أعلام اللسانيات العرب

“بنت الشاطئ”.. العاشقة المفْتنَّة بالدرس اللغوي القرآني

      نبتت وترعرعت في بيئة علمية أزهرية، نهلت من مكتبة والدها ما أذهب عنها بعض عطشها للعلم والدرس، وما إن وطئت قدماها الجامعة المصرية حتى شُدهت بعوالم أخرى من المعارف في الدرس والبحث.


وتأصلت هذه المعارف بزواجها من أستاذها أمين الخولي، فزاد عشقها للدرس اللغوي القرآني… ومن ثم بدأت الشجرة في الإيناع، وظلت تعطي أطايب الثمر   سواء في محاضراتها لطلابها في عديد من الجامعات، أم في الملتقيات العلمية…ناهيك عن مؤلفات جمة تفرَّدت بها …  استمر هذا العطاء رغم كل ما رُزئت به من محنِ فقْد أسرتها بالكامل في حياتها.


           ولدت البروفيسورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) في مدينة دمياط بشمال مصر سنة ١٣٣٠هـ/١٩١٢م. وكان والدها عالماً من علماء الأزهر، فتربت على يديه تربية إسلامية صحيحة، ونهلت من مجالس الفقه والأدب التي كان يقيمها،

وحفظت القرآن الكريم في كتاتيب بلدتها، وحصلت من المنزل على شهادة الكفاءة للمعلمات سنة ١٣٤٨هـ/١٩٢٩م وكان ترتيبها الأولى على القطر المصري، ثم حصلت على الشهادة الثانوية سنة ١٣٥٠هـ/١٩٣١م. ثم التحقت بكلية الآداب في جامعة القاهرة وتخرجت في قسم اللغة العربية سنة ١٣٥٨هـ/١٩٣٩م، وواصلت دراساتها العليا حتى حصلت على الدكتوراه في الأدب سنة ١٣٦٩هـ/١٩٥٠م.


            وقد عملت بالتدريس الجامعي في تسع دول عربية، فكانت محل الإعجاب والتقدير أينما حلَّت. وكانت عند فوزها بجائزة الملك فيصل العالمية أستاذة للدراسات العليا في الشريعة بجامعة القرويين في المغرب، وأستاذة اللغة العربية وآدابها في جامعة عين شمس. وقد تخرّج على يدييها صفوة من طلاب الدراسات العليا من الدول التي عملت فيها.


             تميَّزت البروفيسورة “بنت الشاطئ” عن أقرانها بجمعها النادر بين الدراسة العميقة لعلوم الإنسان وعلوم العربية حيث قرَّرت البيان القرآني أصلاً للدرس البلاغي، والدلالات القرآنية أصلاً للدرس اللغوي، والشواهد القرآنية أصلاً للدرس النحوي، ومنهج علماء الحديث أصلاً للمنهج النقلي وتحقيق النصوص وتوثيقها.


وكان تحقيقها للنصوص نموذجاً جيداً في خدمة النص وتذليل ما فيه من عقبات، وتقريبه إلى القارئ والباحث بتوضيح ما فيه من غموض وتصحيح ما اعتراه من تصحيف أو تحريف. ومن أبرز ما قامت به في ذلك المجال تحقيق رسالة الغفران، وكتابة دراسة شاملة عنها بعنوان: الغفران.


            نالت بنت الشاطئ العديد من الجوائز والأوسمة؛ ومنها جائزة الحكومة المصرية في الدراسات الاجتماعية والريف المصري، وجائزة المجمع اللغوي في القاهرة لتحقيق النصوص، وجائزة القصة القصيرة، وجائزة الدولة التقديرية في الأدب، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من مصر، ووسام الكفاءة الفكرية من الملك الحسن الثاني، وجائزة الأدب من الكويت.


وكانت عضواً في مجمع البحوث الإسلامية، والمجلس الأعلى للثقافة، والمجالس القومية المتخصصة في مصر، وقد أطلق اسمها على العديد من المدارس والقاعات الدراسية في بلادها وفي عدد من الدول العربية الأخرى.


            مُنِحت البروفيسورة عائشة محمد علي عبد الرحمن جائزة الملك فيصل العالمية عام 1994م، وكان أول امرأة تمنح هذه الجائزة؛ وذلك لتميزها بغزارة الإنتاج، خاصة في التفسير البياني للقرآن الكريم. وكان تحقيقها للنصوص النثرية العربية ودراساتها حولها جزءاً مهماً من جهدها الكبير في الربط بين العربية والإسلام، على أساس من منهج موضوعي سليم.


            تُوفِّيت البروفيسورة (بنت الشاطئ) رحمها الله، سنة ١٤١٩هـ/١٩٩٨م، عن عمر ناهز خمسة وثمانين سنة، بعد أن أثرت المكتبة العربية بالعديد من الكتب والتراجم والبحوث والمقالات حتى طبّقت شهرتها الآفاق طوال نصف قرن من العطاء المتواصل.      

 وقد ودّعتها مصر في جنازة مهيبة حضرها العلماء والأدباء والمثقفين الذين جاءوا من شتي الدول العربية، ونعاها الأزهر الشريف، وأصدرت الحكومة المصرية طابعاً تذكاريا خاصاً يحمل رسمها.( [i])


  • مؤلفات بنت الشاطئ:

              تركت بنت الشاطئ مجموعة من المؤلفات في الدراسات اللغوية القرآنية، وفي الدراسات الفكرية والأدبية وفي السيرة النبوية، فضلا عن كم كبير من المقالات التي اعتادت على نشرها جريدة الأهرام المصرية، من أبرزها:

  1. التفسير البياني للقرآن الكريم.
  2. القرآن وقضايا الإنسان.
  3. تراجم سيدات بيت النبوة.
  4. رسالة الغفران للمعري.
  5. الخنساء الشاعرة العربية الأولى.
  6. مقدمة في المنهج.
  7. قيم جديدة للأدب العربي.
  8. على الجسر.. سيرة ذاتية.
  9. المؤلفات والدراسات الأدبية واللغوية:
  10. قضية الفلاح.
  11. سيدة العزبة – رواية مصرية واقعية.
  12. الحياة الإنسانية عند أبي العلاء.
  13. رجعة فرعون – رواية واقعية مصرية.
  14. صور من حياتهن – مجموعة قصصية.
  15. سر الشاطئ – مجموعة قصصية.
  16. التفسير البياني للقرآن الكريم.
  17. الشاعرة العربية المعاصرة.
  18. أبو العلاء المَعَرِّي.
  19. على الجسر ـــــــ رحلة بين الحياة والموت.
  20. قيم جديدة للأدب العربي القديم والمعاصر.
  21. مقال في الإنسان.
  22. لغتنا والحياة.
  23. مع المصطفى.
  24. مقدمة في المنهج.
  25. القرآن والتفسير العصري.
  26. مع أبي العلاء في رحلة حياته.
  27. القرآن وقضايا الإنسان.
  28. الإسرائيليات في الغزو الفكري.
  29. أرض المعجزات. ([2])

([i]) انظر:

 1 – البروفيسورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ): موقع جائزة الملك  فيصل العالمية

  2 – مقابلة مع عائشة عبد الرحمن ” بنت الشاطئ ” مع محمد رضا نصر الله في  برنامج :

    (هذا هو) عام 1994م .

  3- فاروق شوشة: يحاور بنت الشاطئ في: شريط الذكريات.

([2]) عائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطئ ): موقع قصة الإسلام.

مصطفى أحمد قنبر

الدكتور: مصطفى أحمد قنبر. من مواليد أسيوط 1966 (مصر)، حصل على درجة الماجستير 2001 والدكتوراه 2006 في علوم اللغة (اللسانيات). عمل في وزارة التعليم والتعليم العالي في مصر وقطر، كما عمل باحثا متعاونا في مركز الوجدان الحضاري/ وزارة الثقافة والشباب في دولة قطر. يعمل حاليا أستاذاً منتدبا في كلية المجتمع في قطر. شارك في عدة مؤتمرات وطنية ودولية في مصر، قطر، الجزائر، وتركيا. نُشِرَ له اثنان وعشرون بحثاً في مواقع ومجلات علمية محكمة وطنيًا ودوليا في: قطر، الجزائر، السعودية، وألمانيا. بالإضافة إلى تأليف ثلاثة كتب؛ اثنين منها بالاشتراك وواحد فردي: "الإملاء في نظام الكتابة العربية"، "سلطة السياق بين النص والمرسل والمتلقي"، "الحوار مع الآخــــر مُقاربة لُغويـــة لآلياته وعناصــره"، "براعة الاستهلال ودورها في التشكيل النصي ـ فاتحة سورة القدر نموذجًا"، "من إبداعات الدلالة في صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دراسة لغوية تحليلية". حكَّم ما يربو على الأربعين من البحوث العلمية المقدمة للنشر في مجلات محكمة وطنيًا ودوليا، شَغِل منصب مُحرر مساعد في العديد من المجلات العلمية المحكمة. له ما يقارب المائة مقال منشورة في صحف ومجلات داخل الوطن العربي وخارجه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى