العرب بعيون يابانية: قراءة في كتاب نوبواكي نوتوهارا حول الشخصية العربية
تحليل نقدي لكتاب نوبواكي نوتوهارا
كيف يرى المثقف الياباني المجتمع العربي؟ هذه ليست مجرد تساؤلات، بل محصلة تجربة طويلة للمستعرب الياباني نوبواكي نوتوهارا، الذي قضى أربعة عقود بين المدن العربية والبادية، مراقبًا ومحاورًا ومحللًا لطبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية في العالم العربي.
في كتابه العرب من وجهة نظر يابانية، يعرض نوتوهارا مجموعة من الملاحظات النقدية الصادمة التي تسلط الضوء على تحديات وأزمات تعيشها المجتمعات العربية.
- رؤية نقدية للمجتمع العربي
يركز نوتوهارا في كتابه على عدة جوانب أساسية من الحياة العربية، حيث يرى أن الحكومات العربية لا تتعامل بجدية مع شعوبها، بل تستخدم السخرية والخداع أداة للحكم. هذه العلاقة بين السلطة والمجتمع تخلق بيئة من التوتر المستمر، حيث تصبح العدوانية جزءًا من الحياة اليومية.
كما يشير إلى أن المجتمعات العربية تميل إلى اجترار الماضي بدلاً من تطوير الحاضر، فبينما يضيف اليابانيون حقائق جديدة إلى معارفهم، يكتفي العرب بالعودة إلى الاكتشافات السابقة دون البحث عن تطورات حديثة.
- الدين والتعليم: إشكالية كبرى
ينتقد نوتوهارا تعامل العرب مع الدين، معتبرًا أنه رغم هيمنة التعليم الديني، فإن ذلك لم يحدّ من الفساد وانعدام الاحترام المتبادل. ويرى أن المشكلة الأساسية تكمن في الاعتقاد بأن الدين وحده كافٍ لتوفير جميع أشكال المعرفة، مما يقلل من قيمة البحث والتجديد العلمي.
- السياسة والحريات الفردية
يستغرب المؤلف من ظاهرة مديح الحاكم في العالم العربي، إذ يجدها مناقضة تمامًا للممارسات السياسية في اليابان، حيث لا مكان لعبادة الفرد أو تمجيد السلطة. ويرى أن تركيز السلطة في يد شخص واحد يقود إلى الاستبداد، وهو ما يفسر استمرار التوترات السياسية والاجتماعية في العديد من الدول العربية.
كما يسلط الضوء على معاناة السجناء السياسيين في العالم العربي، مشيرًا إلى أن الشعوب نفسها لا تقف معهم، مما يعكس غياب حس المسؤولية الجماعية تجاه الحقوق والحريات.
- الهوية والأنماط الاجتماعية
يرى نوتوهارا أن المجتمع العربي يميل إلى فكرة “النمط الواحد”، حيث تسود ثقافة القوالب الجاهزة في الفكر والملابس والسلوكيات. هذه النزعة تجعل من الصعب تقبل التنوع والاختلاف، مما يعزز النزاعات الداخلية ويؤدي إلى انغلاق المجتمع على ذاته.
- الفرق بين التجربة اليابانية والعربية
يدعو المؤلف العرب إلى الاستفادة من التجربة اليابانية، خاصة في كيفية التعامل مع السلطة وتوزيع المسؤوليات. في اليابان، لا يُسمح لشخص واحد بالاستئثار بالقرار السياسي، وهو ما يمنع ظهور نزعات استبدادية. أما في العالم العربي، فالسلطة المطلقة غالبًا ما تؤدي إلى تفشي الفساد والقمع.
العرب من وجهة نظر يابانية ليس مجرد كتاب نقدي، بل شهادة حية لرجل عاش بين العرب وراقب تفاصيل حياتهم. بعض آرائه قد تكون صادمة، لكنها تمثل فرصة للتأمل وإعادة النظر في العديد من القضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية. هل يستطيع العرب الاستفادة من هذه الملاحظات لبناء مستقبل أكثر ازدهارًا وانفتاحًا؟
هذا الكتاب؛ يفتح باب النقاش حول أهمية النقد الخارجي في فهم الذات العربية، ويدعو القارئ للتفكير في كيفية تحسين واقعه الاجتماعي والسياسي من خلال نظرة وتجارب ومواقف الآخر منه.