شعر

“أَتَذَكَّرُ السَّيَّابَ، يَصرُخُ في الخَليجِ سُدىً” – محمود درويش

 

أَتَذَكَّرُ السَّيَّابَ، يَصرُخُ في الخَليجِ سُدىً:
(( عِراقُ، عِراقُ، ليسَ سِوى العِراق …))
وَلَيسَ يَرِدُّ إلَّا الصَّدى.
أَتَذَكَّرُ السَّيَّابَ، فِي هَذا الفَضَاءِ السُّومَريّ
تَغَلَّبَتْ أُنثى عَلَى عُقْمِ السَّدِيمِ
وَأَورَثَتْنَا الأَرضَ وَالمَنفَى مَعَاً
أَتَذَكَّرُ السَّيَّابَ … إِنَّ الشِّعْرَ يُولدُ فِي العِراق
فَكُنْ عِراقيَّاً لِتُصبِحَ شَاعِراً يا صَاحِبِي!
أَتَذَكَّرُ السَّيَّابَ لَمْ يَجِدِ الحَيَاةَ
كَمَا تَخَيَّلَهَا بَينَ دجلة وَالفُرات، فَلَمْ يُفَكِّرْ
مِثل جِلجامشِ بِأعشَابِ الخُلُودِ
وَلَمْ يُفَكِّرْ بِالقِيامةِ بَعْدَها …
أَتَذَكَّرُ السَّيَّابَ، يَأخُذُ عَنْ حَمُورابي
الشَّرائِعَ كَي يُغطِيَ سَوءَةً،
وَيَسِيرُ نَحوَ ضَرِيحِهِ مُتصُوفاً.
أَتَذَكَّرُ السَّيَّابَ حِينَ أُصابُ بِالحُمَّى
وَأَهذِي: إِخوتِي كَانُوا يُعِدُّونَ العَشَاءَ
لِجَيشِ هُولاكو، وَلا خَدَمٌ سِواهم… إخوتي!
أَتَذَكَّرُ السَّيَّابَ، لِمَ نَحلُمُ بِمَا لا
يَستَحِقُّ النَّحْلُ مِنْ قُوتٍ، وَلِمَ نَحلُمُ
بِأكثَرِ مِنْ يَدينِ صَغِيرتِينِ تُصَافِحانِ غِيَابَنَا
أَتَذَكَّرُ السَّيَّابَ، حَدَّادُونَ مَوتى يَنْهَضُونَ
مِنَ القُبُورِ وَيَصْنَعُونَ قُيودَنَا
أَتَذَكَّرُ السَّيَّابَ، إِنَّ الشِّعْرَ تَجربةٌ وَمَنفى
تَوأمانِ. وَنَحنُ لَمْ نَحلُمْ بِأَكثَرِ مِنْ
حَيَاةٍ كَالحَياةِ، وَأَنْ نَمُوتَ عَلَى طَرِيقَتِنَا
(( عِراقُ
عِراقُ
لَيسَ سِوى العِراقْ))

——————————

عن ديوان (لا تعتذر عمّا فعلت)
محمود درويش ” شاعر فلسطيني “

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى