المقولات النحوية العربية والمقولات المنطقية الأرسطية: أية علاقة؟
قبل تناول العلاقة بين المقولات النحوية العربية والمقولات المنطقية الأرسطية ما هي هذه المقولات ذاتها ؟
بالنسبة إلى المقولات المنطقية ، سبق أن تناولناها في مقالة بعنوان مدخل إلى قاطيغورياس، يبقى تناولنا للمقولات النحوية في اللغة العربية.
كما هو معلوم، كان أول عمل علمي منظم مارسه العقل العربي، هو جمع اللغة العربية في عصر التدوين ، ثم تقعيدها ، يعني الانتقال بها من مستوى اللاعلم إلى مستوى العلم (لها قواعد وضوابط وقوالب) (1).
وكان الخليل بن أحمد الفراهيدي وزملاؤه من السباقين الذين صبوا اللغة العربية في قوالب صورية تعتمد الاشتقاق من الفعل ( أهل الكوفة ) بخلاف أهل البصرة الذين كانوا يعتمدون الاشتقاق من المصدر.
ووضعت من خلال هذه الاشتقاقات – بالنسبة إلى النحاة واللغويين- بمثابة مقولات (معاني عامة ) وقوالب، كاسم الفاعل، واسم المفعول، واسم الآلة، و اسم الهيئة، واسم المصدر…
فهذه القولبة للغة العربية في عصر التدوين خلقت لغة جديدة داخل لغة (لغة الأعرابي ) الذي كان يتكلم عن السليقة . وأصبح النحاة يتكلمون في كلام الأعرابي بلغة جديدة من كلامه الشيء الذي يعني أن لغة النحاة كانت بالنسبة للأعرابي عبارة عن إحداث لغة في لغة (2).
أما المقولات المنطقية ، فهي أمور مسندة، أو مقولة على موضوع . فهي مفاهيم تدل على خصائص وتحديدات واقعية للأشياء بوصفها أشياء توجد قبل أن تمارس في الذهن فعاليته.
فهي إذن ليست قوالب ذهنية كما هو الشأن عند كانط ، بل هي من خصائص الواقع. وقد استخلصها أرسطو تجريبيا (3).
مقارنة بين المقولات النحوية والمقولات الأرسطية
1- إن المقولات الأرسطية عددها عشرة
2-ان المقولات النحوية عددها أكثر من ذلك
3-إن اللغة اليونانية لغة آرية
4-إن اللغة العربية لغة سامية
5-إن اللغة اليونانية تنطلق من الاسم
6- إن اللغة العربية تنطلق من الفعل كمصدر
7- إن المقولات النحوية خالية من الإضافة، و الوضع، و الملكية
8- إن المقولات الأرسطية خالية من اسم الآلة،واسم الهيئة …
مما يطرح إشكالا : تعارض واختلاف بين المنطق الأرسطي والنحو العربي ، وهذا التعارض هو ما تعكسه مرافعات السيرافي في المناظرة الشهيرة التي دارت بينه وبين أبي بشر متى المنطقي في مجلس الوزير الفضل بن جعفر والتي دونها أبوحيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة.
فالتعارض، والاختلاف ببن المنطق اليوناني، والنحو العربي يعني تعارض واختلاف في الثقافتين ، وفي المرجعتين، مما يعني أن التواصل لا يمكن أن يكون تاما، وكاملا بين الفكر الذي يعتمد المنطق الأرسطي والفكر الذي يعتمد النحو العربي.
فالتفاهم التام متعذر، بل هناك تخارج واصطدام بين الثقافتين اليونانية، والعربية – الإسلامية ، مما يخلق فجوة عميقة ميتافيزيقية بين الرؤية اليونانية، والرؤية العربية لأن كل منهما يحمل رؤية ميتافيزيقية حول العالم والإنسان والله(4).
- هوامش
(1) الجابري ب.ع.ع. المركز الثقافي العربي . الدار البيضاء ط1. 1991 . ص 76
(2) نفس المصدر .ص90
(3) نفس المصدر .ص 358
(4) نفس المصدر .ص 50
- المراجع
–الجابري . ب.ع.ع.المركزالثقافي العربي . الدار البيضاء .ط1
– طه عبد الرحمان تجديد المنهج في تقويم التراث. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء .ط2.