هل أنتج العرب فلسفة إسلامية؟
تعتبر الفلسفة الإسلامية تركيبة من المجالات المعرفية، وتضم عدة أشكال كالتصوف والفقه وعلم الكلام. لكن الفلسفة الإسلامية قد عرفت انتقادات يندى لها الجبين ولا تستحق أي اهتمام من طرف بعض المستشرقين، حيث اعتبروا الفلسفة الإسلامية ليست سوى فلسفة مكتوبة بحروف عربية ولكن أصلها إغريقي بكل التفاصيل.
هذه الانتقادات هي التي دفعت المفكر المصري “مصطفى عبد الرازق” (1947- 1885) لكتابة كتاب “تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية” لكي يردّ على انتقادات المستشرقين ويتبث أصالة الفلسفة الإسلامية. إذن، هل يمكن لنا الحديث عن فلسفة إسلامية تقوم على نسق فلسفي خاص؟ أم أنها إعادة لإنتاج ما قاله أفلاطون وأرسطو؟
لقد اختلف الباحثون في تعريف الفلسفة الإسلامية، بين من نفى وجودها واعتبرها إعادة إنتاج للفلسفة اليونانية وأن ما كتبه (الكندي، الفارابي، ابن رشد) هو تكرار لما قاله أفلاطون وأرسطو، هذه نظرة المستشرقين، ودليلهم على ذلك هو أن الفرد العربي قاصر على إبداع صيغ فلسفية متكاملة.
ونجد أيضا بعض الإسلاميين المعاصرين لم يعترفوا بالفلسفة الإسلامية بدافع ديني تعصبي، معتبرين أن فلسفة الإسلام مستمدة من أصوله العقائدية والثقافية.
نَهلت الفلسفة الإسلامية من عدة مَنابع نذكر منها: التصوف الإسلامي الذي يشمل الأفلاطونية المحدثة وينحدر من الأمشاج المسيحية واليهودية، ثم الفقه وعلم الكلام. لقد ظهرت الفلسفة الإسلامية مع الكندي، الفارابي وابن رشد، هذا الأخير -ابن رشد- استطاع أن يؤسس نسقا فلسفيا بين الفقه وعلم الكلام.
إن الفلسفة الإسلامية في حد ذاتها هي الفقه وعلم الكلام خصوصا مع المعتزلة لأنهم ناقشوا القضايا الكبرى بالاعتماد على العقل. يتجلى إسهام الفلسفة الإسلامية في إدخال مؤلفين في المنطق هما الشعر والخطابة لتصبح ثمانية مؤلفات عوض ستة مؤلفات.
تعد نظرة المستشرقين تجاه الفلسفة الإسلامية نظرة استعلائية بكل ما تحمل الكلمة من معنى ودلالة، لأنهم قد نسوا أن الفلسفة الإسلامية هي من قامت بقراءة واستشكال القضايا التي طرحت في الفلسفة اليونانية.
إضافة إلى طَمر التراث الفلسفي الإسلامي، الذي أغنى أوروبا بشكل كبير، فمن منا لا يعرف مدى تأثير “عبد الرحمٰن بن خلدون” في فكر فيكو، مونتسكيو، و”أوغست كونت“، ناهيك عن سبق “الإمام الغزالي” لمفهوم السببية، وهنا كان التمهيد النظري الذي جعل “دافيد هيوم” ينتج أفكارا أخرى في تطوير مفهوم السببية. ومن هذا المنطلق يجب الاعتراف بالفكر الإسلامي من الناحية الإبستمولوجية.
إن إشكالية الفلسفة الإسلامية هي إشكالية عميقة، إلى أن جاء “مصطفى عبد الرازق” في كتابه “تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية”، ولقد رد “مصطفى عبد الرازق” في هذا الكِتاب على انتقادات المستشرقين، وكان المنهج الذي تميز به “مصطفى عبد الرازق” هو الدقة والموضوعية.
ونجد هذا الكتاب عبارة عن مجموعة من الاقتباسات وقليلا ما يقول الكاتب رأيه، وهذا خير دليل على موضوعيته ونجاعته الفلسفية. لقد درس “مصطفى عبد الرازق” على يد كل من: دور كايهم، إيميل برييه، وسان سيمون، وعندما عاد إلى مصر كان أول من درّس الفلسفة في مصر التي كانت تعاني من التفكير الأصولي.
يمكن القول إن “مصطفى عبد الرازق” من خلال كتابه “تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية” قد حاول أن يؤكد أصالة المدرسة الإسلامية المشائية، كما حاول أن يتبث خصوصية الفلسفة الإسلامية عن الفلسفة اليونانية عن طريق إرساء ثوابت أصيلة.
لقد ميز “مصطفى عبد الرازق” بين ثلاث مراحل عرفها الفكر الإسلامي وهي:
– مرحلة النشأة: هذه المرحلة تفسر خصوصية الفكر الإسلامي.
– مرحلة التفاعل مع المؤثرات الخارجية
– مرحلة الإنتاج والإبداع.
يخلص مصطفى عبد الرازق من هذا التقسيم إلى أنه يجب علينا أن ننظر إلى الفكر الإسلامي نظرة تطورية مع الحفاظ على أصله، ويؤكد أيضا أن للفكر الإسلامي وعي متميز استمده من ذاته وليس من الخارج، وسعى “مصطفى عبد الرازق” أيضا إلى مد الجسور بين الفلسفة والفقه.
يعبر “ماجد فخري” عن أسف شديد تجاه كتاب “تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية”، لأن القسم الأول والثاني من الكتاب يتمحور حول أخذ ورد مع المستشرقين، كما يؤكد “ماجد فخري” أنه يتضح لنا من خلال فهرست الكتاب أن كتاب “مصطفى عبد الرازق” لا يدور حول الفلسفة الإسلامية بالمعنى المتعارف عليه، أي بالمعنى الذي اصطلح عليه فلاسفة الإسلام؛ الكندي والفارابي.
كتاب “تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية” لصاحبه “مصطفى عبد الرازق” ليس دراسة للفلسفة الإسلامية كما يدعي المؤلف بل هو تطور لمفهوم الفقه وعلم الكلام بالدرجة الأولى عند الإسلاميين، وتطور مفهوم الفلسفة عند العرب بالدرجة الثانية، وهذا الكتاب تغيب فيه المعارف الموضوعية حسب “ماجد فخري”.
هنا يتساءل فخري كيف يمكن لهذا الكتاب الذي تغيب فيه المعارف الدقيقة أن يدافع عن أصالة الفلسفة الإسلامية؟ إن هذا الكتاب في الأصل -حسب فخري دائما- هو عرض لمجموعة من النصوص الفِقهية والكلامية، وليس في صلب دراسة الفلسفة الإسلامية.
يعتبر “محمد عابد الجابري” أكثر المفكرين العرب دفاعا عن التراث، ولكنه وجه نقدا خطيرا لـ”مصطفى عبد الرازق”، فالجابري كتب كتاب “الخطاب العربي المعاصر” سنة 1982، وفي هذا الكتاب اعتبر الجابري أن عبد الرازق هو أول من دشنَ الخطاب الفلسفي النهضوي في الفكر العربي.
أما في كتاب “التراث والحداثة” هنا أقر الجابري بأن محاولة عبد الرازق هي منَ المحاولات الرائدة في الرؤية الاستشراقية للفكر الإسلامي. الجابري أكد أن منهج عبد الرازق هو منهج وصفي تاريخي، والانطلاق من الجراثيم الأولى للتفكير العقلي في الإسلام يسير بنا في اتجاه خط الفقهاء والمتكلمين المعادين للفلسفة.
يرى الجابري أيضاً أن “علي سامي النشار” -وهو تلميذ “مصطفى عبد الرازق”- لا يعترف للحاضر بهوية غير تلك التي أورثها من الماضي، فإذا كان أستاذه عبد الرازق قد انطلق من الجراثيم الأولى ليرد على انتقادات المستشرقين؛ تيلمان، كريستيان لارسن، وكارا ديفو … فإن علي سامي النشار قد انطلق من نفس الجراثيم ليؤكد دعوة المستشرقين.
وحسب الجابري أيضا فإن منهج عبد الرازق هو نفس المنهج الذي تعرف عليه “إيميل برييه” في بناء تاريخ الفلسفة على الوحدة.
إن “مصطفى عبد الرازق” حاول جاهدا الدفاع عن أصالة الفلسفة الإسلامية، ليؤكد أن المفكرين العرب كالكندي والفارابي وابن رشد قد أنتجوا فلسفة نسقية.
ولكن للدفاع عن الفلسفة الإسلامية يجب عليه أولا أنْ يكون موضوعيا، لقد غلبت عليه النزعة العربية، ولو تحدثنا بكل موضوعية فإننا سنقطع الشك باليقين أن العرب لم يستطيعوا إنتاج فلسفة خاصة بهم، بل إن ما قاموا به هو شرحهم للمتن الإغريقية، وتطوير بعض الأفكار فقط.