اقتباسات

قبة الصخرة المشرفة

تعتبر قبة الصخرة المشرفة أحد أهم المعالم المعمارية الإسلامية في العالم، فهي أقدم بناء أقيم في العهد الإسلامي بقي محافظا على شكله الهندسي الأصلي وعناصره المعمارية والزخرفية في الأغلب من دون تغيير.


وتضيف العناصر المعمارية في قبة الصخرة رونقا لا يضاهى، حتى أن نظريات كثيرة قد بحثت ونشرت بشأن تفسير بناء هذه القبة، وشكلها، وسبب بنائها على هذا الأساس المميز والمختلف عن جميع الأبنية ذات الصبغة الدينية في عصور المسلمين كلها.

  • البناء

بنى قبة الصخرة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وبدأ العمل في بنائها عام 66 هـ/685 م، وتم الفراغ منها عام 72 هـ/691 م، وأشرف على بنائها المهندسان رجاء بن حيوة الكندي وهو من التابعين المعروفين وأصله من مدينة بيسان في فلسطين، ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو مهندس من القدس.

وقبة الصخرة بناء مثمن الأضلاع، ويتوسط البناء الصخرة المشرفة، وترتفع هذه الصخرة نحو متر ونصف المتر عن أرضية البناء، وهي غير منتظمة الشكل يتراوح قطرها بين 13 و18 مترا، وتعلو الصخرة في وسط المبنى قبة دائرية قطرها حوالي عشرين مترا.

والشكل العام المثمن لمبنى القبة يقوم على صفين من الأعمدة، يتكون كل صف منها من مجموعة من الأعمدة الكبيرة المستطيلة التي تسمى “المدامك”، ومجموعة من الأعمدة الرخامية الصغيرة الأسطوانية، ويبلغ عدد المدامك في الصف الخارجي ثمانية يقوم عليها المبنى الرئيسي، وبين كل اثنين منها يوجد عمودان صغيران، ويكون بالتالي مجموع هذه الأعمدة الصغيرة في التثمينة الخارجية 16 عمودا.

أما الصف الداخلي فيحيط بالصخرة نفسها ويحتوي على أربعة مدامك كبيرة، وبين كل اثنين منها ثلاثة أعمدة صغيرة يكون مجموعها بالتالي 12 عمودا، وهذه المدامك الأربعة الداخلية هي الأساس الذي تقوم عليه رقبة القبة نفسها.

وفي الجانب القبلي من الصخرة تقع “مغارة الأرواح”، وهي مغارة طبيعية صغيرة تقع في جوف الصخرة من ناحية القبلة، وتتسع لنحو أربعين شخصا، وفيها ثقب في جسم الصخرة ينفذ إلى الأعلى بقطر بين أربعين وخمسين سنتيمترا، ويستخدم لإضاءة المغارة، وذكرت فيه خزعبلات وأساطير كثيرة، أهمها أنه تشكل بفعل “إصبع جبريل عليه الصلاة والسلام”، أو أنه “خرق بسبب صعود النبي صلى الله عليه وسلم منه إلى السماء ليلة الإسراء والمعراج”، والصواب أن هذا الثقب من عمل الصليبيين.

  • قباب وزخارف

ويوجد في قبة الصخرة 14 محرابا، سبعة متلاصقة منها أمام الباب الشمالي للمبنى، وواحد في الجهة الشمالية الشرقية عند الصف الداخلي للأعمدة المحيطة بالصخرة، وآخر في ناحية القبلة هو المحراب الرئيسي للمبنى، وثلاثة متلاصقة في الجهة الغربية من المبنى، ومحرابان أموي وفاطمي يقعان تحت الصخرة في مغارة الأرواح.

ويحتوي المبنى على 52 شباكا، و24 قوسا مغطى بالفسيفساء تربط الأعمدة، و99 بلاطة رخامية سوداء مميزة.

ويحتوي مبنى قبة الصخرة على عناصر معمارية وزخرفية غنية جدا، ولا سيما الزخارف الأموية، وتحتوي الفسيفساء الأموية على صور أشجار ونباتات ذكرت كلها في القرآن الكريم، كما تتميز الزخارف الأموية كلها (سواء الفسيفسائية منها أو تيجان الأعمدة) بأنه لا توجد أي وحدة زخرفية فيها تشبه الأخرى إطلاقا، وتنتشر فيها كتابات أموية بالفسيفساء تعد من أقدم الآثار الباقية للكتابة في العهد الأموي، وتدور هذه الكتابات كلها حول التوحيد وحول رسالة وطبيعة المسيح عليه الصلاة والسلام ونبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما كتبت أجزاء من سورة طه التي تذكر قصة موسى عليه الصلاة والسلام بالفسيفساء على الإطار السفلي لرقبة القبة.

أما القبة الذهبية نفسها فتتكون في الحقيقة من قبتين داخلية وخارجية بينهما مسافة تبلغ نحو متر واحد، والداخلية مصنوعة من الخشب ومكسوة من الداخل بالجص المذهب، أما القبة الخارجية فكانت قديما مصنوعة من الرصاص ومكسوة بالذهب، ثم تغير الكساء إلى ألواح من الرصاص حتى بداية الستينيات من القرن الماضي عندما أعيد كساؤها بألواح الألمنيوم المذهب.

وفي عام 1995 تمت تغطيتها بألواح من معدن الخارصين المطلي طلاء كيميائيا بطبقة رقيقة جدا من الذهب الخالص، واستعمل في تغطيتها 24 كيلوغراما من الذهب، ويعلوها هلال يبلغ ارتفاعه نحو خمسة أمتار، ويبلغ ارتفاع المبنى كله حتى أقصى ارتفاع للهلال نحو أربعين مترا.

وقد كان مبنى القبة في العهد الأموي مغطى من الداخل والخارج بالفسيفساء، وذلك حتى الفترة العثمانية، حيث أمر السلطان سليمان القانوني بتغطية المبنى من الخارج بالبلاط القاشاني الأزرق بدلا من الفسيفساء، وفي نهاية العهد العثماني تمت كتابة سورة يس على محيط المبنى المثمن من الخارج بيد الخطاط محمد شفيق.

  • الاحتلال الصليبي

عندما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 493 هـ/1099 م قاموا بتحويل قبة الصخرة إلى كنيسة عرفت باسم “معبد الرب” كما ذكر بعض الرحالة الكاثوليك، وذكر بعض الرحالة الأرثوذكس أن اسم هذه الكنيسة كان “قدس الأقداس”. وتم تحويل الصخرة إلى مذبح وخرقوا الصخرة وصنعوا فيها ثقبا، وذلك لتصفية دماء القرابين في المغارة، كما قطعوا الصخرة وكانوا يبيعون حجارتها بوزنها ذهبا حتى حاول بعض ملوكهم حمايتها فغطوها بالبلاط.

وبعد تحرير القدس عام 583 هـ/1187 م قام صلاح الدين الأيوبي بإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الصليبيين وإزالة جميع بصماتهم عنها، فقد قام بإزالة المذبح والبلاط الرخامي الذي كسوا به الصخرة والصور والتماثيل، وكذلك أمر بعمل صيانة وترميم لما يحتاجه المبنى.

وقد تم تجديد تذهيب القبة من الداخل وذلك حسب ما نجده اليوم مكتوبا من خلال الشريط الكتابي الواقع داخل القبة والذي جاء فيه ما نصه “بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بتجديد تذهيب هذه القبة الشريفة مولانا السلطان الملك الناصر العالم العادل العامل صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته، وذلك في شهور سنة 586”.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى