرياح بما لا نشتهي .
والأمر الثاني : أني أهيب بجميع من له حق الانتخاب أن يمارس حقه لسبب بسيط : وهو أن هذا الفعل يغيظ عدوهم وعدونا .مع كامل الاحترام للرافضين المشاركة من حيث المبدأ أو عقائديا . (ولا يتسع المجال هنا لنقاش هذه القضية الشائكة , وقد أناقشها لاحقا بسياق آخر ).
وإجمالا لا يسع المرء إلا ان يسجل حزنه لازدهار اللعبة الديموقراطية لدى العدو ولانعدامها في الفيافي العربية جميعها . فالبرلمانات إما مفقودة في دول الوطن العربي أو موجودة ولكنها شوهاء تفصل بطريقة تخدم السلطان ولا حول ولا قوة الا بالله
ولعل جيلاً جديداً ينشأ يغير ما نحن فيه من سوء على ضوء من قول العزيز الحكيم : ” إن الله لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” . صدق الحق تعالى.
جميع الآراء الواردة في المقال تَخُصُّ كاتِبها ولا تٌعبّر إطلاقا عن توجه المنصة ولا عن سياساتِها التحريرية