شعر

“تَعْزِفُ الْقَافِيةُ أَغَانِيهَا المُطْرِبَةَ”

واقعٌ موجودٌ ومستقبلٌ منشودٌ

 

كان الإنسان العربي قديما يعيش واقعا غير مستقر ومضطرب، تجتمع فيه سطوة الزمان وقسوة المكان، ومرارة الحروب. فأراد تحقيق ثلاثية العدل والأمن والاستقرار، التي ظل يبحث عنها طَوال حياته؛ لأنه ينسى متاعب الحياة وآلامها. فبالعدل يحقق الأمن، وبالأمن يحقق الاستقرار في الحياة، لذلك عدَّل الشعراء الأبيات والقوافي وقوَّمُوها ليحققوا مطلبهم. فكرروا الأبيات وألزموا القوافي ما اتبعوها من التأسيس والردف والوصل والخروج زيادة في البيان  والتزموها في قصائدهم بطرائق موحدة لتكريس الوحدة والانسجام.

وإذا كان الشعر شعورا وفطنة، فإن الشاعر الجاهلي فَطنَ إلى حاجة المجتمع التي تميل إلى الغناء والتَّغني بمكارم الأخلاق. فوظف القافية في نهاية كل بيت وكرّرها. ولعل هذا التكرار والاستقرار المكاني للقافية في نهاية كل بيت من جهة، دعوة إلى الانتهاء من حياة التّرحال والتّجوال والحث على التشبث بالمكان، أما التكرار الصوتي من جهة أخرى فهو وسيلة لنسيان الحروب ومتاعبها، لذلك يعمد الشاعر إلى خلق تقارب في المبنى والمعنى ليخفف من وطأة مشاق الزمان.

وتأتي القافية في خاتمة البيت كفضاء زماني ومكاني، يهدف لتربية الأجيال الصاعدة، وتحقيق الأمل في الحياة، باعتبارها استراحة ووقفا ونفسا انفعاليا، يتنفس فيه الشاعر صُعَداء الآلام والأحزان ويحقق فيها الاطمئنان النفسي والاجتماعي.

ومن هذا المعطى فإنه ينبغي التعامل مع قافية القصيدة تعاملا وظيفيا، يحقق فيه الشاعر انزياحا في جميع مستويات اللغة، ومقاربتها من وجوه مختلفة، والانطلاق من الدلالة التصريحية اللغوية المنطوقة، كما في المعاجم، إلى الدلالة الخفية الغميسة التي تفهم من الألفاظ. وتعميق البحث فيها وتفكيك معانيها وفق فاعليتها في خلق الاطمئنان، وذلك بفتح النص على ما يغذِّيه . من أجل تبيان دور القافية وفاعِليتها في الإحساس بالأمن والاستقرار، من وجوه متعددة؛ من جهة الوظيفة الإيقاعية النغمية، وجهة الوظيفة الدلالية والسميولوجية. إضافة إلى ذلك، فإن لتوظيف القافية دوافع كثيرة ترمي إلى الرغبة في التلذذ بحياة هادئة مطمئنة، حياة الجنوح إلى السلم والهدنة والتعايش.

مستقرة ثابتة

إن البحث في المدلول اللغوي للقافية يقتضي من الباحث في الشعر القديم، وبالأخص الجاهلي، التأمل والتّروي كثيرا كثيرا في أقوال النقاد والعلماء اللغويين القدامى، الذين تحدثوا عنها، ومحاولة قراءتها قراءة جديدة تروم التدقيق والفهم العميق، باعتبارها مكونا صوتيا يشكِّل “انعطافًا من زاوية أنها، تجسد تحقيقا لمبدأ التوازي، تشابها معنويا لا وجود له” يسهم في خلق  الإحساس بالأمن والاستقرار، الذي كان أمل الشاعر الجاهلي، لهذا خمن كثيرا في خلق الاستقرار في مواطن أخرى فأمَّن نفسه في القافية. 

يعمد الشاعر الجاهلي في قصائده إلى توظيف القافية باعتبارها عنصرا بارزا يمارس تأثيره على الوزن واللغة والتركيب والدلالة ، جاءت في اللغة من ” قفا يقفو أي يتبع الأثر… وقافيةُ الرأس مؤخره، وقيل وسطه أراد تثقيله في النوم، إطالته فكأنَّه قد شدّ عليه شدادا وقَفَّيتُ على أثرِه أتْبعْتُه …واقْتفَاه إذا اختاره…والقافية من الشعر الذي يقفو البيت، وسُمِّيت قافية لأنها تقْفُو البيت…والقُفْيةُ المَزِيّة تكون لإنسان على غيرِه…وأنا قفيٌّ به؛ أي حَفيّ…والقَفِيّ الضّيف المكرم، والقفي والقُفية الشيء الذي يكرم به الضيف من الطعام…وقال الليث: قفيّ السكن ضيف أهل البيت، ويقال فلان قَفِي بفلان إذا كان له مكرما، وهو مقتفي به ؛أي ذو لطف وبِرّ، وقيل القَفيّ الضيف؛ لأنه يقفى بالبرّ واللّطف…وفلان قَفْوَتِي أي خِيرَتِي ممن أوثِره… والقَفْوةُ رَهجَةٌ تثور عند أول المَطَر” .  

من خلال هذه الاشتقاقات اللغوية، يتبين لنا أن لفظ القافية يتمحور حول مجموعة من المعاني التي تتداخل فيما بينها وتتكامل، لتعطي في النهاية الفهم السليم للقافية. ومن هذه المعاني المستنبطة من النص السالف؛ أنها تدل على تتبع الأثر والإتيان في آخر الشيء، وفي وسطه، كما تدل على الاختيار وإكرام الضيف في المسكن والاحتفاء به، إضافة إلى دلالتها على التميُّز عن الآخرين بشيء ما.  

إن هذه المعاني وثيقة الصلة بالقافية باعتبارها جهازا مفاهيميا نقديا، صاغه النقاد القدامى وعرفوه وَفْق نظرية الشعر، من أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي مؤسس علم العروض، وابن جني، والدماميني، وابن كيسان وغيرهم. ووثيقة كذلك بالدارسين المعاصرين، الذين تعرضوا للقافية من أمثال جان كوهن وكما أبي ديب وغيرهم. 

وإذا كانت القافية “شريكة الوزن في الاختصاص بالشعر” فإن النقاد القدامى اختلفوا في تعريفها وتحديدها، ومنهم الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي يرى أنها تبتدئ “من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه من قبله مع حركة الحرف الذي قبل الساكن”. أما الأخفش فقد اعتبر القافية آخر كلمة من البيت، واستدل على صحة ذلك، بأنه لو قال لك إنسان اكتب لي قصيدة لكتبت له كلمات،نحو كتاب ولعاب،وصحاب وما أشبه ذلك، وهو المتعارف بين الناس اليوم”.

ويرى جان كوهن أن “القافية تكتسب صفتها من موقعها، فقد وضعت في نهاية البيت قبل الوقفة مباشرة.وتلتقي بسب ذلك نبرًا خاصًا، فالتجانس يشغل انتباهنا، وهذا نفسه ما يبطل الموازاة التمييزية”. وانطلاقا من ذلك تصبح القافية غاية الشاعر في تحقيق مظهرها البارز الذي يقوم على أساس صوتي، لأن التجانس اللفظي والحرفي علامة دالة ودعوة واضحة لدعم الإحساس بالاستقرار.

 لقَّبُوها بصوتها العَذب 

أطلق النقاد القدامى على القافية أسماء وألقابا متنوعة من أجل عيش الاستقرار الذي يحتاجونه في حياتهم؛ لأن مجتمعهم مجتمع فوضى وخوف وفزع، وسفك للدماء. فقالوا متكاوِسا وهو “أربع حركات بين ساكنين”، لا فاصل بينها، مما يؤدي إلى إتعاب الناطق بهذه القافية، كما تتعب الماشية من غير أن تُتْرك لِتستريح؛ لأن استراحة الماشية يضمن لها البقاء والاستمرار، وإلاّ فهي في عُرضة إلى الهلاك، وقيل أُخِذت من تَكَاوس الإبل، وهو ازدحامها على الماء، فسميت بذلك لازدحام الحركات فيها، وقد تكون مأخوذة من ميلان النّبت بعضه على بعض. فالازدحام على الماء من الدلالات التي توضح أن وجود الماء من الأشياء الضرورية في الحياة. والشاعر عندما يوظف هذا النوع من القافية، فكأنه محتاج إلى الماء ويعيش ازدحاما عليه.

 ومن ألقابها كذلك المتراكب وهو “ثلاث متحركات بين ساكنين”، أُخِذ من قولهم” تراكبَ السحابُ وتراكمَ: صار بعضه فوق بعض، وفي النوادر يقال ركِيب من النّخل، وهو ما غُرِس سطرًا على جدول، أو غير جدول”، فعنصر الانتظام الذي يحضر في غرس النخيل يحضر كذلك في القافية، والنخل مرتبط بوجود الماء، الذي يتراكب ويتراكم على شكل سحب كثيفة تتساقط على الأرض فتحي الأرض بعد موتها، وينتج عن ذلك حلاوة الحياة والاطمئنان في الصحة والبدن.

يقول أوس بن حجر:

ــــ أَيّتُـــــــــــــــها النَّفْسُ أَجْمِلِي جَزَعَـــــــــــــــــــــــــــــا     إِنَّ الَّذِي تَحْذَرِينَ قَدْ وَقَعَـــــــــــــــــــــــــــــــــا

[المنسرح]

شَغّل أوس الجهاز  المتراكب في القافية، ليحاول أن يعيش الاستقرار في القافية على صعيد نهاية كل بيت، وهو أمر يرتبط كذلك بموضوع القصيدة، فقد طمأن نفسه التي  وقع لها ما وقع من مصائب ورزايا، اعتماداً على الجمع بين ثلاث حركات ( 0///0) كلها منصوبة ومنتظمة، انتظام النخل المغروس في بيئة صالحة للاستقرار. كما عمد إلى تحقيق التناسب الإيقاعي في المقدار وهذا في الشعر محفوظ بالوزن. إضافة إلى ذلك فهو يخاطب نفسه مخاطبة إيقاعية ترد على سؤال باطني يعبر عنه حرف العين الذي يخرج من أعماق الإنسان، ليحاول أن يؤمنه على ما أصابه.

 أما المتدارك من القافية فهو؛”حركتان بين ساكنين” من “دَارَكَ الرجل صوته أي تابعه…والتدريكُ من المَطر، أن يُداركَ القَطْر كأنه يُدْركُ بعضُه بعضاً”، ومن المعاني  الوثيقة الصلة بالإدراك، إدراك المكان الذي يستقر فيه الإنسان ويعيش فيه، و قد يكون هذا المكان مزخرفا ومنمقا ونظيفا، يخصِّصُه الإنسان للضيوف الذين يأتونه، خاصة وأن العرب معروفة بالكرم. وهو معنى له علاقة وطيدة بمعنى القافية الذي رأيناه سلفا مع ابن منظور، الذي يعني إكرام الضيف والاحتفاء به. والقافية كذلك مكان منمق ومزخرف فيه الموسيقى والغناء، وكأنها غرفة يكرم فيها الشاعر الضيوف، ويقوم بحقهم، فهم أفراد مجتمعه، يجب أن يهتم بهم؛ لأن الفرد الواحد منهم “أصل المجتمع، وأن الحرية حقه البديهي الطبيعي”. ومن الأمثلة على هذه القافية، قول الحادرة:

ــــ بَكـــــــــَرَت سُمَيـــــَّةُ بَكْرَةً فَتَمَتـــَّــــــــــــــعِ      وَغَدَتْ غُدُوَّ مُفَـــــــــارِقٍ لَمْ يَرْبَـــــــــــــــــــعِ

 ـــــ وَتَزوَّدَتْ عَيْنِــــــــــي غَدَاةَ لَقَيْتُهـــــــــــــا       بــِـــــــــلِوَى البُنَيْنَةِ  نَظْــــــرَةً لَمْ تُقْلِــــــــعِ

[الكامل]

إن الشاعر في هذه القصيدة يصور لنا صورة المكان الدال على الألفة والمودّة، التي جمعته بسميَّة فقد ظلت راسخة في ذهنه، وتستقر نفسه برؤيتها فلا يستطيع أن ينزع بصره عنها ؛ لأنه حقق بذلك راحته النفسية، واطمأن قلبه بها، لذلك عبر بـــــ”تُقلِعِ” كتابة، التي تتحول صوتيا إلى “تُقْلِعِـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي” بتطويل الياء لتحقيق الاستقرار في النفس عن طريق مد الصوت.

ومن الأمثلة كذلك على هذا النوع من القافية مرثية أبي ذؤيب الهذلي، التي نقدمها مثالا على هذه القافية، ومثالا كذلك على دور الرثاء في تبريد حرارة النفس واستقرارها. إنها قصيدة تتفجر فيها طاقاته النفسية بالانفعال النغمي والارتفاعات الصوتية، التي جادت بها قرائح الشاعر، في التعبير عن محنة فقدان أبنائه السبعة، بنغم يقترب إلى صوت البكاء، يقول:

ــ أَمِـنَ  الـمَنُونِ وَرِيـبِهَا تَتَـــوَجَّـــــــــــــــــــــعُ     وَالـدَّهْرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ من يَجْــــــــــزَعُ
ــ قـالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِكَ شاحِـــــــباً      مُـنْذُ ابـتَذِلْتَ وَمِثلُ مالِكَ يَنفَـــــــــــــعُ
ــ أَودَى بَـنِيَّ فَأَعـقَبونِي حَســــــــــــــــــــــــْرَةً     بَـعْدَ  الـرُّقادِ  وَعَـبرَةً ما تُقلِــــــــــــــــــــــعُ
              ــ وَإِذا الـمَنِيَّةُ أَنـشَبَت أَظــــفارَهــــــــــــــــــــا     أَلـفَيتَ  كُـلَّ  تَـميمَةٍ لا تَنــــفَــــــــــــــــــــعُ        [الكامل]

إن العربي قديما كان غالبا ما يثأر من قاتل أبنائه، أو تُعطى له الدية لتعويض الفقدان، لكن الشاعر هنا يتوجع ويتألم على أبنائه؛ لأنه لا يستطيع أن يثأر من الدهر، مما زاد من ألمه ووجعه. وهو الأمر الذي جعله ينشد هذه القصيدة ليسكِّن نفسه ويطمئنها بها، فجاء بقافية المتدارك ليتدارك الاستقرار والاطمئنان، بالبكاء الذي جُعِل تنفيساً وتفريجاً للنفس من الشدائد.

وإذ كانت دموع الحزن والألم ذات طبيعة حارة وساخنة، عكس دموع الفرح التي تكون ذات طبيعة باردة، فإن الأولى تُخرِج حرارة القلب وتبدلها استقرارًا وهدوءاً؛ ودليل ذلك قوله

فـَـالعَينُ بَـعدَهُمُ كَـأَنَّ جُفُونَـــــهَا      سُـمِلَت  بشَوكٍ فَهْيَ عورٌ تَدمَـــــــــــــــعُ وَالـنَفسُ  راغِـبِةٌ إِذا رَغَّـبتَــــــــــــــــهَا     وِإِذَا  تُـرَدُّ إِلـى قَـلـــــــــــــــــــــــــــيلٍ تَقْنَــــــــــعُ

[الكامل]

هذه الدموع الكثيفة التي تخرج أحاسيس النفس، يحاول أن يقطعها وينتهي منها انطلاقا من تعليل حكم الدَّهر الذي كرره في القصيدة، يقول:

وَالـدَّهرُ  لا يَـبقى عَلى حَدَثانِــــهِ     جَـونُ  الـسّراةِ لَهُ جَدائِدُ أَربَــــــعُ

وَالـدَّهرُ لا يَـبقى عَلى حَدَثـــــانِهِ     شَبَبٌ أَفزَّتْه الكِلاَبُ مُـــــــــــــــــرَوَّعُ

وَالـدَّهرُ لا يَـبقى عَلى حَدَثـــــانِهِ      مُسْتَشْعِرٌ حَلَق الحَديدِ مُقَنَّــــــعُ

                                                                         [الكامل]

هذا التكرار يشبه صوت الشهيق، لذلك وظف حرف العين لتقريب صورة القلب، فهناك العين المبصرة التي نبصر بها، وهناك البصيرة التي هي القلب، وبهذا التصوير يصبح مغزى الشاعر من هذه القافية، أن يهدِّنَ قلبه الذي يتحكم في الجسد كله.  

ومن ألقاب القافية كذلك المُتواتر، ويقع فيه المتحرك بين ساكنين ( 0/0) ،ويمكن القول عنه، إنه مأخوذ من قولهم “وترتُ الرجل إذا قتلت له قتيلا وأخذت له مالا…والتواتر التتابع، وقيل هو تتابع الأشياء وبينها فَجَوات… والمُتَواتِرة من النّوق التي ترفع يداً حتى تَسْتَمْكِنَ من الأُخرى، وإذا برَكَت وضعت إحدى يديها، فإذا اطمأنت وضعت الأخرى، فإذا اطمأنت وضعتهما جميعا، ثم تضع وركيها قليلا قليلا”.

إن الملاحظة المسجلة بخصوص تواتر القافية مرتبطة بالناقة ، فهي لا تجلس حتى تلتفت هنا وهناك، وتطمئن على حالها، حتى إذا اطمأنت وضعت رجليها، وارتاحت كما يرتاح الشاعر، وهو يغني ويعزف بشعره بهذه القافية المتتابعة الحركات والسكنات، لعلها تسكِّنُ آلامه ومعاناته التي يحس بها في قلبه.

ومن الألقاب التي تعطى لها كذلك اسم المترادف؛ الذي تجتمع فيه حركتان ساكنتان ( 00)؛ وهي من القوافي التي تعطي قيمة إلى السكون لأنه يتكرر في آخر القافية ، وفي هذا دلالة واضحة على تكريس الثبات والسكون، الذي يطمح إليه الإنسان العربي مع أسرته، التي تتسم بالتماسك الذي يضمن لها الأمان. فالشاعر العربي يعاني أزمات الصراعات والحروب، فلم يجد ما يستقر فيه إلا هذه القافية التي تحتفي به وتكرمه لأنه ضيفها؛ و يحل فيها أي يدخل إليها في شعره، ويأوي إليها في نهاية كل بيت.

 

حتَّى أصوات حُروفهَا تُغَنّي

إن الحديث عن حروف القافية، يمنحنا معطى آخر يساعدنا على معرفة فعالية حروف القافية في توفير الأمن والاستقرار، ذلك أن هذه الحروف لم توظف جزافا واعتباطا، فالشاعر عندما يوظف الروي المستقى من الحَبل الذي يُرْبطُ به المتاع في الرحلات الطويلة، يرمي بذلك إلى تأكيد أواصر القرابة والتضامن الكفيلين بالتعايش والنماء. فبالروي يروي عطشه، وتستقر نفسه وتهدأ ويحس بطمأنينة نابعة من قلبه، كما قال الحارث بن حلزة اليشكري

ــــــ فَرَدَدْنَاهُـمُ  بِطَعْـنٍ  كَمَا  يَخْــــــــ      ــــــرُجُ مِنْ خُرْبَةِ  الْمَزَادِ  الْمَــــــــاءُ

[الخفيف]

إنه وظف روي الهمزة الذي يروي به عطشه وبلفظ الماء أيضا، الذي تقرُّ به نفسه ؛لأنه في حاجة ماسة لنزول الأمطار التي تشكل “عاملا مناخيا في استغلال الأرض” والاستفادة من خيراتها.

لقد قال النقاد العرب بل والشعراء كذلك، هذا وصل ليصلوا بعضهم ببعض ويحققوا الانسجام والتعاون، وقالوا هذا دخيل كناية عن دخول الضيف إلى منازلهم المزخرفة والشامخة،كما يدخل الدخيل في القافية. فالدخيل هو الضيف والقافية هي المُضيف التي تحتفي بضيفها في زينتها، فتطربه وتغني له في رأس كل بيت، والعرب قديما كانت لا تغلق أبوابها، إنها تبقيها مفتوحة المصراعين يدخل إليها كل إنسان غريب.

 وقالوا خروجا لأنهم يخرجون بقصائدهم ليعرضوها في الأسواق، فطريقهم آمنة مطمئنة، فيتتبعون أثر الماشين إما بخطواتهم، وإما راكبين بعضهم يردف بعضا؛ لأنهم لحمة واحدة، يشبهون الردف الذي يأتي به الشاعر في قافيته، فتراهم متجهين في اتجاه واحد، حتى الوصول إلى المكان الذي يقصدونه اعتماداً على براعتهم في علم القِيَّافَة، فهم يخرجون من بيوتهم المريحة، فيركبون الإبل في طرقاتهم ليأخذوا نفسا آخر خارج منازلهم.

أما حرف التأسيس في القافية، فقد استعملوه كعنصر أساسي يدلّون به على أمن مجتمعهم الذي شاع وكثُر. فلا ترى فيه غدرا ولا مكرا ولا خداعا، وبهذا الأمن والاستقرار أخذوا يؤسّسون للمبادئ والقيم السّمحاء، التي بنى عليها الإسلام قواعده المتينة فأتمّ هذه الأخلاق التي أسسوها.

تطلِقُ حُريّتَك فَتَأنس

إذا كان للقافية ألقاب تعرف بها، فإن لها كذلك أنواعا وظفها الشعراء في شعرهم ليخففوا عنهم قسوة الحياة الصحراوية، المتسمة باليُبس والقحط، فقالوا مطلقة تعبيرا عن كرمهم، وطلاقة أياديهم، من” طَلق وأَطْلَق وطُلُقٌ بضم الطاء واللام: أي غير مقيد…والطَّالق التي تَنطلق إلى المَاء…والمِطْلاَقُ؛ الناقة المتوجِّهة إلى الماء…ويقال طَلَقَ يده وأطلقها في المال والخير…ويوم طَلْقٌ؛ مشرقٌ لا برد فيه ولا حر ولا مطر ولا قر”

ولعل إتيان القافية مطلقة أمر يدل أكثر على وظيفتها التطريبة الإيقاعية التي تتردد في نهاية كل بيت، قصد تطويل الصوت؛ لأن العرب قديما كانوا “إذا ترنَّمُوا فإنهم يلحقون الألف والياء والواو وما ينون ومالا ينون؛ لأنهم أرادو مدّ الصوت” والتركيز على النبر الذي يصاحبه.

ولعل الشاعر عندما يأتي بهذه القافية، يهدف بالأساس إلى تكريس الثبات والسكون الذي يطمح إليه مجتمعه، الكثير التّرحال، فيصور العالم المطلق؛ أي الأجواء المحيطة به، من حيوانات ورمال وكل ما يوجد في محيطه في قصيدته، ليحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي  فيها، من منطلق شعري: أي إنه يحبب لنفسه المكان بالوصف الجميل عن طريق القافية المزخرفة، التي تطلق وتجود بما عندها من جو تطريبي وصوت تنغيمي يحقق الآمان والانتعاش الروحي، بهذه الطبيعة التي تجول فيها الناقة. إنها بيئة مبتهجة ومتوهجة، لا برد فيها ولا حرّ ولا مطر ولا قرّ. فكأن الشاعر يصور الحالة المستقرة التي يطمح إليها، حياة مطلقة قارة، تشبه قرار الماء، الذي هو علامة على الاستقرار ورمز للألفة الشديدة، فتأتيه الإبل لتشرب منه. ماء صاف ليس فيه كدر، كما قال حاتم الطائي، فيعود على الإبل  بالنفع، وتحلو للإنسان الحياة.  

تُقيِّدك بإيقاعاتها الخلاَّبة

تجيء القافية كذلك مقيدة، من” قيَّدهُ يقيِّدُهُ تقييداً…والقِيَّادُ حَبْل تُقَادُ بِه الدّابَّة…والمقيَّدُ الموضع يقيد فيه: أي أنه مكان يكون فيه الجمل ذا قيد”. إنها تقيِّد الإنسان من الرحيل ولا تتركه يغادر منازله التي ألفها وألفته، ولا يستطيع الوداع ويكون بحب المكان والعشيرة مقيدا، لا يستطيع فراق أهله وأحبته؛ لأنه بلغ الغاية من الارتباط  بالأرض والوفاء للمنزل والحلّة والسكن”، وما يثبت هذه الصورة، صورة الوقوف على الأطلال والبكاء على الآثار، لتبيان مدى الحنين إلى المكان الذي عاش فيه. وقد يستحضر المرأة /المحبوبة، ليقصد بذلك بناء مجتمعه بناء تقوم ركائزه على الذكرى التي ترسخ العلاقة بين الحبيب والمحبوب، وبين الأهل والأقارب الذين يتقاربون كما تتقارب ألفاظ القافية؛ والدليل على ذلك أنها “لا تتجاوب تجنيسا مع ما قبلها وحسب، بل تتجاوب أيضا مع ما بعدها” ليبيِّن من خلالها الشاعر الدعوة الملحّة إلى التعاون والتضامن. 

ومن الأمثلة على هذه القافية ما أنشده الأعشى عن الغانيات المتجملات اللواتي يتعلق القلب بهن.

ـــ وَأَقْرَرْتُ عَينِي مِنَ الغَانِيــــــــــــــا      تِ إِمَّا نِكَاحـــــــــــــــــــــــــــــــاً وَإِمَّا أُزَنْ

ـــ مــــِنْ كُلِّ بَيضَــــــــــاءَ مَمْكـــــــــــــُورَةٍ      لَهَا بَشــــــــــــــــَرٌ نَاصـــــــِعٌ كَاللَّبـــــــــــَنْ

[المتقارب]

يخضع توظيف القافية المقيدة إلى معيار المناسبة بين اللفظ ومعناه، وبين اضطراب الشاعر واستقراره نفسيا، إنه وظف القافية المقيدة لاستقرار قلبه بالغواني. فأصبح رهينا مرتبطا بهن، فكان ذلك دافعا حاسما جعله يبين هذا التقيُّد، بتوظيف قافية مقيدة.

حتَّى تجنب العيب فيها غاية في الاطمئنان

بعد اكتساب الملكة الشعرية بفعل التمرس والحفظ من لدن الشعراء والنقاد القدامى، استطاعوا أن يميزوا إيقاعيا، سلامة القافية من سقمها، واشترطوا “أن تكون عذبة الحرف سلسة المخرج” خالية من العيوب، على اعتبار أن هذه العيوب تنفِّر الإنسان من الاستقرار الإيقاعي الصوتي الذي يمنحه انتعاشا موسيقيا روحيا. والقافية كذلك “محل الوقف والاستراحة” يتم بموجبه تنشيط الجسم وتنمية قدراته العقلية والجسدية، لذلك كانت سليقة الشاعر الجاهلي تعتمد على “تقوية الانطباع العام بالانتظام والتوقيت بواسطة صنعات صوتية واشتقاقية”تروم الدفع بالإنسان إلى نسيان الآلام والمتاعب، وأخذ النصيب الأوفر من الراحة.

وعندما تَجِدُ العرب قديما تتحدث عن عيوب القافية فتسمي العيب الواحد منها إكفاء، هذا الوصف المأخوذ من “الانكفاء وهو الانقلاب”فذلك علامة على أنها لا تُحب الانقلاب ولا الاضطراب، وإنما تسعى دائما في غالب أمورها إلى الاستقرار والثبات والسكون. ومن القوافي الحسنة كذلك ما تنزع منزع التقسيم والتنفير والدعوة إلى النزعة الاجتماعية، والمناداة بالحرب وتشتيت الشمل، كما في شعر عامر بن طفيل، وبشر بن أبي خازم . وقد يكون هذا العيب (الإكفاء) من القافية له علاقة بالعَمى ، كالرجل المكفوف الذي لا يبصر مثلا، وهو معنى يصبُّ في السياق نفسه ؛ ذلك أن القافية التي يوجد فيها إكفاء، فشاعرها مكفوف؛ أي أعمى لا يبصر إيقاع قافيته أو مكان استقراره، فالأعمى هو الذي لا يرى ما قد يعيبه عليه الناس، ولا يرى أيضا الفضاء الذي هو فيه، حتى يستقر في مكان آمن مما قد يؤذيه من أفاعي وعقارب  في الصحراء.

أما قولهم هذا إقواء من”أقوى الرَّبعُ إذا عفا وتغير وخلا من سكانه” فذلك غاية يرومونها في أشعارهم؛ لأن الذي يقوم بهجر مكان استقراره نهائيا دون رجوع هو الذي لا يتشبث بقيم الأخوة والصداقة، والتعاون. والشاعر عندما يقوي في شعره فهو يسبب لك في هجر الديار ويقضي على أمنك في الحياة، فتصبح غير مستقر لا في نفسك ولا في مجتمعك. 

لا يعتري الباحث شك في القول إن النقاد والشعراء القدامى كانت وجهتهم النقدية تتجه إلى الدفع بالشعر العربي قصد تكريس قيم التسامح، وحسن المعاملة اللذين يسهمان في الاستقرار، حتى من خلال الجهاز النظري للقافية، فقالوا إضافة إلى ما تحدثنا عنه، إيطاء وتضمينا وإجازة…إلخ، بحثا عن الهناء والصفاء. بل حتى حديثهم كذلك عن حركات القافية، كان يصدر عن فهم فاحص وحصيف، فوضعوا لها أسماء من طبيعتهم النقية الصافية ؛”الرس، الحذو، الإشباع، التوجيه، المجرى، النفاذ قصد تبيين الدافع الأساسي من وراء توظيف القافية في شعرهم، فحركة المجرى مثلا، آتية من جريان المياه على الصخور، التي عادة ما تكون صافية تظهر صفاء الوجه وسلامة البدن من الأمراض.

 

وخلاصة القول فإن الدور الذي تؤديه القافية ، يكتسي خاصية جمالية رائعة تفصح عن النظرة النقدية الحصيفة، التي وَضَعت التسمية وجهازها؛ لأنها تعلن نهاية الإنشاد، لتمنح الشاعر نفساً جديدا لمواصلة عملية الإنشاد  والتلذذ من جديد. من هنا يمكن تحديد القيمة الكبيرة التي تنطوي عليها القافية بوصفها عنصراً فاعلاً، لا مكملاً تشكيلياً تزيينا زخرفيا يمكننا الاستغناء عنه، وإنما تنطوي على إرادة الترنم ومد الصوت بالغناء الذي يبين الشعر من الكلام وعلى وحدة موضوعية ودلالية تخلق الأمن والاستقرار.


 ـــ المصـــــادر

ـــ تلقيب القوافي وتلقيب حركاتها، لأبي الحسن محمد بن أحمد بن كيسان،نشر ضمن رسائل ونصوص في اللغة والآداب والتاريخ، تحقيق ابراهيم السمرائي، مكتبة المنار الزرقاء،ط1، الأردن ــ 1988.

ـــــ جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، لأبي زيد القرشي، تحقيق محمد علي الهاشمي، دار القلم،ط2،بيروت، 1986.

ــــ ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، شرح وتعليق الدكتور محمد الحسين، مكتبة الآداب، الجماميزت .

ــــ ديوان أوس بن حجر، تحقيق وشرح محمد يوسف نجم، دار صادر، ط3، بيروت،1979.

ــــ ديوان بشر بن أبي خازم، تحقيق عزة حسن، وزارة الثقافة والإرشاد القومي في الإقليم السوري، مطبوعات مديرية إحياء التراث القديم، دمشق، 1960.

ــــ ديوان حاتم الطائي، شرح و تقديم أحمد رشاد، دار الكتب العلمية،ط1، بيروت – لبنان، 1986. 

ــــ ديوان الحارث بن حلزة، صنعه مروان العطية،دار الإمام النووي للنشر والتوزيع،ط1، دمشق، 1994.

ـــــ ديوان عامر بن طفيل برواية الأنباري، تقديم كرم البستاني، دار صادر، بيروت ــ 1979.

ــــ الشعر والشعراء،لابن قتيبة، طبعة محققة ومفهرسة، دار الثقافة،بيروت، لبنان.

ـــــ العمدة في محاسن الشعر وآدابه، لابن رشيق القيرواني، حققه وفصله وعلق على حواشيه محي الدين عبد الحميد،دار الطلائع، ط1،القاهرة، 200.

ــــ العيون الغامزة على خبايا الرامزة، للدماميني،تحقيق الحساني حسن عبد الله، مكتبة الخانجي، ط2 القاهرة، 1994.

ــــــ الكتاب لسيبويه، تحقيق وشرح عبد الشلام محمد هارون،ج4، ط1 دار الجيل بيروت. 

ـــــ كتاب القوافي،تصنيف القاضي أبي يعلى عبد الباقي عبد الله بن المحسن التنوخي،تحقيق الدكتور عوني عبد الرؤوف،مكتبة الخانجي ،ط2،مصر ،1978.

ــــ اللزوميات أو لزوم مالا يلزم، لأبي العلاء المعري، قدم له وأشرف على اختياره وتصحيحه عمر أبو النصر،دار الجيل، بيروت،1969.

ـــــ لسان العرب، لابن منظور، تحقيق كل من عبد الله علي الكبير و محمد حسب الله وهاشم محمد الشادلي دار المعارف، القاهرة.

ــــ المفضليات، للمفضل الضبي، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر وعبد السلام محمد هارون، دار المعارف، ط6،القاهرة.

ــــ نقد الشعر، قدامة بن جعفر،تحقيق كمال مصطفى، ط3، 1978.

أ ـــ المراجــــــــــــــع

ــــ بنية اللغة الشعرية، جان كوهن، ترجمة محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال للنشر، ط1، 1986.

ــــ تحليل الخطاب الشعري، البنية الصوتية في الشعر-الكثافة –الفضاء-التوازن، لمحمد العمري، الدار العالمية للكتاب، ط1، مطبعة النجاح الجديدة،الدار البضاء،1990.

ــــ سر الفصاحة، ابن سنان الخفاجي، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت ـــ لبنان، 1982. 

ــــ العروض والقافية دراسة في التأسيس والاستدراك، محمد العلمي، دار الثقافة، الدار البيضاء،ط1، 1983.

ـــــ الفلسفة والشعر، عبد الهاي مفتاح، منشورات عالم التربية، ط1، الدار البيضاء، 2008. 

ـــــ في الشعرية، كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، ط1، بيروت ـــ لبنان،1987.

ـــــ اللغة العليا، النظرية الشعرية، لجون كوهن،ترجمة وتقديم وتعليق، أحمد درويش، المجلس الأعلى للثقافة،ط2، 1999.

ــــ الماء والأحلام دراسة عن الخيال والمادة، غاستون باشلار، ترجمة علي نجيب إبراهيم، تقديم أدونيس، المنظمة العربية للترجمة، ط1، بدعم من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، بيروت، 2007. 

ـــــ مفهوم الحرية، عبد الله العروي، المركز الثقافي العربي، ط5، 1993.

ــــ نحن والتراث قراءات معاصرة في التراث الفلسفي، لمحمد عابد الجابري، المركز الثقافي العربي، ط5، المغرب ـــ الدار البيضاء، 1986.

ــــ نظرية الأدب، رينيه ويلك وأسطين وارين،ترجمة محي الدين صبحي،مراجعة حسام الخطيب،المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، بيروت، 1981.

ج ـــ المجــــــــــلات

ــــ الأمومة في اللأسرة العربية، فايز قنطار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،عالم المعرفة، عدد 166، الكويت،1990.

 

ــــ البيت في الشعر العربي، عبد الله كنون، مجلة البحث العلمي، العدد 16، دجنبر 1970.

ـــ الجوانب البيئية لعدم إشباع الحاجات الغذائية في العالم العربي، محمد صفي الدين أبو العز المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، الكويت، 1990.


إبــــراهيـم بنزاڪــي: أستاذ التعليم الإعدادي، باحث في سلك الدكتوراه؛ تكوين “التراث والتنمية”،- كلية الآداب والعلوم الإنسانية /  ابن زهر – أكادير.

 

ابــــراهيـم بنزاڪــي

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

تعليق واحد

  1. بحث في كتاب يأخذنا على نسق موسيقى وقافية وروي يسافر بالقارئ الى الغرض المنشود من طرف الشاعر تكاد تكتبه صوتيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى