نظرية المعرفة – Epistemology
نظريّة المعرفة (Epistemology) هي دراسة لطبيعة المعرفة، الشّرح التبرير، وعقلانيّة الاعتقاد أو الإيمان. يوجد جدل كبير حول مراكز نظريّة المعرفة التي تتفرع إلى أربع مناطق:
- التحليل الفلسفي لطبيعة المعرفة ومدى ارتباطها بمفاهيم مثل الحقيقة، والمعتقد والتّبرير.
- مشاكل ومواضيع التّشكيك المختلقة.
- مصادر ومجالات المعرفة والمعتقدات المُبرّرة.
- معايير المعرفة والتّبرير.
- تتناول نظريّة المعرفة أسئلة مثل «ما الذي يجعل المعتقدات المبرّرة مُبرّرة؟»، «ماذا يعني أن نقول أنّنا نعرف شيئاً ما؟»؛ وبشكل أساسي ورئيسي «كيف نعلم أنّنا نعلم؟»
- أصل المصطلح
يعود أصل مصطلح إبستيمولوجيا والذي يعني نظرية المعرفة إلى كلمتي إبستميي والتي تعني المعرفة باللغة اليونانية القديمة ولوجيا التي تعني الخطاب المنطقي.
سبق ظهور المصطلح باللغة الإنجليزية ظهوره باللغة الألمانية بعنوان Wissenschaftslehre (والذي يعني نظرية العلوم)، وقدّم هذا المصطلح الفلاسفة يوهان فيشته وبرنارد بولزانو في أواخر القرن الثامن عشر.
ظهرت كلمة إبستيمولوجيا للمرة الأولى في عام 1847، وذلك خلال استعراض في مجلة إلكترك من نيويورك. استُخدمت الكلمة لأول مرة ترجمة لمصطلح ويسينشافتلير في رواية فلسفية للمؤلف الألماني جان بول:
يُعتبر «ويسينشافتلير» عنوان أحد أهم أعمال فيتشه، وفيه نستخلص الإبستيمولوجيا بعد مضاهاة التقنية.
في عام 1854، أدخل الفيلسوف الأسكتلندي جيمس فريدريك فيرير كلمة إبستيمولوجيا بصورة سليمة في الأدب الفلسفي الإنجليزي، واستخدمها في كتاب معاهد الميتافيزيقيا:
يُسمى هذا القسم من العلم كما يجب بالإبستيمولوجيا –مذهب أو نظرية المعرفة، تمامًا كما هو الحال في الأنطولوجيا والتي تعني علم الوجود، ويجيب على السؤال العام، «ما هو الإدراك والمُدرَك؟» –أو أكثر من ذلك قليل، «ما هي المعرفة؟».
تجدر الإشارة إلى أن المصطلح الفرنسي (épistémologie) يُستخدم بمعنى مختلف وأضيق بكثير من مصطلح إبستيمولوجيا الإنجليزي، إذ يستخدمه الفلاسفة الفرنسيون للإشارة فقط إلى فلسفة العلوم.
فعلى سبيل المثال، بدأ إيميل مايرسون كتابه «الهوية والواقع»، الذي كُتب في عام 1908، بملاحظة مفادها أن الكلمة «أصبحت حاليًا تعادل فلسفة العلوم.»
- تاريخ نظرية المعرفة
كمجال متميز في الاستقصاء، يسبق مفهوم إبستيمولوجيا إدخال المصطلح في قاموس الفلسفة. وصف جون لوك، على سبيل الذكر، جهوده في عمله مقال خاص بالفهم البشري (1689) بأنها «تحقيق في أصل المعرفة الإنسانية وثباتها ونطاقها، علاوة على أسس ودرجات الاعتقاد والرأي والموافقة.»
ووفقًا لبريت وارن، فإن سمة المعرفة في كتاب ديمونولوجي للملك جيمس السادس ملك اسكتلندا (1591) «كان المقصود منها أن تكون تجسيدًا لما قد يصبح فيما بعد معروفًا بالإبستيمولوجيا: استكشاف الاختلافات بين الاعتقاد المبرر وبين رأيه.»
نظر معظم الفلاسفة التاريخيين البارزين في الاستفسارات حول ما نعرفه وكيف نعرفه. من بين الفلاسفة اليونانيين القدماء، ميز أفلاطون بين التحري عن ما نعرفه والتحري عن ما هو موجود، ولا سيما في أعماله الجمهورية والثئيتتس ومينو. ظهرت العديد من شواغل نظرية المعرفة المهمة في أعمال أرسطو.
خلال الفترة الهلنستية اللاحقة، بدأ ظهور المدارس الفلسفية التي ركزت بشكل كبير على المسائل الإبستيمولوجية، وغالبًا ما كان ذلك على هيئة الشكوكية الفلسفية.
على سبيل الذكر، رأت الشكوكية البيرونية التي أسسها الفلاسفة بيرو وسيكستوس إمپيريكوس أنه من الممكن تحقيق اليودايمونيا (السعادة أو الرخاء أو الحياة الجيدة) من خلال تطبيق الإيبوكي (تعليق الحكم) فيما يتعلق بجميع الأمور غير الواضحة.
اهتمت البيرونية بشكل خاص بتقويض الرواقية الإبستيمولوجية والأبيقورية. كانت المدرسة الرئيسية الأخرى من الشكوكية الهلنستية هي الشكوكية الأكاديمية، والتي دافع عنها كارنياديس وأركسيلاوس بصورة ملحوظة، وسادت في الأكاديمية الأفلاطونية نحو قرنين من الزمان.
في الهند القديمة، عززت مدرسة أجنانا التابعة للفلسفة الهندية القديمة الشكوكية. كانت أجنانا حركة سمنية ومنافسًا رئيسيًا للبوذية المبكرة والجاينية ومدرسة الآجيفيكا.
رأوا أنه من المستحيل الحصول على معرفة بالطبيعة الميتافيزيقية أو التأكد من القيمة الحقيقية للاقتراحات الفلسفية، وإن كانت المعرفة ممكنة، فإنها غير مجدية وغير مؤاتية للخلاص النهائي. تخصصت هذه المدرسة بالدحض بدون نشر أي مذهب إيجابي خاص بها.
بعد العصر الفلسفي القديم وقبل العصر الفلسفي الحديث، اشترك عدد من الفلاسفة في العصور الوسطى كذلك بطرح أسئلة إبستيمولوجية مطولة. من أبرز المساهمين في نظرية المعرفة توما الأكويني وجون دانز سكوطس ووليم الأوكامي.
في العصر الذهبي الإسلامي الذي ازدهر قبل عصر التنوير في أوروبا. كتب أبو حامد الغزالي، أحد أبرز الفلاسفة اللاهوتيين والحقوقيين والمنطقيين والصوفيين وأكثرهم تأثيرًا ما يتجاوز 70 كتابًا، بما في ذلك أشهر أعماله في عام 1107، سيرته الذاتية الروحية، المنقذ من الضلال.
سعى الغزالي في هذا الكتاب إلى معرفة ما الذي بإمكاننا أن نتأكد منه: ما هي المعرفة الحقيقية وليس مجرد الرأي؟ ولتحقيق هذا الهدف، بدأ النظر في أنواع الامور التي يمكن أن نعرفها. تضمن ذلك دراسة للإبستيمولوجيا، نظرية المعرفة.
برزت الإبستيمولوجيا في الفلسفة أثناء الفترة الحديثة المبكرة، والتي عادة ما يقسمها المؤرخون إلى نزاع بين التجريبيين (بما في ذلك جون لوك وديفيد هيوم وجورج بيركلي) والعقلانيين (بما في ذلك رينيه ديكارت وباروخ سبينوزا وغوتفريد لايبنتس).
غالبًا ما كان النقاش بينهما يتلخص في استخدام مسألة ما إذا كانت المعرفة تأتي في المقام الأول من الخبرة الحسية (التجريبية)، أو ما إذا كان جزء كبير من معارفنا مستمد بالكامل من مدرسة المنطق (العقلانية).
يرى بعض العلماء أن إيمانويل كانت عمل على تسوية هذا النزاع في أواخر القرن الثامن عشر، والذي أفسحت عقيدة المثالية المتعالية التي أسسها المجال للرأي القائل بأنه «على الرغم أن جميع معارفنا تبدأ بالخبرة.
لا يعني ذلك بأي حال أن جميع المعرفة ناشئة عن الخبرة.» بينما شهد القرن التاسع عشر انخفاضًا في الاهتمام بالقضايا الإبستيمولوجية، برزت مجددًا مع ظهور فلاسفة تجريبيو فيينا وتطوير الفلسفة التحليلية.
- التأريخ المعاصر
يوظف الباحثون العديد من الأساليب المختلفة عند محاولة فهم العلاقة بين نظرية المعرفة الماضية والمعاصرة. من بين الأسئلة الأكثر إثارة للجدل: «هل يتعين علينا افتراض أن مشاكل نظرية المعرفة هي مشاكل دائمة،
وهل محاولة إعادة بناء حجج أفلاطون أو هيوم أو كانت وتقييمها مفيدة للمناقشات التي تدور حاليًا كذلك؟» على نحو مماثل، توجد كذلك مسألة ما إذا كان ينبغي للفلاسفة المعاصرين أن يهدفوا إلى إعادة بناء الآراء التاريخية في نظرية المعرفة وتقييمها، أم عليهم الاكتفاء بوصفها.
يجادل باري سترود أن دراسة نظرية المعرفة يتطلب بكفاءة الدراسة التاريخية للمحاولات السابقة لإيجاد فهم فلسفي لطبيعة المعرفة البشرية ونطاقها.
ذكر كذلك أنه بالنظر إلى أن الاستكشاف قد يتقدم بمرور الوقت، قد لا ندرك مدى الاختلاف بين الأسئلة التي يطرحها أخصائيو نظرية المعرفة المعاصرون وتلك التي طُرحت في مختلف مواطن تاريخ الفلسفة.