الاتجاه الشَّكي في الفلسفة
- الفلسفة الشكية:
في الفلسفة الشكية، البيرونية (pyrrhonism) (التي تعني مذهب الشك المطلق) هي معتقد يحجم عن اعتناق زعم يدعي الحقيقة. الفيلسوف الشكي لا يدعي بأن الحقيقة مستحيلة (الأمر الذي يساوي الزعم بالحقيقة).
الإمبيريقية تتصل بالشكية بشكل وطيد، ولكن لا تطابقاها. الإمبيريقيون ينظرون إلى مذهبهم على أنه يتوسط بشكل براغماتي بين الفلسفة الشكية والعلم التشريعي (nomothetic science) ، من أجل ذلك، تسمى الشكية أحيانا “الإمبيريقية الراديكالية “.
نشأت الفلسفة الشكية في الفلسفة اليونانية القديمة. السفسطائيون اليونانيون في القرن الخامس قبل اليلاد كانوا في الأغلب شكيون. البيروونية كانت مدرسة من مدارس الشكية، أسسها أنيسيديموس في القرن الأول قبل الميلاد وسجلها سيكستوس إمبيريكوس في أواخر القرن الثاني أو أوائل الثالث الميلادي.
كان أول مناصريها هو بيروو الإيلي ، الذي سافر وكان مهتما بالعلم، الأمر الذي أوصله إلى الهند، وقد تبنى مذهب الشكية “العملية”. على إثر ذلك، طور كل من أرسيسيلاوس (315-241 ق.م) وكارنيدس (213-129 ق.م)،
طورا في “الأكاديمية الجديدة” منظورات تقتضي بأن الصح والخطأ المطلقان لا بد من دحضهما على أساس اللايقين. كارنيدس انتقد آراء الدوغماتيين، خصوصا الرواقيين، مؤكدا أن التأكد المطلق من معرفة يعد أمر مستحيل.
الشكيون الإغريق انتقدوا الرواقيين ، وذلك باتهامهم بالدوغماتية.
في الفلسفة الإسلامية، كان الغزالي (1058-1111)، هو من أوجد مذهب الشكية، كجزء من المدرسة الأشعرية. هناك من يجادل بأن أفكار الفيلسوف ديكارت في عمله ” حديث الطريقة ” من المحتمل أن يكون قد تأثر بعمل الغزالي الذي يشابه ديكارت في منهجه.
ينسب لديكارت فضل تطوير شكية عالمية كطريقة في التفكير، في محاولته لإيجاد حتمية مطلقة يبني عليها فلسفته. كما يعد الفيلسوف البريطاني، ديفيد هيوم، أيضا شكيا عالمي. على أن ديكارت نفسه لم يكن شكيا، بل طور نظريته في اليقين المطلق بهدف دحض نظريات شكيين آخرين حاججوا بأنه ليس ثمة يقين.
كحركة أو مدرسة فلسفية، بدأت الشكوكية في اليونان القديمة. كان لبعض السفسطائيين آراء شكوكية. جادل غورغياس –على سبيل المثال- أكثر من مرة أنه لا يوجد شيء، وحتى إن كان هناك شيء ما فلن يمكننا معرفته، وأنه حتى إن عرفنا فلن نستطيع التواصل معه.
رفض كراتيلوس السفسطائي الآخر مناقشة أي شيء وكان يلوي فقط إصبعه، مدعيا أن التواصل مستحيل لأن المعاني تتغير باستمرار.
كان لناقد السفسطائيين الرئيسي سقراط أيضا ميولا شكوكية، حيث ادعى أنه لا يعرف شيئا، أو على الأقل لا يعرف شيئا له قيمة.
كان هناك مدرستان رئيسيتان للشكوكية في العالم اليوناني والروماني القديم. الأولى كانت البيرونية والتي أسسها الفيلسوف بيرو (360 – 270 ق.م) . الأخرى هي الشكوكية الأكاديمية والتي تُسمى ذلك لأن مدافعيها الرئيسيين أركسيلاوس (315 – 240 ق.م) وكارنياديس (217 – 128 ق.م) كانا رؤساء أكاديمية أفلاطون.
أنكرت مدرستا الشكوكية أن المعرفة ممكنة ودعوا إلى تعليق الحكم من أجل السكينة العقلية. كان الفرق الرئيسي بين المدرستين يمكن في أن الشكوكية الأكاديمية ادعت أن بعض الاعتقادات أكثر عقلانية أو احتمالية من الأخرى، بينما جادلت الشكوكية البيرونية أن الجدالات المفروضة بالتساوي يمكن تقديمها لصالح أو ضد أن رأي عليه خلاف.
فُقدت تقريبا كل الكتابات عن الشكوكية القديمة. يأتي معظم ما نعرفه عن الشكوكية القديمة من سيكستوس إمبيريكوس، وهو من فلاسفة الشكوكية البيرونية والذي عاش في القرن الثاني أو الثالث الميلادي. احتوى عمله الأهم “خلاصة البيرونية” على ملخص واضح لمخزون كبير من الجدالات الشكوكية.
تلاشت الشكوكية القديمة أثناء أواخر الإمبراطورية الرومانية، خاصة بعد أن هاجم أوغسطين (354 – 430 ق.م) الشكوكيين في عمله “ضد الأكاديمية” (386 ق.م). كان هناك علم قليل واهتمام قليل بالشكوكية القديمة في أوروبا المسيحية أثناء العصور الوسطى.
عاد الاهتمام من جديد أثناء عصر النهضة والإصلاح، خاصة بعد ترجمة الكتابات الكاملة لسيكستوس إمبيريكوس إلى اللاتينية في 1569. نشر العديد من الكتّاب الكاثوليك أمثال فرانشيسكو سانشيز (1550 – 1623) وميغيل دي مونتاني (1533 – 1592) وبيير غاسيندي (1592 – 1655) ومارين ميرسن (1588 – 1648) الجدالات الشكوكية القديمة للدفاع عن الأشكال المتوسطة من الشكوكية ولكي يجادلوا أن الإيمان –بدلا من المنطق- يجب أن يكون المرشد الرئيسي نحو الحقيقة.
قدم المفكر البروتستانتي بيير بايل عروضا مماثلة لاحقا في عمله المؤثر القاموس التاريخي النقدي (1697 – 1702).
أدت الشعبية المتزايدة للآراء الشكوكية إلى ظهور أزمة فكرية في أوروبا في القرن السابع عشر. أتى أحد الردود الرئيسية من الفيلسوف الفرنسي وعالم الرياضيات رينيه ديكارت (1596 – 1650). في عمله الكلاسيكي تأملات ميتافيزيقية في الفلسفة الأولى (1641)، سعى ديكارت إلى دحض الشكوكية ولكن فقط بعد أن جعل قضية الشكوكية أقوى ما أمكنه.
جادل ديكارت أنه بغض النظر عن كل الاحتمالات الشكوكية المتطرفة التي يمكننا تخيلها، إلا أنه لا يزال هناك حقائق معينة (مثل أن التفكير يحدث أو أنني موجود) والتي تُتعبر مؤكدة قطعا. وبالتالي، كان الشكوكيون القدماء مخطئين في ادعاء أن المعرفة مستحيلة.
حاول ديكارت أيضا نقض الارتياب الشكوكي بخصوص إمكانية الاعتماد على حواسنا وذاكرتنا وملكاتنا الإدراكية. ليفعل ذلك، حاول ديكارت إثبات وجود الله وأن الله لن يسمح بخداعنا نظاميا بخصوص طبيعة الواقع. يشكك العديد من الفلاسفة المعاصرين في نجاح الجزء الثاني من نقد ديكارت للشكوكية.
في القرن الثامن عشر، ظهرت قضية جديدة قوية للشكوكية والتي قدمها الفيلسوف الإسكتلندي ديفيد هيوم (1711 – 1776). كان هيوم فيلسوفا تجريبيا، حيث ادعى أن كل الأفكار الأصلية يمكن تتبعها للخلف إلى انطباع أصلي للحس أو الوعي المتجه.
جادل هيوم بقوة أنه على الأرضية التجريبية ليس هناك أسباب عقلانية للإيمان بالله، أو النفس الخالدة والروح، أو العالم الخارجي، أو الحتمية السببية، أو الأخلاقية الموضوعية، أو التبرير الاستقرائي. في وجهة نظر هيوم، الأساس الفعلي لإيمان البشر ليس المنطق وإنما العادات والهواية.
بهذه الطريقة، مدح هيوم ما أسماه الشكوكية “المخففة”، بينما رفض الشكوكية البيرونية “الشديدة” والتي اعتبرها غير عملية ومستحيلة نفسيا.
أثارت شكوكية هيوم عددا من الردود الهامة. تحدى معاصر هيوم الإسكتلندي توماس ريد (1710 – 1796) تجريبية هيوم الصارمة وجادل أنه من المنطقي أن نقبل معتقدات “الفطرة السليمة” مثل صحة الاعتماد على حواسنا ومنطقنا وذكرياتنا ومنطقنا الاستقرائي، على الرغم من أنه لا يمكن إثبات أيا من هذه الأشياء.
في وجهة نظر ريد، مثل هذه المعتقدات الخاصة بالفطرة السليمة هي معتقدات أساسية ولا تتطلب أدلة حتى يمكن تبريرها عقلانيا.
بعد فترة ليست طويلة من وفاة هيوم، جادل الفيلسوف الألماني الكبير إمانويل كانط (1724 – 1804) أن الوعي الأخلاقي البشري ليس له معنى إلا إذا رفضنا استنتاجات هيوم الشكوكية حول وجود الله والروح وحرية الإرادة والحياة الآخرة.
طبقا لكانط، في حين كان لهيوم الحق في ادعاء أنه لا يمكننا بصرامة معرفة أيا من هذه الأشياء، إلا أن تجاربنا الأخلاقية تسمح لنا في أن نؤمن بها، واليوم، تستمر الشكوكية في كونها موضوع نقاش حي بين الفلاسفة.