ولد أحمد الأخضر غزال، الذي ينحدر من أصول أمازيغية من قبيلة آيت عياش، عام 1918م في مدينة الرباط، عاصمة المملكة المغربية، عايش في طفولته محاولات الاستعمار الفرنسي سلْخ المغاربة عن لغتهم وقيمهم.
فولد لديه اقتناع بالنضال من أجل إعادة الاعتبار إلى اللغة العربية، الوعاء الطبيعي الذي تصب فيه كل الأمم ثقافتها؛ فبرز اهتمامه بالتعريب في وقت مبكر.
قام بتنظيم أول مؤتمر دولي حول التعريب سنة 1960م، ويعد الأخضر غزال أول من أدخل التعريب إلى الجامعة المغربية، في عهد وزير التعليم الراحل محمد الفاسي، أحد علماء القرويين الذي كان هو الآخر يقف في مصاف الداعين إلى الحفاظ على الهوية اللغوية للمغرب.
كما ساهم أحمد الأخضر غزال في إحداث مكتب التنسيق حول التعريب في المملكة المغربية من قبل منظمة (الألسكو)، وبرز اسمه كواحد من المدافعين القلائل عن الحرف العربي في العالم العربي والإسلامي.
ويعد أول من عمل بتعاون مع مؤسسات علمية دولية في كندا والولايات المتحدة على جعل الحاسوب يتعامل بالحرف العربي من خلال ابتكار طريقة تبادل المعلومات بين مراكز البحث في العالم.
ونظراً لاهتمام أحمد الأخضر غزال بالتعريب في المملكة المغربية، ودفاعه المستميت عن اللغة العربية، قدمت له منحة مالية ضخمة في السبعينات لإتمام مشروعه المتعلق بحوسبة الحرف العربي ووضع آلة للرقن بالعربية تعتمد طريقته التي ابتكرها، وكان يطلق عليها تسمية AVC.CODAR،
وبسبب ذلك الابتكار الجديد الذي قام به غزال، منع المغرب دخول الآلات الكاتبة الأجنبية، إذ كان يراهن على نجاح تجربة أحمد الأخضر غزال، إلا أن غزو حواسيب الشركة العالمية للحواسيب IBM التي تستعمل حالياً في جميع أنحاء العالم؛ قضى على مشروعه.
لأن حواسيب الشركة كانت أكثر تقدماً من المشروع الذي اقترحه أحمد الأخضر غزال، وعلى الرغم من ذلك، كما يقول أحد الباحثين في معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، فإن أهمية محاولة أحمد الأخضر غزال؛ أنها كانت أول مبادرة من نوعها، وكانت تنم عن اهتمام كبير بتعزيز الحرف العربي.
وفي بداية الاستقلال كان أحمد الأخضر غزال ضد سياسة التعريب، فقد كان يرى أنها انطلقت بدون خطة واضحة، ومن دون وضع المعاجم المناسبة، أو تكوين المعلمين والأستاذة، أو تأليف المقررات المدرسية المناسبة، ولم تتم الموافقة على سياسة التعريب إلاَّ عام 1979م، ولعب فيها أحمد الأخضر غزال الدور الأبرز من خلال الإشراف على التكوين ووضع معاجم لغوية.
ويعد أحمد الأخضر غزال أول من وضع معجماً موحداً لبلدان المغرب العربي في المصطلحات العلمية، في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب، أطلق عليه «المعجم الموحد»، وخلال السنوات الأولى للاستقلال، قام بتعريب العديد من المصطلحات نقلاً عن اللغة الفرنسية، والتي لم تكن موجودة في اللغة العربية.
خاصة في الإدارة والبناء والأشغال العمومية والطب والقطاع البنكي، وذلك بالتعاون مع عدد من الوزارات، حيث إن الترسانة اللغوية الموجودة اليوم في هذه المجالات يرجع الفضل فيها إلى أحمد الأخضر غزال، الذي كان هو نفسه وراء مصطلح “حاسوب”.
شغل أحمد الأخضر غزال منصب مدير معهد الدراسات والأبحاث للتعريب لمدة ثلاثين عاماً، كما كان عضواً في أكاديمية المملكة المغربية، وعضواً في عدد من المنتديات العربية والإسلامية والأوروبية التي تعنى بالحرف العربي.
إن طريقة أحمد الأخضر غزال في مجال التعريب كانت ترتكز على منهجية علمية لم تكن معروفة كثيراً في العالم العربي، إذ كان يبحث في القواميس الفرنسية عن جذور الكلمات واشتقاقاتها، فإذا وجد اختلافات فيما بينها، أي بين تلك المعاجم، يبحث عن المفردة المناسبة.
وإذا وجد اتفاقاً بينها يختار واحدة منها، وكان يحتفظ في مكتبه بمعهد التعريب بجذاذات تتضمن تلك الكلمات، يصل عددها إلى حوالي 300 ألف جذاذة تضم 300 ألف كلمة…
بذل أحمد الأخضر غزال جهداً كبيراً في مجال التعريب في العالم العربي، إلى حد أن الجامعة العربية نفسها اعترفت له بذلك الجهد، وعندما قررت إنشاء مكتب لتنسيق التعريب تابع لها اختارت المغرب بسبب الأخضر غزال.
ظل أحمد الأخضر غزال من أبرز المحاربين في سبيل التعريب، وارتبط اسمه باللغة العربية في المملكة المغربية على مدى نصف قرن تقريباً، قضاها بين المعاجم، وكان كمن يحمل مصباحاً في النهار ويتجول به في المدينة باحثاً عن الحكمة.
كان أحمد الأخضر غزال يحارب من أجل اللغة العربية في وسط تغلغلت فيه اللغة الفرنسية، وغزت كل رقعة فيه، والذين كانوا يعرفونه كانوا كلما ذكر اسمه تأتي إلى ذهنهم صورة رجل قديم لا ينتمي إلى عصرنا، لأن المهمة التي كرس لها حياته.
كانت تقع في الحدود الضيقة لهيمنة الفرنسية وطغيان عربية جديدة، لا هي فرنسية ولا هي عربية، وإنما هي لغة مختلفة اتفق الجميع على تسميتها «اللغة الثالثة» التي تجمع بين قليل من الفرنسية وقليل من الدارجة وكثير من العُجمة.
اشتهر أحمد الأخضر غزال بعمله الخلاق في مجال إصلاح الطباعة العربية، وإدخال الحرف العربي في الإعلاميات والحاسوب، وقد نال براءة اختراع في ذلك، وتبنّت المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة “الألكسو” عمله بوصفه الشفرة العربية الموحَّدة المستعملة في الكتابة الحاسوبية حالياً.
حصل أحمد الأخضر غزال على البكالوريا، وبعدها جنّدته السلطات الفرنسية عام 1939م إبان الحرب العالمية الثانية، وأدى الخدمة العسكرية الإلزامية في الجبهات الإيطالية والإلمانية والفرنسية، ثم عاد لمواصلة دراساته العالية، فحاز شهادة الليسانس، ودبلوم الدراسات العليا، ثم نال شهادة التبريز من جامعة السوربون في باريس في مادة فقه اللغة، وكان قد مارس تعليم اللغة العربية في عدة مدارس في المغرب والجزائر وفرنسا.
بعد استقلال المغرب، أطلق أحمد الأخضر غزال في أواخر الخمسينيات، مشروعاً تربوياً متكاملاً لمحو الأمية وتعليم القراءة والكتابة بالعربية للكبار، ويعد الراحل من أوائل الأساتذة الجامعيين العرب الذين درّسوا علم اللغة الحديث وأطلق عليه اسم اللسنيات ثم اللسانيات، وعندما أُسنِدت حقيبة وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية إلى الأستاذ محمد الفاسي، اختار أحمد الأخضر غزال مديراً لديوانه، ثم كاتباً عاماً (وكيلاً) للوزارة.
وعندما تولّى إدارة معهد الأبحاث والدراسات للتعريب بالرباط عام 1961م، بذل جهداً استثنائياً في تعريب الإدارة والتعليم في المغرب، فقد كانت الفرنسية هي اللغة المعتمدة فيهما، فأصدر كتابه “المنهجية العامة للتعريب المواكب”، ونشر “معجم الإدارة العامة: فرنسي ـ عربي”، وتولى شخصياً ترجمة الدروس الافتتاحية لكليات العلوم والطب والهندسة في جامعة محمد الخامس إلى اللغة العربية لتشجيع الأساتذة على تعريب دروسهم وتعريب التعليم العالي برمته.
أصدر كتابه الهام “المنهجية الجديدة لوضع المصطلحات العربية”، وفي أواخر السبعينيات أنشأ في معهد الدارسات والأبحاث للتعريب الذي كان يديره، أول “بنك كلمات للمعطيات المصطلحية” في الوطن العربي، قبل انطلاق الإنترنت، ومن أبرز الأعمال العلمية التي اضطلع بها الراحل مشروع البحث الميداني في تونس والجزائر والمغرب لحصر الرصيد اللغوي لدى أطفال المغرب العربي الذي تمخض عنه “معجم الرصيد اللغوي”،
وهو معجم يضم جميع الألفاظ العربية التي يمتلكها الأطفال المغاربيون قبل دخولهم المدرسة، بحيث يمكن إعداد مناهج التعليم ومعاجم الأطفال على أساس علمي.
توفي أحمد الأخضر غزال وعمره يناهز التسعين عاماً مساء يوم الخميس 13 نونبر عام 2008م.