إن أول إعلان شعري في التاريخ كان في شكل بيتٍ من الشعر؛ نظمه الشاعر ربيعة بن عامر؛ الملقب بالدارِمِـيّ؛ لما حضر إليه أحد التجار يشكو نفاذ كل الخُمُر (جمع خِمار) التي يبيعها عدا السوداءَ منها، فلم يشترِها أحد منه، فنظم الشاعر قصيدة قال فيها:
قـل للمليحـة فـي الخِمــار الأســـودِ ****** مـاذا فَعلــتِ بِــزاهــدٍ مُـتـعـبِّـــدِ
قال الأصمعي: قدم عراقي بعدل من خمر العراق الى المدينة، فباعها كلها إلا السود، فشكا ذلك الى الدارمي، وكان قد تنسك وترك الشعر ولزم المسجد فقال: ما تجعل لي على أن أحتال لك بحيلة حتى تبيعها كلّها على حكمك؟ قال: ما شئت!! قال: فعمد الدارمي إلى ثياب نسكه! فألقاها عنه وعاد إلى مثل شأنه الاول، وقال شعرا ورفعه إلى صديق له من المغنين، فغنى به وكان الشعر:
قل للمليحة في الخمار الأسود … ماذا فعلت بزاهد متعبّد
قد كان شمّر للصلاة ثيابه … حتى خطرت له بباب المسجد
ردّي عليه صلاته وصيامه … لا تقتليه بحقّ دين محمد
فشاع هذا الغناء في المدينة: وقالوا: قد رجع الدارمي وتعشق صاحبة الخمار الاسود. فلم تبق مليحة بالمدينة الا اشترت خمارا اسود، وباع التاجر جميع ما كان معه؛ فجعل إخوان الدارمي من النساك يلقون الدارمي فيقولون: ماذا صنعت؟
فيقول: ستعلمون نبأه بعد حين. فلما أنفذ العراقي ما كان معه، رجع الدارمي إلى نسكه ولبس ثيابه.
من كتاب : العقد الفريد
للمؤلِّفِه : ابن عبد ربه الأندلسي
هو أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه شاعر أندلسي، وصاحب كتاب العقد الفريد. امتاز بسعة الاطلاع في العلم والرواية والشعر. كتب الشعر في الصب والغزل، ثم تاب وكتب أشعارًا في المواعظ والزهد سماها “الممحصات”.