شعر

نظرية انتحال الشعر الجاهلي عند طه حسين

قبل البدء بموضوع اليوم لا بُدَّ لي من أنْ أشير إلى أنَّه ليس بالموضوع الجديد ، لكنَّه في الوقت نفسه يمثِّل قضية خطيرة أثارَتْ وتثير حولها جدلاً كبيراً ولغطاً عديداً كلَّما عُرضَتْ أو تعرَّض لها واحدٌ من الكُتَّاب ، وفيها كلامٌ كثير دائماً ، إضافة إلى ما أحدثته من خلاف في الوسط الأدبي والثقافي يوم جاء بها أو ابتدعها العميد، عندما وثَّقها ووضع فرضيَّاتها في العام 1926م ، بإصداره كتابه ( في الشعر الجاهلي ) بطبعةٍ أولى لدار الكتب المصرية بالقاهرة ، وأهداه إلى صاحب الدولة عبد الخالق ثروتْ باشا ، وقدَّمه له مع تحية خالصةٍ وإجلال عظيم ، مبيِّناً إعجابه به في ميداني السياسة والأدب .


وهذه القضية الخطيرة تتمثَّل فيما عُرفَ عند غيره بـ ( نظرية الانتحال ) ، أو نظرية ( انتحال الشعر الجاهلي ) ، ولم تكن أفكار العميد وفرضيَّاته التي طرحها فيها بعيدةً عن تأثُّره بأساتذته الغربيينَ الذينَ تتلمذ على أيديهم في جامعة ( السوربون ) الفرنسية ، بلْ على العكس فقد طوَّر وأضاف إلى ما جاء به أستاذه اليهودي الديانة والمعتقد ، البريطاني الجنسية ( كارل مرجليوت ) مقالةٍ طويلةٍ عن ( نشأة اللغة العربية ) منشورة في إحدى الدوريات البريطانية في العام 1925م ، وهي مجلة ( الجمعية الآسيوية الملكية البريطانية ) ، بعد تأثُّره بها ، كتبها يطعن في صحة نقل الشعر الجاهلي عن أو من مصادره ، جاعلاً من الشكِّ نقطة انطلاق لفكرةٍ لم يجرؤ هو نفسه على الجهر بها صراحة.


فقد كان يعتمد على التلميح لها وإطلاق الإشارات نحوها ، ليدفع القارئ إلى استنتاج ما يريد هو ، معتمداً على براعته وأسلوبه في التأثير والإقناع ؛ وكم من تلميذٍ فاق أستاذه ؟ ، قلْتُ : تفوَّق طه حسين وأربى على ما جاء به أستاذه ( مرجليوت ) ، بجرأةٍ بدَتْ غريبة عليه في ذلك الزمان ، وهو مَن تلقى علومه منذ يفاعته إلى فورة شبابه في الجامع الأزهر ،


وقد كان يرتدي جلبابه وعمامته حتى مع التحاقه بالجامعة المصرية القديمة ، ونيله منها شهادة الدكتوراه عن رسالته الموسومة ( تجديد ذكرى أبي العلاء ) ، ولم ينزع هذا الجلباب وتلك العمامة إلا قبيل أو أثناء سفره إلى فرنسا لإكمال دراسته في جامعتها ( السوربون ) ، فقد رويَ عنه ـ ولا أدري مدى صحَّة هذه الرواية ـ أنَّه رمى عمامة الأزهر في البحر .


ويبدو أنْ ما عاناه العميد أثناء دراسته في الأزهر من جفوة وقسوة شيوخه ومشايخه عليه ، وخشونة تعامله معه ، ونفورهم منه ومن آرائه ، هو الذي دفعه إلى ترك الدراسة فيه بعد فشله في نيل شهادة (العالمية) وهي الشهادة العلمية التي يمنحها الأزهر لطلابه ، بعد ذلك الامتحان المهزلة الذي كان قرارُ إفشاله وإسقاطه به مُتَّخَذاً من لجنة ممتحنيه قبل دخوله إلى قاعة الامتحان ، فقد كان أكثر شيوخ الأزهر يكرهونه ويمقتونَ أفكاره ويرفضونَ جدله.


ويستكثرونَ عليه علمه وفطنته ونباهته ، كونه بصيراً لا يرى ، ولدرجة أنَّ بعضهم لا يقبل منه حتى سؤالاً بسيطاً أو استفساراً في مسألةٍ ما ، فلم يقبلوه ولم يستطع هو التكيُّف معهم ؛ وهذا هو نفس ما حدث له في بداية التحاقه بالجامعة المصرية القديمة ، لكنَّ أساتذتها وطلابها تعوَّدوا عليه بسرعة ، وقبلهم هو وقبلوه ، عندما بهرهم بعلمه وتفوِّقه ؛ أمَّا في ( السوربون ) فلم تتحسَّن المعاملة بل ساءَتْ ، ليعانى هذه المرَّة من الفوقية التي يتعامل بها الأساتذة والطلبة الأوربيونَ مع الطلبة العرب عموماً ، لأنَّهم لا يتقنونَ الفرنسية كما يجب من جهة ، ولأنَّهم في نظر هؤلاء الأوربيين قادمون من مجتمعاتٍ أقلّ منهم في المعرفة والاستنارة.


وكانتْ الحالة معه أشدُّ وأسوأ لأنَّه أعمى فوق جهله بالفرنسية ، ولم تتحسَّن هذه المعاملة إلا بعد نجاحه في السنة التحضيرية الأولى المؤهلة للدكتوراه ، ليكون أوَّل طالبٍ عربي يجتاز هذا الامتحان لا بنجاحٍ فحسب بل بتفوق في جميع المواد ، عدا مادة ( الجغرافيا ) التي لم يكن يفقه علومها بسبب العمى الذي ابتلاه الربِّ به ، وكان الفرنسي السوربوني أستاذ هذه المادة في تلك الجامعة إنساناً معه ، فرغم خشونته وسلاطة لسانه في التعامل معه إلا أنَّه منحه الحدَّ الأدنى من الدرجة التي تؤهِّله النجاح إذا اجتاز امتحان بقية المواد الأخرى ، لأنَّ هذه المادة ليسَتْ أساسية له في اختصاصه بل مساعدة .


كلٌّ هذه الظروف والملابسات شكلَّتْ دافعاً للتفوق والإبداع فنال درجة الدكتوراه من جامعة السوربون في رسالته عن ( ابن خلدون ) ، ليعود إلى مصر أستاذاً في جامعتها ، ومعلِّماً لطلابها بأسلوب جديد ومتفرِّد ، لم يألفه لا المصريونَ والعرب قبله ، وكان يشكِّلُ بشخصه ظاهرة جديدة غير مسبوقة في ذلك الزمن البعيد نسبياً .


لقد انهالتْ الاتهامات على العميد بعد إصدار كتابه هذا فوراً ، ومنها :

1. الطعن الصريح بالقرآن ، حيث نسب الخرافة والكذب له ، وأثبتَ بدليلٍ منطقي وتطبيق عملي بأنَّ جميع قراءاته غير منزَّلة من عند الربِّ كما يخال المسلمونَ ، إنَّما هي قراءاتٌ متعدِّدة قرأتها العرب حسبما استطاعَتْ ، وهو ما اعتبره الأزهريونَ إهانة لكتابهم المقدَّس ؛ وكان قد أنكر وكذَّب قصة إبراهيم وإسماعيل فيه ، وذكر أنَّه مضطر لأنْ يرى في هذه القصَّة نوعاً من الحيلة والتحايل على التاريخ ( في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة ، وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى ) ، وهي قصة أمرها واضح في نظره ورأيه ( فهي حديثة العهد ، ظهرَتْ قبيل الإسلام ، واستغلَّها الإسلام لسبب ديني ، وقبلتها مكة لسبب ديني وسياسي أيضاً ) .

2. الطعن الصريح أيضاً لنبي الإسلام والمسلمينَ محمد ونسبه ، لأنَّه يرى أنَّ هناك نوعاً ( آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر وإضـافته إلى الجاهليينَ ، وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه إلى قريش ، فلأمر ما اقتنع الناس بأنَّ النبيَّ يجب أنْ يكون صفوة بني هاشم ، وأنْ يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف ، وأنْ يكون بنو عبد مناف صفوة بني قصي ، وأنْ تكون قصي صفوة قريش ، وقريش صفوة مضر ، ومضر صفوة عدنان ، وعدنان صفوة العرب ، والعرب صفوة الإنسانية كلَّها.

وأخذ القُصَّاص يجتهدونَ في تثبيت هذا النوع من التصفية والتنقية وما يتَّصل منه بأسرة النبي خاصة ، فيضيفونَ إلى عبد الله وعبد المطلب وهاشم وعبد مناف وقصي من الأخبار ما يرفع شأنهم ويعلِّي مكانتهم ويثبت تفوقهم على قومهم خاصة وعلى العرب عامة ، وأنت تعلم أنَّ طبيعة القصص عند العرب تستتبع الشعر ، لا سِيَّما إذا كانتْ هذه العامة هي التي تُرَادُ بهذا القصص ) ؛ وكان وجه اعتراض العميد على هذه التصفية والتنقية والتخصيص وانتقاء الصفوة لكلِّ هؤلاء من قبل القُصَّاص الذين يستخدمونَ الشعر في قصصهم ، وهذا ما اعتبره الإسلاميونَ تعريضاً بشخصه وإساءة لهم ، وهو عندهم جُرمٌ عظيم وتعدٍ على دينهم .


3. الطعن بالإسلام كونه دين الدولة الرسمي ! ، وإنَّ له أولية في بلاد العرب فقد قال العميد في هذا الصدد: ( أمَّا المسلمونَ فقد أرادوا أنْ يثبتوا أنَّ للإسلام أولية في بلاد العرب كانت قبل أنْ يُبعث النبي ، وأنَّ خلاصة الدين الإسلامي وصفوته هي خلاصة الدين الحق الذي أوحاه الله إلى الأنبياء من قبل ، فليس غريباً أنْ نجد قبل الإسلام قوماً يدينونَ بالإسلام أخذوه من هذه الكتب السماوية التي أوحيَتْ قبل القرآن ،

والقرآن يحدِّثنا عن هذه الكتب فهو يذكر التوراة والإنجيل ويجادل فيهما اليهود والنصارى ، وهو يذكر غير التوراة والإنجيل شيئاً آخر هو صحف إبراهيم ، ويذكر غير دين اليهود والنصارى ديناً آخر هو ملَّة إبراهيم ، وهو هذه الحنيفية التي لم نستطع إلى الآن أنْ نتبيَّن معناها الصحيح ؛ وإذا كان اليهود قد استأثروا بدينهم وتأويله ؛ وإذا كان النصارى.

قد استأثروا بدينهم وتأويله ؛ وكان القرآن وقف من أولئك وهؤلاء موقف مَن ينكر عليهم صحَّة ما يزعمونَ ، فطعن في صحَّة ما بينَ أيديهم من التوراة والإنجيل ، واتهمهم بالتحريف والتغيير ، ولم يكن أحد قد احتكر ملَّة إبراهيم ولا زعم لنفسه الانفراد بتأويله ، فقد أخذ المسلمونَ يردُّونَ الإسلام في خلاصته إلى دين إبراهيم هذا الذي هو أقدم وأنقى من دين اليهود والنصارى ؛ وشاعتْ في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أنَّ الإسلام يجدِّد دين إبراهيم ، ومن هذا أخذوا يعتقدونَ أنَّ دين إبراهيم هذا قد كان دين العرب في عصر من العصور.

ثمَّ أعرضَتْ عنه لما أضلَّها به المضلِّلونَ وانصرَفتْ إلى عبادة الأوثان ، ولم يحتفظ بدين إبراهيم إلا أفرادٌ قليلونَ يظهرونَ من حين إلى حين ، هؤلاء الأفراد يتحدَّثونَ فنجد من أحاديثهم ما يشبه الإسلام ؛ وتأويل ذلك يسير ، فهم أتباع إبراهيم ، ودين إبراهيم هو الإسلام ؛ وتفسير هذا من الوجهة العلمية يسير أيضاً ، فأحاديث هؤلاء الناس قد وُضِعَتْ لهم وحُمِلَتْ عليهم حملاً بعد الإسلام ، لا لشيءٍ إلا ليُثبَتَ أنَّ للإسلام في بلاد العرب قدمة وسابقة ، وعلى هذا النحو تستطيع أنْ تحمل كلَّ ما تجد من هذه الأخبار والأشعار والأحاديث التي تُضَاف إلى الجاهليينَ والتي يظهر بينها وبينَ ما في القرآن من الحديث شبه قويٌ أو ضعيف).


وكانتْ نتيجة هذه كلُّ الاتهامات أنْ رموه بالكفر والإلحاد ، وغالى بعضهم وأسرف بأنْ رماه بالزندقة من غير دراية بأنَّ معناه : عبادة النار ، والزنديق هو : عابدها ، ولا أدري ما تأويلهم وتخريجهم وتبريرهم لهذا ، إذ ربَّما اعتمدوا على المثل القديم الذي استعمل لمحاربة المناطقة ودارسي علم المنطق ، والذي يقول في نصِّه : [ مَن تمنطق تزندقَ ] ، فكلمة ( تزندق ) هنا معناها : كفر ، من دون إدراكٍ ووعي منهم أنَّ في هذا استعمالٌ للفظٍ في غير محلِّه ، وهو من النوادر والشواذ .

والغريب أنَّ هؤلاء المتَّهِمينَ له والمعرِّضينَ به لم ينتبهوا على مسألةٍ مهمَّة ربَّما كانتْ تفيدهم في تكفيره والنيل منه ، هو أنَّ العميد لم يستعمل في كتابه ـ مطلقاً ولا حتى في موضع واحدٍ منه ـ الألفاظ التمجيدية والتعظيميَّة التي يستخدمها المسلمونَ مع بعض الألفاظ التي تدُلُّ على مقدَّساتهم والشخوص الذينَ يعظمونهم.

فهو مثلاً لم يطلق صفة الكريم على القرآن الذي أكثر من ذكره في كتابه ، ولم يصلِّ على محمد النبي الذي أكثر من ذكره أيضاً فيه ، ونعتقد في رأينا غير المتواضع أنَّه لم يكن مقتنعاً لا بالإسلام ولا بما جاء به نبيُّه ، لكنَّه لم يجرؤ على قول هذا ، وقد عمد إلى وضع موازنة في تعبيره بأنَّه لم يطلق أيَّ نعتٍ لأيِّ من الأنبياء والرسل الذينَ تناولهم كما فعل مع نبي المسلمينَ.


وبذا خدعهم وضلَّلهم وشتَّتَ تفكيرهم منذ أنْ قال في تمهيده : ( هذا نحو من البحث عن تاريخ الشعر العربي جديد ، لم يألفه الناس عندنا ، وأكاد أثق بأنَّ فريقاً منهم سيلقونه ساخطينَ عليه ، وبأنَّ فريقاً آخر سيزورُّنَ عنه ازوراراً ، لكنِّ على كلِّ سخط أولئك وازورار هؤلاء أريد أنْ أذيع هذا البحث ، أو بعبارة أصح أريد أنْ أقيده.


فقد أذعته قبل اليوم حينَ تحدَّثتُ به إلى طلابي في الجامعة ، وليس سِراً ما تتحدَّث به إلى مائتينِ ؛ ولقد اقتنعتُ بنتائج هذا البحث اقتناعاً ما أعرف أنِّي شعرْتُ بمثله في تلك المواقف المختلفة التي وقفتها من تاريخ الأدب العربي ، وهذا الاقتناع القوي هو الذي يحملني على تقييد هذا البحث ونشره في هذه الفصول، غير حافل بسخط الساخط ولا مكترثٍ بازورار المزورِّ ؛ وأنا مطمئنٌ إلى أنَّ نتائج هذا البحث وأنْ أسخط قوماً وشقَّ على آخرين ،

فسيرضي هذه الطائفة القليلة من المستنيرينَ الذين هم في حقيقة الأمر عُدَّة المستقبل وقوام النهضة الحديثة وذخر الأدب الجديد ) ؛ لاحظوا سعة أفق العميد وبُعدَ نظرته ، فضلاً عن قوَّة عبارته ومتانتها من أوِّل أسطاره في هذا الكتاب ، فقد أبدع وأجاد فنجح بعرضه أنَّ هذا البحث جديد بأنْ يصرف الإسلاميينَ عن اتهامه بالكفر لتركه دين آبائه وأجداده ، بل وجَّههم إلى أنْ يتهموه بما يريد من كفر يستطيع تبرئة نفسه منه، فقد كان يعي ويدرك عواقب ما يفعل ويعرف ماذا يرد .


في أوائل سبعينيات القرن الفائت ، وتحديداً في العام 1972م ، أصدر الأستاذ خيري شلبي في بيروت كتابه الفريد ( محاكمة طه حسين ) ، طبعته له المؤسَّسة العربية للدراسات والنشر لصاحبها الدكتور عبد الوهاب الكيالي ، والذي أطلع فيه القرَّاء لأوَّل مرَّة على قرار النيابة العامة المصرية ورئيسها الأستاذ محمد نور ، بشأن التحقيق مع العميد حول ما جاء في كتابه ( في الشعر الجاهلي ).


فقد نشر هذا التحقيق بنصِّه وفصِّه من ملفات النيابة ، بعد أنْ سبقه بمقدِّمة طويلة جداً ، جاءتْ في ثمان وعشرينَ صفحة عمَّا حدث في هذا التحقيق ، ناقلاً فيها الرأي القانوني في كلِّ تفصيلة من التفاصيل ، ورأيه الشخصي معهم ، محلِّلاً المسألة حسب اعتقاده ونظرته ، كما أشار فيها لبعضٍ من المفكرينَ الذينَ انشغلوا بالردِّ على طه حسين في كتبٍ أعدُّوها خصيصاً لهذا الغرض ، كـ : الشيخ محمد الخضري ـ أستاذ العميد في الجامعة المصرية القديمة ـ في محاضراته الضخمة ، والأستاذ المحامي محمد لطفي جمعة في كتابه ( الشهاب الراصد ) ، والأستاذ محمد فريد وجدي في كتابه ( نقد كتاب في الشعر الجاهلي ) ، وشيخ الأزهر ـ التونسي الأصل الذي استلم مشيخة الأزهر بين عامي 1952 و 1954م ـ محمد الخضر حسين في كتابه ( نقض كتاب في الشعر الجاهلي ) ؛ وعرض المؤلف فيها أنَّ هذه الأزمة هي ليسَتْ الأولى في حياة طه حسين ، فقد سبقتها أزمة رسالته للدكتوراه ( تجديد ذكرى أبي العلاء ) في الجامعة المصرية القديمة ، فقد اتُّهِم حينها من قبل أحد أعضاء الجمعية التشريعية ـ التي يرأسها سعد زغلول ـ بالإلحاد !.

وأخطأ الأستاذ شلبي في نقله أنَّ إجازة هذه الرسالة جاءَتْ من ثلاثة من علماء الأزهر ، صحيحٌ أنَّ اثنين من المجزينَ لها كانا أزهريينِ ، لكنَّ الثالث وهو الأستاذ أحمد زكي ( شيخ العروبة ) لم يكن أزهرياً ، وهو غير عالم الكيمياء الأديب المشهور أحمد زكي ؛ وتبعتها أزمة كتابه الشهير ( حديث الأربعاء ) ، وهو مجموعة مقالاتٍ كان العميد ينشرها كلِّ يوم أربعاء من كلِّ أسبوع في جريدة ( السياسة ) الناطقة بلسان حزب الأحرار الدستوريينَ ، قاد فيها حملة على التخلف الفكري ،

وتناول فيها الشعر العربي وشعراء العصر العباسي ، ولم يتهموه بالكفر والإلحاد هذه المرَّة ، لكنَّهم اتهموه بتشويه صورة ذلك العصر ! ؛ ولم يفتِ الأستاذ شلبي في مقدِّمته أنْ يشير إلى معارك العميد الأدبية والفكرية مع نظرائه ، كـ : معركته مع الدكتور محمد حسين هيكل حول ( الحرب والحضارة ) ، ومعركته مع الأستاذ جرجي زيدان حول كتاب الأخير ( تاريخ آداب اللغة العربية ) ! ، وقد وفِّق في وصفه لهذه المعارك الأدبية والفكرية بأنَّها ( كانتْ دائماً حادة وعنيفة كالإعصار ، لا تقبل في قولة الحقِّ لومة صديق ولا ترعى قداسة أستاذ.

لذلك فردود الفعل كانتْ هي الأخرى تجيءُ بنفس الحدَّة ) ، على الرغم من مبالغته في وصف تلك المقالة اليتيمة التي نشرها العميد عن كتاب جرجي زيدان وترقيتها إلى المعركة الأدبية ! ؛ ووفِّق في وصفه للأستاذ محمد نور رئيس نيابة مصر بأنَّه ( النائب الناقد ) ، لكنَّه يسجِّل استغرابه من أنَّ هذا النائب الناقد ـ حسب تعبيره ـ ربَّما يحكِّم ميوله النقدية ويتعاطف مع منهج البحث الذي اتخذه طه حسين ؛ وكان متوفقاً أيضاً في تحديه لمنهج العميد في بحثه هذا ، وهو منهج غربيٌ أوربي ، لم يكن سائداً ومعروفاً في مصر ، وهو نفسه ( المنهج الديكارتي ، منهج الشكِّ من أجل الوصول إلى اليقين ).

وأخطأ كذلك باستعمال لفظة ( الأسلوب ) في هذا الموضع للدلالة بها على المنهج ، فالأسلوب غير المنهج كما هو معروف .

وأعاد الأستاذ خيري شلبي طبع كتابه نفسه طبعة ثانية في العام 1993م ، عن دار المستقبل بالفجالة والإسكندرية ومؤسَّسة المعارف ببيروت ، وسبقه هذه المرَّة بمقدِّمة طويلةٍ أيضاً ، لكن باثنينِ وعشرينَ صفحة ، عنونها : ( هذا القرار .. هذا النائب ) ، استهلَّها بتباهيه بالشهرة التي أخذها كتابه هذا ، ووصفها بأنَّها طبقَتْ الآفاق من المحيط إلى الخليج وحتى في بلاد الفرنج ،

وإنَّ في هذا ما يخجل تواضعه ! ، وتباهى أيضاً بأنَّه أتاح لقرَّاء طه حسين ودارسيه وعشَّاقه ( قراءة هذه الوثيقة المهمَّة التي لم تكن لتخطر على بال أحد من الدارسينَ والمحققينَ ، تلك هي قرار النيابة في قضية كتاب [ في الشعر الجاهلي ] ………… ،

والتي شغلتْ الرأي العام زمناً طويلاً ، وأحدثتْ دوياً هائلاً في جميع أنحاء البلاد ، واهتزَّ لها البرلمان ومجلس الوزراء وجميع الأوساط العلمية والسياسية وكأنَّها قضية العصر ) ، وكان قد بالغ قبلها بأنَّه لا يظنُّ أنَّه أحبَّ كتاباً من كتبه قدر حبِّه لكتابه هذا الحميم ، وعاد ليسرف في تباهيه بشهرة كتابه وبأنَّه قوبل بترحابٍ كبير ،

وإنَّ هذه الشهرة أصابته بكثير من الحرج بلغ به حدَّ الغيظ من نفسه ! ، وأنَّه كان يتمنَّى أنْ لو كان اهتمَّ بكتابته بشكل أفضل كلَّما قرأ عنوانه في هامش كتاب أو دراسة تتحدَّث عن طه حسين ، واعترف بنفسه مع هذا كلِّه أنَّه لم يكن يستطيع ذلك ، ولا ندم لأنَّه لم يفعل ، فهذه قابليته وهذا إمكانه ، وأراه يسرف أيضاً في الدعاية لنفسه والثناء عليها واستعراض إمكاناته وقابليَّاته في النقد المسرحي.


لكنَّه وفي غمرة ذلك كلِّه أخبرنا أنْ كيف عثر على أو بتلك الوثيقة المهمَّة مطبوعة في كتيِّب صغير جداً ـ لا يزيد على ملزمة واحدة ـ على ورق أصفرَ رخيص ، ومكتوب على غلافه : ( قرار النيابة في كتاب في الشعر الجاهلي ) ، قلتُ : عثر عليها أو بها أثناء تقليبه في إحدى المكتبات القديمة بإمضاء السيد محمد نور رئيس نيابة مصر ، وأحسَّ بأهمية ما وقع في يديه ، فاحتال على بائعه درءاً لجشعه الذي افترضه هو له.

فاشتراه مع مجموعة كتبٍ وضعه بينها وفاصل البائع المسكينَ في ثمنها ، وبخـسـه حقَّه المشروع لثمن بضاعته ، واستغلَّ طيبته وربَّما جهله ؛ ولنا في هذا الموقف الشائن كلامٌ ورأي قد لا يعجب الكثير من الكُتَّاب المصريينَ ، لا لعيبٍ في رأينا بل لتعصُّب الأجيال المتأخِّرة منهم اللا مبرَّر لمصر وأدبائها لأنَّها مصر ولأنَّهم مصريونَ.


فهم يدافعونَ عنها وعنهم بلا منطق ولا دليلٍ علمي أو عملي ، أو أنَّهم لم يتعوَّدوا أنْ يوجِّه نحوهم أو لهم ناقد عربي سهام نقده مباشرة بدون تملُّق ورياء ، بل تعوَّدوه من مغموري الأجانب الغربيينَ ، واعتبروه واعتدُّوه شهادات لهم وبحقِّهم حتى لو كان يذمُّهم ويلعنهم ؛ فقد تواردَتْ إلينا قصص كثيرة عن سرقة بعضهم لجهد الآخرينَ الأدبي والفكري ، من ذلك ما فعله الراحل الدكتور محمد مندور في كتابه الشهير ( نماذج بشرية ) الذي أخذ فصوله بنصِّها من كاتب الفرنسي هو ( جان كالفيه ).


فقد ترجم كتاب هذا الكاتب عن الفرنسية ونشره باسمه ، بعد أنْ أضاف له فصلاً عن أدب المازني ، مستغلاً جهل العرب بالفرنسية ، لكنَّ الدارس السوربوني العراقي المرحوم عبد المطلب صالح فضحه وكشف سِرَّه في مقالةٍ نشرها عنه في مجلة ( الرسالة ) المصرية في العام 1965م ؛ وربَّما كانتْ هذه المقالة هي السبب في وفاة مندور في العام نفسه كما يرى الكتبي المعروف عندنا في العراق الأستاذ نعيم الشطري.

ومنه أيضاً ما أشيع في الوسط الثقافي والأدبي عن الدكتور شوقي ضيف من أنَّه يكلِّف طلبته النابهينَ في المراحل المنتهية ـ خصوصاً ـ بإعداد بحوث مفصَّلة وطويلة في مواضيع يحدِّدها هو لهم ، ليأخذها ويشذِّبها ويعدِّل فيها ، فينشرها بعداً باسمه مع تغيير عناوينها ؛ وسواء صحَّ ذلك أم لم يصحّ عن الرجلينِ وغيرهما.


فإنَّ تصرُّف صاحبنا في هذا الموقف يشابه ما جاء في هذه القصص ومثيلاتها ؛ ثمَّ يعود الأستاذ شلبي في مقدَّمة هذه لطبعته الثانية إلى تكرار ثنائه ومدحه وتسجيل إعجابه بهذا النائب الناقد محمد نور وثقافته ومكنته النقدية ، من غير إطلاق هذه الصفة عليه في هذا الموضع ، ويطيل في هذا وكأنَّه يريد أنْ يحشو الصفحات بكلام أيِّ كلام ، ويعود مرَّة أخرى للتباهي بأنَّ كتابه ( قدَّم نفسه لقرَّائه على وجهه الحقيقي ، وفي إطاره المحدَّد ) ،

فيشيد بمجهود صاحبه الكاتب المصري رجاء النقاش في تشجيعه له ومعاونته في طبع كتابه الطبعة الأولى عند الأستاذ عبد الوهاب الكيالي في مؤسَّسته التي كان يعمل مستشاراً لها ، بعد أنْ نشره له في عددٍ من مجلة الهلال أوَّل السبعينيات ، ويقول أنَّه يحمل الرقم ( 1 ) في إصدارات مؤسَّسة الكيالي فولادته كانتْ أو تزامَنتْ مع ولادتها ! ، وينقل عن الكيالي أنَّه لم يتوقع للكتاب كلَّ هذه الضجَّة ! ، لكنَّ النسخ نفذتْ بعد شهور قليلة ! .

ولا أجده في هذه المقدِّمة متوفقاً كتوفقه في سابقتها إلا عندما يعود إلى رشده واتزانه ، فيقدِّم لنا نظرته الموضوعية بأنَّ الثقافة هي التي انتصرَتْ في زمن العميد ، وإنَّها ( خرجتْ من المعركة سالمة ، وحسم القضاء المعركة لصالح حرية البحث العلمي ) ، ولا يكاد يفرغ من هذا إلا ويدخلنا في مقارنة عقيمة بين ما حدث مع طه حسين وما حدث مع عالم الاجتماع المصري ( نصر حامد أبو زيد ) ، ناسياً أو متناسياً اختلاف الموضوع البحثي عند الباحثينِ.


لذا اعتبرنا مقارنته عقيمة ولا معنى لها ، لأنَّه أخذ من التكفير أو الاتهام به منطلقاً لها ، ولعلَّه وجد فيه تشابهاً بين القضيتينِ أو من خلاله ؛ وفي خاتمة هذه المقدِّمة التي لم يتفوَّق فيها يخشى أنْ يكون قد أخطأ وأطال فيما لا طائل من ورائه ، وقد فعل ؛ ولم يغفل في الخاتمة نفسها عن التباهي أخيراً بأنَّه أشفق على نفسه من الجهد الذي يحتاجه تعديل الكتاب وتنقيحه ، وقد فكر في ذلك طويلاً ورأى أنْ يبقى كما هو عليه ! .

المهمُّ بعد استعراضنا لهذا الكتاب هو أنَّنا أفدنا منه بعد الفراغ من حشو المؤلف وإطنابه ، أنَّ ثلاثة بلاغاتٍ قُدِّمَتْ إلى النيابة العمومية في مصر ضدَّ العميد وكتابه ؛ أولها : من الشيخ خليل حسنين ـ الطالب بالقسم العالي بالأزهر ـ بتاريخ 30/أيار/1926م ؛ وثانيهما : من شيخ الأزهر بتاريخ 5/حزيران/1926م ؛ وثالثهما : من النائب الوفدي ـ في البرلمان المصري ـ عبد الحميد البنان أفندي بتاريخ 14/أيلول/1926م ؛ تضمَّنَتْ كلُّها ما قدَّمناه من اتهامات في الفقرات ( 1 ، 2 ، 3 ) ،

وبناءً عليها تمَّ استجواب الدكتور طه حسين فحضر أمام رئيس نيابة القاهرة محمد نور بتاريخ 19/تشرين الأوَّل/1926م ، واستمرَّت التحقيقات معه خمسة أشهر وأحد عشر يوماً ؛ وكانتْ النتيجة النهائية التي صدرَتْ عن النيابة العامة المصرية في 30/آذار/1927م ، بأنْ تحفظ الأوراق إدارياً لأنَّ القصد الجنائي غير متوفر عند العميد المتهم ، وإنَّ غرضه لم يكن الطعن والتعدي على الدين الإسلامي ، وما ورد في بحثه من عباراتٍ تمسُّه كانتْ في سبيل البحث العلمي ، أو لأنَّه يعتقد أنَّ بحثه يقتضيها .


  • هوامش:

. طه حسين . ( في الشعر الجاهلي ) ، طبعة خاصة لدار المدى للثقافة والنشر / دمشق 2001م ، سـلسـلة الكـتاب للجميع ( 16 ) ، صفحة ( 33 ) .
. المرجع السابق صفحة ( 35 ) .
. المرجع السابق ، صفحة ( 74 ) .
. المرجع السابق ، صفحة ( 80 ـ 81 ) .
. المرجع السابق ، صفحة ( 11 ) .
. خيري شلبي : كاتب روائي وناقد مسرحي مصري ، من مواليد 31/كانون الأول/1938م ، بقرية شباس عمير ـ مركز قلين ـ بمحافظة كفر الشيخ ، رشِّح لجائزة ( نوبل ) للآداب ولم ينلها ، رأس تحرير مجلة ( الشعر ) الصادرة عن وزارة الإعلام المصرية ، كما رأس تحرير سلسلة ( مكتبة الدراسات الشعبية ) التي تصدر عن وزارة الثقافة المصرية أيضاً ؛ نعدُّ من رواياته : ( اللعب خارج الحلبة ، الأوبـاش ، السنيورة ، رحلات الطرشجي الحلوجي ، الشطار ، الوتد ، فرعان من الصبَّار ، العراوي ، ثلاثية الأماني : [ أولنا ولد ، ثانينا الكومي ، ثالثنا الورق ] ، وكالة عطية ، موت عباءة ، موال البيات والنوم ، بغلة العرش ، لحس العتب ، منامات عم أحمد السماك ، صـالح هيصة ، بطن البقرة ، صهاريح اللؤلؤ ، زهرة الخشخاش ، فلاح في بلاد الفرنجة ، وغيرها ) ؛ ومن مجموعاته القصصية : ( صاحب السعادة اللص ، المنحنى الخطر ، أسباب للكي بالنار ، سارق الفرح ، الدساس ، أشياء تخصُّنا ) ، ومن مسرحياته : ( صياد اللولي ، غنائية سوناتا الأوَّل ، المخربشين ) ، ومن مؤلفاته الأخرى : ( محاكمة طه حسين ، عمالقة ظرفاء ، أبو حيان التوحيدي ربيع الثقافة العربية ، لطائف اللطائف ، مسرح الأزمة : نجيب سرور ، داريا سكينة ، مذكرات اللورد إدوار سيسل ، في المسرح المعاصر ، دراسات في المسرح العربي ، أعيان مصر : وجوه مصرية ، مراهنات الصبا : وجوه مصرية ، غذاء الملكات ) ؛ حقَّق نصاً مسرحياً للزعيم مصطفى كامل ، وهو : ( فتح الأندلس ) ، كما اكتشف وأثبَتَ أنَّ مسرحية ( الراهب ) هي من تأليف الشيخ أمين الخولي ؛ حاول في بعض رواياته تقليد ومحاكاة أدب أمريكا اللاتينية وما تتميَّز به من الواقعية السحرية ، وفيه تتشخص المادة وتتحول إلى كائنات حية تعيش وتخضع لتغيرات وتؤثر وتتأثر ، وتتحدث فيها الطيور والأشجار والحيوانات والحشرات وكلُّ ما يدبُّ على الأرض ، حيث يصل الواقع إلى مستوى الأسطورة ، وتنزل الأسطورة إلى مستوى الواقع ، ولكن القارئ المسكين يصدِّق ما يقرأ ويتفاعل معه ، ونجد هذا كلُّه عند روائيها الشهير ( غارسيا ماركيز ) .
. خيري شلبي ـ ( محاكمة طه حسين ) ، الطبعة الثانية / 1993م ، دار ومطابع المستقبل بالفجَّالة والاسكندرية ومؤسَّسة المعارف ببيروت ،
. المرجع السابق ، صفحة ( 52 ) .
. المرجع السابق ، صفحة ( 29 ) .
. المرجع السابق ، صفحة ( 6 ) .
. عرفْتُ من مرجع آخر أنَّ مكتبة هذا البائع المسكين تقع في منطقة ( درب الجماميز ) بالقاهرة ، والتي تختص مكتباتها بالكتب القديمة .
. مقالة ( قراءات من الذاكرة ـ كتاب [ نماذج بشرية ] لمحمد مندور ) للأديب العراقي الأستاذ مهدي شاكر العبيدي ، المنشـورة فـي جريدة ( الزمان ) اللندنية الدولية العدد : ( 2333 ) ، الصادر في 16/شباط/2006م .
. نعيم الشطري : هو من أشهر الكتبيينَ العراقيينَ ، صاحب مكتبة ومزاد الشطري في شارع المتنبي ببغداد ، له صوت قوي جهوري يستخدمه كلَّ يوم جمعة في مزاد الكتب الذي يقيمه في مكتبته ، بطريقته الفريدة فهو يعرض أولاً اسم الكتاب ومؤلفه ودار النشر التي تصدَّتْ لطبعه وسنة الطبع ، ثمَّ يشرح ميزة هذه التي بين يديه ويقارنها بطبعاتٍ له أخرى إنْ وجدَتْ ، ويعرض شيئاً من سيرة مؤلفه الذاتية وأهم آرائه النقدية ، وأهم معاركه الأدبية إنْ كانتْ له معارك ، ولا يفوته أنْ يشرح أهمَّ ما كتب عنه وعن كتابه الذي بين يديه ، وما يتيسَّر له من معلومات أخرى ، أدركتُه في ذلك كلِّه في تسعينيات القرن الفائت وأنا أجوب مكتبات شارع المتنبي ببغداد باحثاً عن مصادر ومراجع تعينني على دراسة اللغة العربية في إحدى الجامعات العراقية ، وكنت أحرص على حضور مزاده كلَّ جمعة لا لأشتري ، فإنَّ أسعاره كانتْ غالية أو أغلى من بقية المكتبات لما يقوم به من وسائلٍ وطرائق لترغيب القارئ بالكتاب الذي بين يديه ، بل لأستمع له واستزيد من علمه وثقافته وأسجِّل آراءه النقدية الجميلة التي يعرضها وهو يبيع الكتاب في المزاد ، ومنها هذا الرأي النقدي العجيب الذي نقلته عنه ، وهو نفس الرأي الذي أشار إليه الأستاذ العبيدي في مقالته التي نوَّهتُ أنا بها له منشورة بجريدة والزمان في العام 2006م ، دون أنْ يذكر الأستاذ نعيم الشطري بالاسم ليعتمد على ذكاء القارئ وفطنته وخبرته بالكتبيينَ ومكتباتهم ، مع أنَّني لا أنكر فضل الأستاذ نعيم الشطري ودالته على الأدباء والمثقفينَ العراقيينَ وعليَّ أنا شخصياً في غير أيَّام مزاده الأسبوعي ، فقد كان يخفِّض ولهم سعر الكتاب بعد أنْ يستفسر منهم عن سبب طلبهم له ، ويعرف أنَّهم يحتاجونه في كتابة بحثٍ عن قضية أدبية معينة ، وكذا فعل معي في أكثر من مناسبة ، والغريب أنَّه لم يسألني يوماً عن اسمي ، ويشابه الأستاذ الشطري في هذا وله مثلُ هذا الفضل وهذه الدالة كتبيٌ آخر كنت أتعامل معه ، هو الأستاذ عباس خزعل صاحب مكتبة الرائد في سوق السراي .
. خيري شلبي ـ ( محاكمة طه حسين ) ، الطبعة الثانية / 1993م دار ومطابع المستقبل بالفجالة والاسكندرية ومؤسَّسة المعارف ببيروت ، صفحة ( 17ـ 18 ) .
. اعتقد أنَّ هذا النشر في مجلة ( الهلال ) كان في العام 1969م .
. خيري شلبي ـ ( محاكمة طه حسين ) ، الطبعة الثانية / 1993م دار ومطابع المستقبل بالفجالة والاسكندرية ومؤسَّسة المعارف ببيروت ، صفحة ( 21 ) .
. لم يذكر الأستاذ خيري شلبي في كتابه ( محاكمة طه حسين ) اسم شيخ الأزهر هذا ، ربَّما لأنَّه نشر المحاكمة بنصِّها كما وجدها ، ونحنُ نؤكِّد بأنَّه الشيخ الحادي والثلاثين للأزهر محمد أبو الفضل الجيزاوي الذي كان شيخه وقتها ، وانتهتْ مشيخته له بوفاته في 22 / أيار / من العام 1928م ، وتولاها بعده أو خلفه الشيخ مصطفى المراغى في ولاية أولى انتهَتْ باستقالته في العام 1930م .


نقلا عن : الناقد العراقي

رمزي العبيدي

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى