مدخل إلى “إيساغوجي”
كما هو معلوم، يشتمل الأورغانون على ثماني رسائل تتناول المنطق الأرسطي، وبجانب هذه الرسائل، أضاف فورفوريوس الصوري (أحد شراح أرسطو في القرن الثاني بعد الميلاد) مقدمة أو مدخلا للمنطق الأرسطي سميت بـ؛ “إيساغوجي“. فماذا تتناول هذه المقدمة وهذا المدخل؟
سنحاول ملامسة جواب هذا السؤال في السطور الموالية علما أن المهتم بالفلسفة وبالمنطق عليه معرفة أهم ما جاء في ايساغوجي، لأنه مدخل إلى المنطق الأرسطي، والمنطق الأرسطي مدخل إلى الفلسفة.
من بين الكتب التي اشتغلنا عليها ، معيار العلم للإمام أبي حامد الغزالي، ولحد التقريب لابن حزم ، وتلخيص كتاب المقولات لأبن رشد، وكذلك رسائل إخوان الصفا خاصة الجزء الأول.
ولفهم المدخل إلى المنطق ، فضلنا تفاسير إخوان الصفا لتبسيطهم وشروحهم للمفاهيم الأساسية في هذا المدخل مع اجتناب المصطلحات المبهمة والغامضة وغير الفاشية بلغة ابن حزم .
لقد قسم إخوان الصفا رسائلهم الذي يصل عددهم إلى 52 رسالة ورسالة جامعة إلى أربعة أقسام : الرياضيات والطبيعيات والمنطقيات ثم الإلهيات . وضمن القسم الخاص بالمنطق توجد شروحات لأهم ما جاء في ايساغوجي وفي قاطيغورياس ثم باري مانياس.
لقد جاء في صفحة 390 من الجزء الأول ما يلي : نعلم إن الألفاظ التي يستعملها المناطقة والفلاسفة في أقاويلها وإشاراتها في المعاني التي في أفكار البشر خمسة أنواع:
اثنتان منها دالتان على الأعيان التي هي موصوفات ( الموصوف هو الدال على الشيء المشار إليه) وثلاثة منها دالة على المعاني التي هي الصفات(الصفة هي معنى متعلقة بالموضوع).
والألفاظ الدالة على الموصوفات هي : الجنس والنوع والألفاظ الدالة على الصفات هي : الفصل والخاصة والعرض العام . ويسمي المناطقة والفلاسفة هذه الألفاظ الخمس ب الكليات الخمس أو بلغة أهل يونان ايساغوجي (1).
- بعض الشروحات للألفاظ الخمس مع أمثلة
الجنس : هو كل لفظة يشار إلى كثرة مختلفة الصور تعمها كلها صورة أخرى (2)، كالحيوان يعم الناس كلهم ، والسباع والطيور والسمك وحيوان الماء أجمع ، وهي كلها صور مختلفة يعمها الحيوان (3).
النوع : فالناس و السباع والطيور والسمك هي أنواع تقع تحت جنس الحيوان(قد يجمع الجنس أنواعا كثيرة).
الفصل : ( يربطه ابن حزم بين الذاتي والغيري ويربطه الغزالي بين الذاتي والعرضي) لقد درس الفلاسفة الأوائل طبيعة الأشياء : فمنها من يملك صفة (صفات ) لا تفارقها قط ولا ترفع إلا بفسادها (حرارة النار) وهذا القسم من الكلام يسمى ذاتيا.
ومنها من يملك صفة (صفات ) قد تفارقها كليا أو جزئيا ولا يفسد الشيء بمفارقتها إياه (بيوضة الثلج وسواد القير ). وهذا القسم يسمى غيريا آو عرضيا.
فضمن القسم الذاتي يطرح السؤال التالي : ما هذا ؟ فيقال لك انه جسم . فيقال لك أي الأجسام ؟ (الأجسام كثيرة ). فيقال لك النامي. و يقال لك أي النماة هو ؟ فيقال لك هو ذو العصف والخوص والورق والجريد.
فالجسم جنس والنامي نوع وذو الصعف فصل أي يفصل بين الجنس والنوع (4).
وبالنسبة إلى المثال المشهور : الإنسان حيوان ناطق : فالإنسان (نوع) والحيوان (جنس ) والناطق (فصل).
فالفصل صفة ذاتية تميز الأشياء عن غيرها . ويقال في الشيء انه يخالف غيره بفصل خاص(5).
- الخاصة : le propre
لفهم هذه الميزة نطرح السؤال التالي : بماذا نفرق بين الفصل والخاصة ؟
الفصل صفة تنعدم بانعدام الموصوف (حرارة النار وبرودة الماء) . أما الخاصة فبطلان ذلك يبطل الصفة ولم يبطل الموصوف (بياض الثلج وسواد القير وحلاوة العسل ) (6) .
والخاصة هي صفة غيرية (عرضية غير ذاتية ) للنوع وتشكل خاصية مميزة له .
ويمثل فورفوريوس عليها بأمثلة منها : ذو الرجلين و الضحاك (7) .ففي المثال التالي :
الإنسان حيوان ناطق ذو الرجلين: فالإنسان (نوع ) وحيوان (جنس ) وناطق (فصل ) وذو الرجلين ( خاصة ).
العرض : صفة عرضية تبطل من غير فساد الموضوع له (الموصوف) .وهي صفة مغايرة لصفة الفصل والخاصة (8).
- جنس الأجناس / نوع الأنواع :
لقد أثار انتباه فورفوريوس الصوري الاختلاف بين الأجناس والأنواع ، مما دفعه إلى القول ب . جنس الأجناس ونوع الأنواع وما بينهما من حالة توسط.
يشكل جنس الأجناس أعلى الأجناس كلها أو ليس له نسبة إلى شيء قبله . أما نوع الأنواع فليس له نسبة إلى ما دونه بل تقع بين الاثنين حالة توسط (9).
ويعتبر أرسطو المقولات العشر أجناسا عليا التي هي موضوع قاطيغورياس.
- هوامش
(1) لقد أضاف إخوان الصفا لفظ الشخص وأصبحت الكليات عندهم ستة
(2)إخوان الصفا. الرسائل . ج1.دار صادر . بيروت . 1957. ص395
(3)نفس الصدر . ص395
(4) ابن حزم . لحد التقريب .دار الكتب العلمية . بيروت .تحقيق أحمد فريد المزيدي . ص20
(5)نفس المصدر .ص35 . هامش 1
(6) نفس المصدر . ص37
(7) نفس المصدر . ص 37
(8) نفس المصدر . ص35 .هامش 2
(9) نفس المصدر . ص 25 .هامش 1
- المراجع
–إخوان الصفا . الرسائل .ج1 دار صادر .بيروت.1957
–ابن حزم . التقريب لحد التقريب. تحقيق احمد فريد المزيدي . دار الكتب العلمية . بيروت .
–الغزالي معيار العلم.شرح احمد شمس الدين . دار الكتب العلمية . بيروت . ط1. 1990
-الغزالي . محك النظر في المنطق . تحقيق أحمد فريد المزيدي . دار الكتب العلمية . بيروت .
–ابن رشد . فصل المقال . المؤسسة العربية .دراسة وتحقيق محمد عمارة . ط3 .1986.