“جاك دريدا” .. رائد التفكيكية
يُعد “جاك دريدا” أول من استخدم مفهوم التفكيك بمعناه الجديد في الفلسفة، وأول من وظفه فلسفياً بهذا الشكل، وهو ما جعله من أهم الفلاسفة في القرن العشرين، يتمثل هدف دريدا الأساس في نقد منهج الفلسفة الأوربية التقليدية، من خلال آليات التفكيك الذي قام بتطبيقها إجرائيا من أجل ذلك.
بالنسبة لدريدا، فإن للتفكيك تأثيرا ايجابيا من أجل الفهم الحقيقي لمكانة الإنسان في العالم فقد أزاحه عن موقعه المركزي بعيدا، كان دريدا بأفكاره الفلسفية مختلفا تمام الاختلاف ومغايرا للسائد الفلسفي.
لذا، كان يتلقى دائما اتهامات في قضايا عدة فأحياناً كان يُتهم بالمبالغة في التحليل وأحياناً كان يُوصف بالظلامية والعبثية وتعمد الغموض، حاول دريدا الإجابة على أسئلة خصومه الذين كان من أشدهم وطأة عليه هابرماس.
عالج دريدا مجموعة واسعة من القضايا والمشاكل المعرفية السائدة في التقاليد الفلسفية (المعرفة، الجوهر، الوجود، الزمن) فضلا على معالجاته المستمرة حتى وفاته لمشاكل : اللغة، والأدب، وعلم الجمال، والتحليل النفسي، والدين، والسياسة والأخلاق. لكنه في فتراته الأخيرة ركز على القضايا السياسية والأخلاقية.
في عام 1942 طُرد من المدرسة بسبب جنسيته (عندما انشأت حكومة فيشي صفاً خاصاً لليهود) وفي عام 1948 أصبح مهتماً بشكل جدّي بفلسفة روسو، ونيتشيه، وكامو ، وفي سن التاسعة عشر انتقل دريدا للعيش في فرنسا، حيث استطاع التسجيل في المدرسة العادية العليا.
وهناك، بدأ دريدا يعد لمحاضرات فوكو وتعرف عليه شخصياً كما تعرف على العديد من المفكريين الفرنسيين المشهورين في وقت لاحق ومنذ عام 1960 حتى عام 1964 كان مساعداً في جامعة السوربون.
قبل أن يصبح مدرساً للفلسفة في غراندس ايغولوس Grandes Ecoles في باريس وفي عام 1966 شارك في الندولة الدولية (انقاذ اللغات والسانيات) في جامعة Johns Hopkins University(التيمورBaltimore) في الولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ عام 1968 حتى 1974 درس في جامعة جونس هوبكينز (Johns Hopkins University) وجدير بالذكر أن دريدا في وقت سابق وفي هذه الجامعة أذاع بيانه الهام الذي كان إيذانا بنهاية البنيوية وولادة ما بعد البنيوية وفي عام 1974 أصبح مدرساً في جامعة بيل وقد توفي دريدا في 9 أكتوبر عام 2004 في باريس بعد اصابته بسرطان البنكرياس .
نشر دريدا عمله الأول وكان بعنوان (بداية الهندسة) مع مقدمة خاصة في عام 1962 ، وبين الأعوام 1963 – 1967 نشر دريدا مقالات في المجلات الدورية قبل أن يتم تضمينها في أعماله (في علم الكتابة) و (الكتابة والاختلاف).
في عام 1967 انتشرت الكتب التي جعلت من دريدا شخصية مشهورة وهي كتب في علم الكتابةDe la grammatologie و الكتابة والاختلاف Écriture et différence أول كتب تم نشره وأكثر كتاب تمت قراءته. كما وأكمل مقال (الصوت والظاهرة) .
كتابه في علم الكتابة كان مخصصا لتحليل اللغة الفلسفية عند روسو وآخرين، لكن محتوى الكتاب كان أضخم بكثير حيث احتوى على المبادئ التي وضعها دريدا، كان الموضوع العام للكتاب تاريخ تطور مفهوم الكتابة الذي تم تجاهله والاعلاء من أهمية الصوت .
أما كتابه الكتابة والإختلاف فقد كان عبارة عن مجموعة من المقالات المخصصة لمختلف جوانب نظرية اللغة، يستكشف هذا الكتاب أعمال ديكارت وفرويد وأرتو وغيرها. ويوفر تعريفات لمفاهيم هامة لدريدا كالبنية والاختلاف والعقار وغيرها.
كان مقال «كوجيتو ومشكلة الجنون» بداية مناقشة دريدا وفوكو حول دور الجنون في تطوير العقلانية الغربية. لابد من الإشارة إلى أن الأديب العراقي المغترب كاظم جهاد يعد أول من قام بجهد مثمر في ترجمة التراث الدريدي إلى اللغة العربية فضلا على براعته في نقل عدد من المصطلحات الدريدية إلى العربية بطريقة غير مسبوقة.
كما في ترجمته لمصطلح الاختلاف فقد وضع حرف التاء في هذه المفردة بين قوسين لتؤدي معنى الإخلاف بدون النطق به ومعنى الاختلاف مع النطق به وهو ما أراده دريدا أصلا حين سن هذا المصطلح الجديد على اللغة الفرنسية.