شعر

تحليل قصيدة “لغة الضاد” لأمير الضاد “حسن الحضري”

 كثير من الشعراء على مر العصور تغنَّوا في أشعارهم بلغة الضاد، وكثير من قصائدهم تحمل صورًا جديدة ومعاني قمة في الروعة، لكن تبرز من بين هذه القصائد قصيدة (لغة الضاد) للشاعر الفحل واللغوي الجهبذ حسن الحضري، وترجع أهمية هذه القصيدة للحضري، إلى كون الحضري أحد المتخصصين في اللغة العربية علميًّا وأكاديميًّا ومهنيًّا


فقد تخرَّج حسن الحضري في قسم اللغة العربية بكلية الآداب، وعمل باحثًا ومحققًا للتراث وترأَّس قسم اللغة العربية في عدد من المؤسسات البحثية التي تعمل في مجال تحقيق التراث، فنهلت هذه المؤسسات كثيرًا من علمه، وتتلمذ على يده كثير من العاملين في هذا الميدان، بجانب تلامذته من الشعراء الذين يسيرون على نهجه في الحفاظ على الشعر العربي العمودي الأصيل.


وحسن الحضري قد صرَّح في لقاء تليفزيوني بإحدى القنوات المصرية الرسمية أنَّ عِشقه للغة العربية بدأ منذ طفولته، وكان معلِّموه في المرحلة الابتدائية يتعجبون من قدراته اللغوية ويُثنون عليه بعبارات الثناء التي لم يكن يدرك معناها آنذاك كما صرَّح بنفسه.


وحين نتأمل في إبداعات حسن الحضري؛ أشعاره وأبحاثه ومقالاته ودراساته النقدية؛ نجد أنفسنا أمام لغوي علَّامة لا نستطيع أن نتصيَّد له خطأ واحدًا، بل نجده يتجنب في معظم شعره كثيرًا مما تبيحه الضرورة الشعرية، في حين نجد غيره من شعراء هذا العصر يحيلون كثيرًا من أشعارهم إلى باب الضرورة بداعٍ أو بغير داعٍ..


وحتى لا يأخذنا الاسترسال إلى مجال آخر؛ نتكلم مباشرة عن هذه التحفة الرائعة من روائع الشاعر والناقد والباحث المصري الجليل حسن الحضري، الذي تدلنا أشعاره ودراساته على أنه نشأ مطبوعًا على الشعر الرصين القوي والفكر الصحيح والعلم الغزير الذي جعل دراساته وأبحاثه تتشعب بين اللغة العربية وآدابها وبين العلوم الدينية والإنسانية بطريقة جعلته منذ صغر سنِّه في مقدمة العلماء والمبدعين الذين خاضوا في هذه المجالات.. يقول حسن الحضري:    


لغةُ الضَّادِ آمَنَتْ بِعُلاها *** كلُّ نفسٍ سَوِيَّةٍ في رُؤاها

إنما الضَّادُ أحرُفٌ مُشرِقاتٌ *** بضياءِ الهدَى لِمَن يَهواها

هي بالقرآنِ الكريمِ تسامَتْ *** شرَّفَ اللهُ قَدْرَها واصطفاها

يرتوي مِن آدابِها كلُّ صَبٍّ *** مُغرَمٍ لا يملُّ مِن نجواها

حَمَلَتْ لُبَّ العِلم ثُمَّ تباهَتْ *** وتأبَّتْ على مُرِيدِ سِواها


وهذه الأبيات فيها من المعاني المباشرة والمجازية ما يكشف عن حب هذا الشاعر القدير للغة الضاد التي تعجز اللغات عن منافستها، ولذلك اصطفاها الله لكتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فزادها شرفًا على شرف، ونورًا على نور، وألزم كل نفسٍ (سويَّة) بالتسليم بذلك، وهو معنى البيت الأول في هذا القصيدة، وكان أيضًا من لوازم سُمُوِّ هذه اللغة العظيمة وتفرُّدها بالرقي أنها هي لغة العلم، الذي تتباهى به وتعلو على من ينشد سواها لغةً، وهو معنى البيت الخامس من هذه الأبيات.


ثم يقول الحضري:

أبَتِ الضَّادُ أنْ يُبَرَّزَ فيها *** غيرُ صَبٍّ متيَّمٍ بِهواها

ليس يعلو في الضَّاد إلَّا خَبِيرٌ *** منذُ عهدِ الصِّبا بها يتباهَى

ليس يعلو في الضَّاد إلَّا وَفِيٌّ *** لِعطاياها مُقْتَفٍ لِخُطاها

منذُ عهدِ الصِّبا تَشَرَّبَ منها *** فارتوَى مِن رحيقِها ورَواها

وهذه المعاني مما هو معلوم بالضرورة، أو مما يجب على كل عربي أن يعلمه، وهو ما أثبته الواقع بالفعل؛ فلا يمكن لأحد أن يعلو في لغة الضاد ويزداد علمه وجودة أدبه إلا إذا كان محبًّا لها، صبًّا متيمًا، خبيرًا بطريقة التعامل معها في ظل كثرة مفرداتها ومترادفاتها التي لا يتوافر معشارها لأية لغة أخرى، ولا بد أيضًا لمن يريد أن يعلو ويسمو في هذه اللغة الفريدة أن يكون مخلصًا وفيًّا لها، يتشرَّب منها العلم ويرويها بالأدب، وهو معنى البيت الأخير في الأبيات الأربعة السابقة.


 ثم يقول الحضري مستطردًا في وصف لغة الضاد:

غايةُ الحُسنِ والجمالِ لدَيها *** هي حقًّا قد بُلِّغتْ مُنتهاها

هبةٌ مِن هِباتِ ربِّكَ فاعلَمْ *** ليس إلَّا بفضلِه تُؤتاها

وهي بالفعل موهبة في المقام الأول، فلله در العلامة حسن الحضري الذي آتاه الله هذه اللغة الجزلة ومكَّنه من اقتناص فرائدها.

ثم يقول الحضري واصفًا حال المتطفلين على هذه اللغة الفريدة: 

أصبَحَ اليومَ يَدَّعِيها أناسٌ *** مِن ذَوِي الجهل قصَّروا عن مَداها

هي منهم عندَ الإله بَراءٌ *** تَلتجِي للهِ الذي أعلاها

وهم أولئك الذين يتكلمون باسمها في مجامع اللغة العربية التي أصبح حالها مؤسفًا يدعو إلى القلق، وكذلك المحافل العربية والدولية التي يظهرون فيها متحدثين باسم اللغة وهي منهم براء كما يقول الحضري، الذي يصفهم أيضًا بأنهم: 

هم أضاعوها بالجهالةِ حقًّا *** حينَ ضلُّوا أمجادَها وقُواها

ثم يختم الحضري هذه القصيدة التي تبلغ ثلاثة وعشرين بيتًا؛ بالدعوة إلى حُسن التعامل مع هذه اللغة الفريدة التي لا ترضى لنفسها بغير الشموخ والصدارة:

وأقِيموا لسانَكم لا تَضِلُّوا *** وانهَلُوا منها ما يحوزُ رضاها

عبد الله عبد الرحمن

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى