منبرُنا

نهر التطبيع

 

تقول الأسطورة أن  نهرا في مملكة  من الممالك  حال فجأة وكان كل فرد من رعايا المملكة  يجن إذا شرب من النهر وهكذا جن كل من في المملكة إلا الملك وكاتم أسراره  لكنه صادف مشكلة كيف يحكم شعبا مجنونا وهو عاقل؟ صمد أول الأمر لكن في النهاية قرر أن يشرب هو وكاتم سره  من النهر ليحكم الرعية المجنونة .

هل صار التطبيع هو نهر الجنون وهكذا على كل  الحكام العرب أن يطبعوا ليحكموا رعاياهم؟

في قصيدة قديمة لنزار قباني عنوانها متى يعلنون وفاة العرب؟ يقول فيها:


أنا منذ خمسين عاما،
أراقب حال العرب.
وهم يرعدون، ولايمطرون…
وهم يدخلون الحروب، ولايخرجون…
وهم يعلكون جلود البلاغة علكا
ولا يهضمون…
          ***
أنا منذ خمسين عاما
أحاول رسم بلادٍ
تسمى مجازا بلاد العرب
رسمت بلون الشرايين حينا
وحينا رسمت بلون الغضب.
وحين انتهى الرسم، ساءلت نفسي:
إذا أعلنوا ذات يومٍ وفاة العرب…
ففي أي مقبرةٍ يدفنون؟
ومن سوف يبكي عليهم؟
وليس لديهم بناتٌ…
وليس لديهم بنون…
وليس هنالك حزنٌ،
وليس هنالك من يحزنون!!

الأكيد أن الزمن الذي كتب فيه الشاعر نزار هذه القصيدة  كان أفضل من هذا الزمن فالأيام تترى هوانا وذلا وضعة واليوم الذي يمر أفضل من تاليه  فلن ينتصف القرن قبل أن نرى تهويدا لشبه الجزيرة العربية ثم يستدير المارد العبراني  أو العنقاء العبراني الذي بعث من رماده  إلى  سائر بلاد العرب وسوف يدفع الجميع المكوس والتعويضات عن كل ذرة رمل ملكها عبراني يوما ما ثم تركها سيدفعون التعويضات بكل أريحية. هل هذا سوف يحدث ؟ بالتأكيد سيحدث فإذ رأيت حجرا يسقط بتأثير الثقالة فلا تشك بارتطامه بالأرض وإنما  تعلم قوانين الفيزياء لتحسب عجلة الجاذبية وسرعة السقوط أما الارتطام فلا مرد له.

في مقالتي” هموم تربوية وأكاديمية عربية” المنشورة في جريدة القدس العربي بتاريخ09أكتوبر 2019  تحدثت عن الجوائز النفطية وكان الهدف تبيان كيف تم تمييع الثقافة وتحويلها إلى سلعة تجارية مثل إيف سان لوران ولاكوست وبيار كاردان لقد تم منذ التسعينات الالتفاف على العواصم الثقافية العربية العريقة كالقاهرة وبيروت ودمشق وبغداد وصنعاء والرباط تلك التي شهدت أمجاد الشعر والنثر والفكر والشموخ والصمود وهي العواصم العريقة منذ العصر القديم ،لقد تم الالتفاف عليها وتحولت عواصم الثقافة إلى مدن الخليج  ” مدن الملح” كما يسميها الروائي الراحل عبد الرحمن منيف حيث الثقافة مثل الأفلام الأمريكية والعطور الفرنسية  والغرض فصل الذاكرة العربية عن محيطها الطبيعي العواصم العربية العريقة أي العواصم من القواصم.

وهل كان انفجار مرفأ بيروت حادثا مدبرا يتزامن مع حادثة التطبيع هذه  أم حادثا عرضيا يجري الاستثمار فيه ؟ والإجهاز على آخر خلية مقاومة في الشرق الأوسط ،لبنان الصغير بجغرافيته الكبير بثقافته ومواقفه وتاريخه لبنان الذي علم الإنسانية بالقلم وهداها أبجديتها ؟

وبيروت الصمود التي تختزن في أحشاء طرقاتها قصة الإباء وفي تلافيف مخها أنوار المعرفة ؟ وفي جذوع أرزها الثبات وفي قمم جبالها الشموخ.

في قصيدة قديمة للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان تتحدث عن الشقيقات السبع اللائي تحذرمنهن فلسطين ،نفس النغمة تسمعها في آهات الشعراء المقاومين من إبراهيم طوقان إلى عبد الرحيم محمود إلى فدوى طوقان وأبي سلمى و محمد القيسي إلى سميح القاسم ومحمود درويش إلى عز الدين المناصرة وغيرهم تقول فدوى طوقان من قصيدة(نبوءة العرافة):

لكنما الرياح في هبوبها

تقول حاذري

 إخوتك السبعة

تقول حاذري 

إخوتك السبعة

وغني عن البيان أن الدول العربية التي انهزمت في حربها ضد إسرائيل   سبع دول وقد سئل المرحوم ساطع الحصري لماذا انهزم العرب ضد إسرائيل في  1948وهم سبع دول فقال: انهزموا لأنهم سبع دول.

لكن ماذا يفعل المطبعون إزاء النصوص القرآنية التي تتوعد بني إسرائيل هل سنشهد قرآنا عربيا آخر مبتور الآيات على شاكلة كتب النحو الإنجليزي المختصرة؟

إن السلام العادل هو السلام الذي تفيض به القلوب وتتمثله الأرواح ولن يتأتى إلا بإعطاء كل ذي حق حقه أما السلام المفروض سلام الخروف والذئب فمصيره الفشل  ولو بعد لأي ولو بعد زمن طويل كأنه الأبد.

لهذا  ففي ذرات حائط الأقصى وفي سمائه وفي دروب القدس ملايين اللاءات  فمازال حنظلة الشهيد  ناجي العلي مقاوما ورافضا وسيهزم بعناده ولامبالاته جحيم الآلة الإعلامية التي سوقت للتطبيع على جثث الضحايا الأبرياء وزيتونهم وأرضهم وسكوت العرب المولعين بالكراسي والمناصب ولو رهنوا شعوبهم.

 

إبراهيم مشارة

ولد إبراهيم مشارة في 21 فيفري 1967 ببرج زمورة درس في طفولته بالكتاب وبالمدارس الرسمية بمسقط رأسه ونال شهادة البكالوريا عام 1986 ، انتسب إلى كلية الآداب بجامعة قسنطينة وتخرج منها بشهادة الليسانس عام 1992. مارس إبراهيم التعليم كأستاذ للتعليم الثانوي منذ عام 1992 إلى غاية 2007 ليشتغل بعدها مفتشا للغة العربية في التعليم الثانوي إلى اليوم. أصدر أول مقالة أدبية عام 1988 في جريدة الشرق الأوسط اللندنية عن العقاد وطه حسين ثم توالت مقالاته النقدية والقصصية في كثير من الصحف والمجلات العربية كالعربي، وأخبار الأدب والمعرفة والجيل...... نال جائزة القصة القصيرة عن اتحاد أدباء العراق عام 2007 بقصة" العربي ولد صالحة" ثم جائزة النقد من مؤسسة ناجي نعمان بيروت 2008 وجائزة الاستحقاق في القصة من مؤسسة نجلاء محرم بالقاهرة عام 2010. يكتب بصفة منتظمة في كثير من الصحف العربية والمهجرية والمجلات المحكمة والأدبية في معظم ربوع الوطن العربي . 1/ صدر له كتاب"وهج الأربعين" من إصدار وزارة الثقافة في إطار احتفالية الجزائر عاصمة الثقافة العربية وهو كتاب نقدي ضم مقالاته النقدية في المجلات العربية الأدبية. 2/ كتاب "ديوان الحكايا" عن دار إيزيس للنشر القاهرة 2011. 3/أوراق أدبية عن مؤسسة نون للنشر ألمانيا2016. كما له نشاطات أدبية منتظمة ومقالات نقدية وإبداعية على صفحات المجلات والصحف الرقمية العربية على شبكة الانترنت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى