فكر وفلسفة

إسهام العرب في المعرفة الإنسانية

يغلبُ على الباحثين الاعتقادُ أنّ يونانَ جَمَعوا بين الفلسفَة [محبة الحكمة] والشعر [البويتيقا] ما وراء الطبيعَة [ميتافيزيقا]، والمنطلق [إيساغوجي]، والمقولات العشر [قاطيغورياس]، وعلم القياس [أنالوطيقا الأول]، والبرهان [أنالوطيقا الثاني]، والجدل [طوبيقا]، والسفسطة [سوفسطيقا]، والخطابة [ريطوريقا]…

وأنّ مَن اشتغلَ بهذه العلوم والصناعات بعدَ زمنهم إنّما أخذَ منهم وورثَهُم وصدَرَ عن مذاهبهم.
وزَعَموا أنّ العربَ أمّةُ شعر وكلام جَميل وسَجعٍ وخَطابَة ،وأنَّ الرومان أمة قانون ونظام، وأنّ الفرسَ أمةُ حكمة.

ثمّ انتقَلَت فلسفة يونان إلى ألمانيا وتفرعَت إلى مَدارسَ مثالية ومادية جدلية ثمّ إلى مدرسة فرانكفوت وما زالَت تتطور الفلسفَة هناك، وذَهَبَت الفلسفَة في بريطانيا مذهبَ النفعية والوضعية المادية والفلسفَة الإمبريقية التجريبية مع جان لوك في القرن الثامن عشَر …

وهذا قولٌ بعيدٌ عن الصواب إذا حصرنا نشأة الحكمة والحضارَة والمناظرَة في يونان ثم انتقال الميراث إلى أوربا شرقها وغربها …

والحقيقَة أنّ الذين حَكَموا على أمة العرب بأنها أمة شعر وكلام جَميل لم يكونوا على درايَة بالعربية حتّى يطَّلعوا على ما اشتمَلَ عليْه شعرُهم من علوم ابتدائية ومن طبيعيات ومعارفَ ومن حكمة وفلسفَة ومن نواة أمهات المَعاجم.

فلَو أوتي الفلاسفةُ الغربيونَ، مشاهيرُهم، حظا كبيرا من العلم بلُغة العرب وشعرها وآدابها لأمسكوا ألسنتَهُم ولانحَنَوْا احتراما لهذا التراث الإنسانيّ الكَوني الذي أعاد تَحريكَ عَجَلَة التاريخ العلمي والأدبي والحضاري لأوربا انطلاقاً من بيت الحكمة ببغداد، وقبلَه مجالس المناظَرَة والعلم ببيت الخلافة في الشام، ثم انتقال الازدهار إلى إيشبيلية وقرطبة…

ولكن باحثينا راحوا يُرددون مقولةَ تفَوُّق يونانَ على كل حضارَة ثم قِدَمِ فلسفَة ألمانيا وبريطانيا ثم طب فرنسا، وما زالوا عالقين بأسلاك أوروبا، الشوكيةِ، إلى يومنا هذا التي تَعِدُهُم وتُمنّيهم ولكنها تَحْرِمُهم زادَ أمّتِهم ولا تُعطيهم.

عبد الرحمن بودرع

أ.د. عبد الرحمن بودرع : أكاديمي مغربي، متخصص في "اللغويات العربية" و"لسانيات النص وتحليل الخطاب"، أستاذ التعليم العالي جامعة عبد المالك السعدي- كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة. نائب رئيس مجمع اللغة العربية على الشبكة العالَمية بمكة. عضو مُحكَّم في لجان التحكيم لمجلات عربية، ولبعض مراكز البحث العلمي الجامعية العربية. عضو الهيئة العلمية لمجلة "مجمع اللغة العربية على الشبكة العالَمية" بمكة. أصدر مجموعة من الكتب والمؤلفات المهمة في تخصُّصِه، نذكر منها " الأَسَاس المعرِفِيّ للغوِيّاتِ العَرَبِيَّةِ " 2000م. " جوامع الكلم في البيان النبوي " 2005م. " من ظواهر الأشباه والنظائر بين اللغويات العربية و الدرس اللساني المعاصر" 2005م. " من قَضايا النَّظَرِيّة اللغويّة العربيّة" 2007م. " المنتقى من فَصيح الألفاظ للمعاني المُتَداوَلَة" 2008م. " الأسُس المعرفية للغويات العربية" 2013م. " في اللسانيات واللغة العربية، قضايا ونماذج" 2016م. "في السياسة اللغوية والتخطيط، قضايا ونماذج" 2017م. "النص الذي نَحيا به، قضايا ونماذج في تَماسُك النص ووحدَة بنائه" 2018م. إضافة إلى طائفة من الكتب في التأليف الجماعي نذكر منها؛ "اللّغة وبِناءُ الذّات" 2004م. "التّداوليّات وتَحليل الخطاب، بٌحوث محكّمَة" 2014م. "المعجمية العربية، قضايا وآفاق" 2014م. "المعجم التاريخي للغة العربية، رؤى وملامح" 2016م. "مركزية سيبويه في الثقافة العربية" 2017م. "مفاهيم لسانيات النص وتحليل الخطاب في قراءة التراث اللغوي والبلاغي" 2019م. حصل على جائزة الشرف المتميز، للبحث العلمي من جامعة عبد المالك السعدي : 2009 / 2010/ 2011 / 2015 / 2016.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى