الموضوعية (Objectivism)؛ مذهب فلسفي قدمته آين راند (1905–1982)، الفيلسوفة والروائية الروسية-الأمريكية، وتُعدّ من أبرز الفلسفات التي تؤكد على أولوية الواقع واستقلال الحقيقة عن الإدراك الذاتي. في مقابلها، تقف الفلسفات الذاتية (Subjectivism) التي تربط الحقيقة بالإدراك الشخصي للفرد.
ترتكز الموضوعية على مبدأ أن الحقيقة موجودة بشكل مستقل عن الوعي البشري، حيث يتفاعل الإنسان مع الواقع مباشرة عبر الإدراك الحسي، مما يجعل المعرفة العلمية والفكرية غير قائمة على المشاعر أو التحيزات الذاتية، بل على التجربة والمنطق.
- المعرفة الموضوعية والمنطق الاستقرائي
ترى راند أن الإنسان قادر على تحصيل المعرفة الموضوعية من خلال الإدراك الحسي، ويعتمد ذلك على عمليتين أساسيتين:
- تشكيل المفاهيم: حيث يقوم العقل بتنظيم المعلومات الحسية وتحويلها إلى مفاهيم مجردة.
- المنطق الاستقرائي: وهو الأسلوب الذي يتم من خلاله استنتاج القوانين العامة من الملاحظات الجزئية.
وفقا لهذه الرؤية، لا يكون الواقع نسبيا أو خاضعا للتأويل الشخصي، بل يمكن إدراكه بنفس الدرجة من الوضوح والدقة عند جميع البشر، إذا ما استخدموا العقل والمنطق بشكل سليم.
- الأخلاق الموضوعية والبحث عن السعادة
من المبادئ الجوهرية في الموضوعية أن الغرض الأخلاقي الأساسي لحياة الإنسان هو البحث عن سعادته الشخصية، ولكن ليس بأي وسيلة، بل عبر المصلحة الذاتية العقلانية (Rational Self-Interest).
وترفض هذه الفلسفة التضحية بالفرد من أجل الجماعة، أو التضحية بالجماعة من أجل الفرد، مؤكدة أن الإنسان يجب أن يسعى إلى تحقيق أقصى إمكاناته الفكرية والمادية بما يتناسب مع قيم موضوعية وليس رغبات عشوائية.
- النظام الاجتماعي والاقتصادي في الفلسفة الموضوعية
تؤكد راند أن النظام الاجتماعي الوحيد المتوافق مع الموضوعية هو الرأسمالية القائمة على احترام الحقوق الفردية. ومن هنا، فإن أي تدخل حكومي في الاقتصاد يمثل انتهاكا لهذه المبادئ، لأن الحرية الاقتصادية شرط أساسي لازدهار العقل والإبداع.
بذلك، تدعو الفلسفة الموضوعية إلى نظام اقتصادي حر يقوم على:
- احترام الملكية الفردية
- اقتصاد عدم التدخل (Laissez-Faire Capitalism)
- التبادل الحر بين الأفراد دون إكراه أو فرض قيود حكومية
الفن والموضوعية: تحويل الأفكار إلى واقع ملموس
تلعب الفنون في الفلسفة الموضوعية دورا حيويا في تجسيد القيم والأفكار الفلسفية بطريقة ملموسة يستطيع الإنسان إدراكها والتفاعل معها شعوريا. ترى راند أن الفن هو عملية انتقاء إبداعي للحقيقة يتم فيها التعبير عن الأفكار المجردة عبر أعمال مادية (مثل الروايات، اللوحات، الموسيقى)، مما يساعد الأفراد على فهم الواقع والتواصل مع المفاهيم الفلسفية الكبرى.
- لماذا اختارت راند مصطلح “الموضوعية”؟
أطلقت آين راند على فلسفتها اسم الموضوعية نظرا لإيمانها بأن المعرفة والقيم ليست ذاتية أو نسبية، بل محددة بطبيعة الواقع نفسه، وأن الإنسان لا يقوم باختراع الحقيقة، بل يكتشفها من خلال العقل والاستدلال المنطقي. وقد أشارت إلى أنها كانت تفضل مصطلح “الوجودية“ (Metaphysical Primacy of Existence)، لكن المصطلح كان قد تم استخدامه مسبقا للإشارة إلى مدرسة فلسفية أخرى.
- أبرز كتب آين راند في الفلسفة الموضوعية
عبّرت راند عن أفكارها الفلسفية أولا في رواياتها الأدبية، ثم توسّعت لاحقا في كتبها الفلسفية، ومن أبرز أعمالها:
- رواية “المنبع” (The Fountainhead)
- رواية “أطلس يستريح” (Atlas Shrugged)
- كتاب “مقدمة إلى المعرفة الموضوعية” (Introduction to Objectivist Epistemology)
- كتاب “فضيلة الأنانية” (The Virtue of Selfishness)