الاتجاه الوضعاني المنطقي في الفلسفة
الوضعانية المنطقية أو الوضعية المنطقية (تعرف أيضًا بالتجريبية الوضعانية أو الوضعانية الجديدة) (Logical positivism)، هي حركة فلسفية ظهرت في النمسا وألمانيا في العقد الثاني من القرن العشرين.
تعنى هذه الحركة الفلسفية بالتحليل المنطقي للمعرفة العلمية، حيث تؤكد أن المقولات الميتافيزيقية، أو الدينية، أو القيمية، فارغة من أي معنى إدراكي، وبالتالي، لا تعدو كونها تعبيرًا عن مشاعرَ أو رغبات. إذًا، فقط المقولات الرياضية والمنطقية، والطبيعية هي ذات معنى محدد.
من ضمن المفكرين الذين ينتمون لهذه الحركة رودلف كارنب (1891-1970)، والذي يعتبر علمًا من أعلام الحركة، هيربيرت فغل (1902-1988)، كيرت جرلينج (1866-1942)، هانز هان (1879-1934)، وكارك غوستاف همبل (1905-1997).
كان لنظرية اينشتاين النسبية تأثير كبير على أصول الوضعية المنطقية. عني فلاسفة الوضعية المنطقية بتِبيان الأهمية الفلسفية للنظرية النسبية. في 1915 و1917 كتب شليك مقالتين عن النسبية.
كما تردد هانز رايخنباخ على محاضرات اينشتاين عن النظرية النسبية في جامعة برلين سنة 1917، وكتب سنة 1920 أربعة كتب عن النسبية. أيضًا، فإن عمل كارنب الأول كان مقالات عن نظرية الفضاء نشرت سنة 1922.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ميكانيكا الكم كانت موضوعًا رئيسيًا في التحقيقات الفلسفية لهذه الحركة، ونُشِرَت أعمال لشليك ورايخنباخ عن ميكانيكا الكم. كما كان للتطورات في المنطق الصوري أثر على الوضعية المنطقية، وحضر كارنب ثلاث محاضرات في المنطق تحت إشراف جوتلب فرجيه أبي المنطق الحديث.
كما كان هناك اتصال ما بين الوضعية المنطقية ومجموعة المنطقيين البولنديين (على رأسهم جان لوكسويز، كازمير اجدكوز، والفريد تارسكي) الذين طوروا فروعًا كثيرة من المنطق المعاصر كجبر المنطق.
وافتراضات التفاضل والتكامل متعددة القيمة، وعلم دلالة المنطق. في ثلاثينيات القرن العشرين سادت الوضعية المنطقية، وأصبحت معروفة في أمريكا وأوروبا، وفاعلة بكثرة في الترويج لأفكارها الفلسفية الجديدة.
نظمت أعضاء الحركة العديد من اللقاءات حول نظرية المعرفة وفلسفة العلم: بارج (1929)، كونجسبرج (1930). بينما عرض كرت جودل النظريات، أكد كمالية التفاضل والتكامل ذو المسند ذو الرتبة الأولى.
من وجهة نظر الوضعية المنطقية فإن كل المقولات ذات المعنى يمكن تقسيمها إلى صنفين: الأول يتضمن مقولات قد تكون صحيحة أو خاطئة اعتماداً على أشكالها المنطقية أو معناها (تسمى هذه المقولات تحليلية قبلية)، والثاني يتضمن مقولات يمكن التحقق من صحتها أو خطأها فقط من خلال التجرِبة (تسمى تركيبية بعدية).
استخلص الوضعيون المناطقة مبدأ التحقق أو معيار المعنى من فلسفة فتغنشتاين المبكرة للغة. كما هو الحال في ظاهرية إرنست ماخ، إذ يعرف العقل التجربة الحسية الفعلية أو الممكنة فقط، يأخذ أصحاب مذهب التحقق المحتوى الأساسي للعلوم ليمثل التجربة الحسية فقط.
جاء بعض التأثير من تأملات بيرسي برايدغمان، التي أعلنها الآخرون بوصفها مذهبًا إجرائيًا، إذ تُفهم النظرية الفيزيائية من خلال الإجراءات المعملية التي يقوم بها العلماء لاختبار تنبؤاتها.
بالنسبة لمذهب التحقق، فإن الصفة العلمية تُعطى فقط لما هو قابل للتحقق منه، وبالتالي ذو معنى (أو ذو معنى من الناحية الإدراكية)، في حين يتسم ما هو غير قابل للتحقق منه بأنه غير علمي و«عبارات زائفة» بلا معنى (ذات معنى عاطفي فقط).
سيكون الخطاب غير العلمي، كما هو الحال في الأخلاق والميتافيزيقا، غير مناسبًا للخطاب الذي ينتجه الفلاسفة، المكلفون حديثًا بتنظيم المعرفة، لا بتطوير معرفة جديدة.
تُعد الوضعية المنطقية في بعض الأحيان قالبًا نمطيًا بصفتها حديثًا ممنوعًا عما هو غير قابل للملاحظة، مثل الكيانات الميكروسكوبية أو تلك المفاهيم مثل السببية والمبادئ العامة، ولكن يُعتبر هذا الأمر مبالغة.
بدلًا من ذلك، يرى معظم الوضعيين الجدد أن الحديث عما هو غير قابل للملاحظة مجازٌ أو إيجازٌ: صيغت الملاحظات المباشرة بشكل تجريدي أو غير مباشر.
لذلك، ستحقق المصطلحات النظرية المعنى من مصطلحات الملاحظة عن طريق قواعد التطابق، ويمكن رد القوانين النظرية بهذه الطريقة إلى القوانين التجريبية. فمن خلال النزعة المنطقية عند بيرتراند راسل، أي رد الرياضيات إلى المنطق.
فسوف تُحول الصيغ الرياضية للفيزياء إلى منطق رمزي. ومن خلال الذرّية المنطقية لدى راسل، فإن اللغة العادية تنقسم إلى وحدات منفصلة من المعنى.
إذن، من شأن إعادة البناء العقلاني أن يحول العبارات العادية إلى مكافئات موحدة، وكلها مرتبطة بشبكة ومتحدة من خلال التركيب المنطقي للجملة. سوف تُعرف النظرية العلمية بمنهج التحقق منها، إذ يمكن للحساب المنطقي أو العمليات التجريبية أن يتحققا من صدقها أو كذبها.
فرّ الوضعيون المناطقة في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين من ألمانيا والنمسا إلى بريطانيا والولايات المتحدة. بحلول ذلك الوقت، استبدل العديد منهم بظاهرية ماخ المذهبَ الفيزيقي لأوتو نيوراث.
إذ لا يكون محتوى العلم إحساساتِ فعلية أو محتملة، ولكن تكون عوضًا عن ذلك كيانات قابلة للملاحظة العلنية. سعى رادولف كارناب، الذي أضاء الوضعية المنطقية في حلقة فيينا، إلى الاستعاضة عن مبدأ التحقق بمبدأ بسيط في التأكيد.
أصبحت الوضعية المنطقية مع انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 أكثر اعتدالًا، وعُرفت باسم التجريبية المنطقية، وقادها في العموم كارل همبل في أمريكا، وهو الذي شرح نموذج قانون التغطية للتفسير العلمي.
أصبحت الوضعية المنطقية الركيزة الأساسية للفلسفة التحليلية، وهيمنت على الفلسفة في العالم الناطق باللغة الإنجليزية، بما في ذلك فلسفة العلم، مع التأثير في العلوم، ولكن على وجه خاص العلوم الاجتماعية، في ستينيات القرن العشرين.
ومع ذلك، فشلت الحركة في حل مشكلاتها المحورية، وتزايد النقد الموجه لتعاليمها، وبشكل أكثر حدة من جانب ويلارد فان أورمان كواين، ونوروود هانسن، وكارل بوبر، وتوماس كون، وكارل هيمبل.
قدمت الرسالة المنطقية الفلسفية للودفيغ فتغنشتاين الشاب الفلسفةَ على أنها «نقد للغة»، ما يتيح إمكانية التمييز المبدئي من الناحية النظرية بين الخطاب الخالي من المعنى والخطاب المعقول. اتبعت الرسالة نظرية التطابق في الصدق (مقابل نظرية الاتساق في الصدق).
ظهر تأثير فتغنشتاين أيضًا في بعد المنطوقات الخاصة بمبدأ قابلية التحقق. في مذهب التراكتارية، كانت حقائق المنطق طوطولوجيا أو تحصيلَ حاصل، وهي الرؤية التي كانت مقبولة على نطاق واسع لدى الوضعيين المناطقة الذين كانوا متأثرين بتفسير فتغنشتاين للاحتمال، رغم عثور بعضهم على محتوى كثير من الميتافيزيقا في الرسالة، وذلك وفقًا لنيوراث.