مع كتاب ناصر الدين الشاعر “عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية – وجهة نظر إسلامية”
يحسن بالمرء المسلم أولا أن يبحث عن الحكم الشرعي في قضية تعنّ له أو تعرض عليه، لا أن يكون مدفوعاً منذ هاجس بحثه للبحث عن أن يبرر أخطاءًـ قد بان عوارها، وانكشف أمرها، وقد بين الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم أن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وبالتالي فإن الحكم الشرعي هو سيّد على الجميع، وفي تطبيقه تكون المصلحة، والسبب بسيط جدا، فالله الذي خلق الخلق هو أعلم بما يدبر شؤون حياتهم، ألم يقول سبحانه وتعالى: “ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير”؟
إذاً، لا بد من أن نسير مع الحكم الشرعي حيث سار، وأن نميل معه حيث مال، لأن غاية المسلم الأولى والأخيرة إرضاء الله، سواء أغضب الناس أم رضوا. فإذا خفت الله خافك الناس، وإذا خفت الناس أوكلك الله لنفسك، وخلّى بينك وبين الناس.
ورد عن الرسول الكريم مخاطبا عبد الله بن عباس وكان بعد فتى: “يا غلام إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم بأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو أن الأمة اجتمعت على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف”.
إن غاية المسلم البحث عن الحقيقة، فالحكمة ضالته المنشودة التي يديم البحث عنها. ولهذا، فإنني بعد قراءة كتاب الدكتور ناصر الدين الشاعر “عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية- وجهة نظر إسلامية”[1]، أودّ أن أقف عند جملة من القضايا التي يثيرها الكتاب. إذ وجدته مبنيا على أساس غير الإسلام، ومخالفة الإسلام روحا ونصاً ظاهرة بينة فيه.
إن تعرضي للكتاب ومناقشة ما جاء فيه، إنما هو نوع من النقاش العلمي الذي يحفظ للمؤلف مكانته ودوره، وليس انتقاصا من شخصه، إنما هي أفهام نقلبها، على وجوه عدة، ولعلني أكون مخطئا في هذا الذي سأقوله. إنما أقدم بين يدي الباحث وجهة نظر إسلامية مبنية على الأدلة الشرعية.
للدكتور ناصر الدين الشاعر باع طويل في المعرفة والعلم التخصصي والاشتغال بالسياسة الوطنية كونه عضوا من أعضاء حركة حماس، إلا إذا تبرأ من ذلك، فهو من قيادات الصف الأول فيها، ويمثل الجناح الأكثر براغماتية وواقعية في الحركة، وتعتمد عليه في المواقف الحرجة التي تحتاج فيها إلى من يمثلها فيها للحصول على مكاسب سياسية واقعية، إنه من الكوادر التي تخفى وتظهر حسب الحاجة.
كنت أمل أن يكون الكتاب على شاكلة أخرى؛ يقدم طرحا متوقعا؛ بناء على عنوانه. إنما وجدت الكتاب تحكمه النفعية اللحظية، ومبني على ما يسمى عند الفقهاء بالمصلحة المرسلة التي أقحمت على الموضوع إقحاما نافرا شاذا، فلا يؤخذ بالمصلحة إن كان هناك دليل شرعي قطعي الثبوت قطعي الدلالة. أو حتى ظنيا في أحد طرفيه أو كليهما؛ الثبوت والدلالة.
عدا ذلك فإن الباحث منذ بداية الكتاب يخرج حزب التحرير وحركات أخرى من دائرة البحث[2]، بدعوى أنه حزب هامشي فيما يتصل بالقضية الفلسطينية، وهذا أمر فيه لبس كبير، وغير دقيق، فالحزب يولي اهتماما كبيرا في أدبياته وفكره وصراعه الفكري وكفاحه السياسي للقضية الفلسطينية منذ نشأة الحزب وحتى اليوم، وله في ذلك نشرات ومؤلفات كثيرة، وما على الدكتور ناصر إلا أن يبحث ليرى ذلك بنفسه. ولعله يعرف لكنه لا يؤدي مهمته كباحث على الوجه الأكمل المطلوب.
عدا أن للحزب رأيه الذي يبينه علانية فيما يتصل بعملية السلام، وفي تشكيل الأحزاب، ويرى الحزب أن فلسطين أرض إسلامية لا يجوز لأي جهة التنازل عنها، وعندما قامت منظمة التحرير عام 1964 أصدر الحزب نشرة مشهورة بهذا الخصوص يرى فيها أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تقم إلا من أجل القضاء على القضية الفلسطينية وليس لتحرير فلسطين، وأن المعلن عنه غير المخفي في خطابها السياسي الذي تسوقه للجماهير.
فالمنظمة أنشئت في واقع عربي أنظماتي يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية، ولجعل الكيان الغاصب كيانا مقبولا في المنطقة العربية، وهذا ما جاء في محاضرة للكاتب ابن منظمة التحرير هاني الحسن عام 1968 ألقاها في مجلس العموم البريطاني. قامت “الكتلة الإسلامية” في جامعة النجاح بطباعتها ونحن في الجامعة أوائل التسعينيات ووزعتها على الطلاب، واعتمد عليها بعض المحاضرين لتدرس في مساق “دراسات فلسطينية”. وقد درستها وتمت مناقشتها مع الأستاذ الدكتور عبد الستار قاسم، رحمه الله.
وأما بالنسبة لحل القضية الفلسطينية من وجهة نظر الحزب، فإنه يقول:
- لا يعتبر الحزب أن قضية فلسطين قضية مصيرية في حياة الأمة، لكنها قضية مهمة، تأتي ضمن قضايا متعددة لا بد من حلها جميعا ضمن أولويات شرعية، فتحرير بلاد المسلمين المحتلة هو واجب الدولة الإسلامية، لذا فإن ينشغل بإقامة الدولة أولا، فالدولة الإسلامية هي طريق التحرير، وبغيرها لا يمكن لفلسطين أن تتحرر، فالأحزاب الفلسطينية ليس بمقدورها أن تغير واقع فلسطين المحتلة.
- يأخذ الجهاد في فلسطين الطابع الفردي، بغض النظر إن قام به فرد أو حركة، إذ إن الجهاد الفردي هو الجهاد الذي يكون خارج مؤسسة الدولة الإسلامية بجيوشها وتحت إشرافها. وهذا النوع من الجهاد ليس فرضا، وإنما يأخذ حكم المندوب، إنما الجهاد الواجب هو جهاد الدولة الذي من مهامه تحرير البلاد. ويعتبر الحزب أن أهل فلسطين جميعهم يأخذون حكم الأسرى، فهم مغلوب على أمرهم.
- لا يرى الحزب أنه الجهاد الفردي حسب توصيفه له قادر على تحرير فلسطين، عدا ما تكتنفه من مطبات وعرة توقع من يقوم به، وخاصة الحركات الجهادية التي تجعل قرار تلك الحركات مروها بيد الممول.
- يرى الحزب أن قضية فلسطين قضية إسلامية، وأن الحركات الفلسطينية الوطنية مع منظمة التحرير والأنظمة العربية قزمت تلك القضية لتكون فقط قضية وطنية تخص الشعب الفلسطيني، فأوجدوا له المنظمة لتكون الممثل الوحيد الشرعي، لتتولى المنظمة هذه القضية بعد ذلك لتتفاوض عليها مع المحتلين وتتنازل عن أكثر من ثلاثة أرباعها ضمن عملية السلام الذي يكتب الدكتور ناصر الشاعر كتابه من أجل تأصيلها في الفكر الوطني الإسلامي.
يشرع الدكتور الشاعر بعد ذلك[3] بمناقشة وضع الحركات الإسلامية على الساحة الفلسطينية والعربية، ويرى الشاعر أن العلاقة التي تحكم التعامل مع الحركات الأخرى هي التنافس على المد الجماهيري، وفي هذا مأخذ كبير على تلك الفصائل التي تتنازع على تلك الجماهير، ولا يتحمل الدكتور منهجيتها وتصارعها، إنما المعول على الدكتور فيما أرى أن يبين أن العلاقة بين أفراد الحركات العاملة على الساحة هو عمل مشترك من أجل هدف واحد، إن كانت فلسطين هي الغاية كما تدعي تلك الحركات، فمن الضروري أن يدفع الدكتور بالفكر السياسي إلى أن يكون بانياً لنسيج من الأفكار المشتركة التي تصب في صالح القضية الفلسطينية لا أن يلعب على وتر التصارع على الجماهير واستقطابها.
يبدو في الكتاب أن هناك موقفا إيجابيا من السلطة الفلسطينية[4]، فيورد رأيا للشيخ أحمد ياسين أعرب عنه عندما خرج من السجن، وإن كان الكلام ليس للمؤلف، ينقله كما ورد في الصحف المحلية، إلا أن المؤلف لا يعلق عليه بما يتفق مع “وجهة النظر الإسلامية” التي جعلها بؤرة أساسية في كتابه، فكيف يلتقي خطان، سيثبت الزمن بعد ثماني سنوات أنهما على خلاف كبير، وكل منهما يمثل خطاً مناوئا للآخر، بل ويدخلان في صراع مسلح، جعل ما تبقى من فلسطين جزأين متصارعين، يتبادل المسؤولون في كل جزء الاتهامات.
ينقل الكتاب عن الشيخ ياسين في هذا التصريح أن للشعب الفلسطيني ممثلا وحيدا هو السلطة الفلسطينية وياسر عرفات، فكيف لا ينقض الشاعر هذا التصريح، وهو يعلم أن السلطة الفلسطينية وليدة عملية سلام جائرة، تحت رعاية استعمارية، الرابح الوحيد فيها هو كيان المحتل. وعلى ذلك فإن السلطة في واقع الحال “وليد وضع خاطئ” غير إسلامي، ولن يكون مقبولا إسلاميا بأي حال من الأحوال.
هذه الناحية السياسية الواقعية المعاصرة، يربطها الدكتور الشاعر بالحديث عن المصلحة في الحكم الشرعي[5]، وفي تقسيم أرض الفتح تحديدا، كما جاء في الكتاب، أمر فيه لبس كبير، وخطر عظيم، فاختلاف الفقهاء بين فريقين في اعتبار الأرض المفتوحة ليس أمرا خاضعا لغير اعتبارين قال بهما الفقهاء قديما، وليس أمرا تابعا للمصلحة، فتأسيس المسألة على اعتبار المصلحة سيؤدي إلى “اجتهادات” مرحلية وواقعية تستحدث اعتبارات أخرى تظل عرضة للتغيير والتبديل، مع أن هذه الفكرة متفقة تماما مع ما سيطرحه الباحث من رفضه لما يسميه “المطلق الديني”.
وعلى ذلك فإن الحديث عن “أرض الوقف” الإسلامي التي يشكك الشاعر فيها في مواقع أخرى من الكتاب، ولا يعتبرها من “المطلق الديني”، وهذا سيقود حتما إلى ما لا تحمد عقباه من قبول بالحلول الجزئية الداخلة ضمن فقه المصلحة، لاسيما أن المؤلف يرى أن بعض تلك التصريحات نوع من الصيغ المجازية، ويدعو إلى ألا نحمل النصوص أكثر مما تحتمل[6].
ومما يزيد في البعد عن وجهة النظر الإسلامية التي حاول الدكتور الشاعر بناء كتابه عليها، يعتمد في مناقشة الموضوع بناء على ما “أجمعت عليه الشرائع السماوية والأرضية”[7]، وهذا يعني وضع هذه الشرائع على صعيد واحد من المساواة والاعتبار، ليخلص إلى نتيجة يقول فيها: “وهذه حالة ليست بحاجة إلى دليل شرعي خاص”.
وتتدحرج الأمور في حكمه على الفتاوى الخاصة بفلسطين، ليرى أن الهدف من ورائها هو “الإحراج”[8]، فهل من المعقول أن يكون هدف الفقهاء من الفتاوى الشرعية هو إحراج الطرف المقابل؟ وهل إذا زال الإحراج وتغيرت الظروف ستتغير الفتاوى؟ منطق غريب جدا على الإسلام، ولم يقل به أحد من الفقهاء أو العلماء المعتبرين. فالحكم الشرعي يقال للعلم والعمل وضبط السلوك والتوجه، وليس للإحراج والمناورة السياسية.
ويذهب الدكتور الشاعر إلى المقاربة بين الكنيست لكيان الاحتلال وبين المجلس التشريعي[9]، ويظهر من خلال حديث الدكتور أنه يستحسن المجلس التشريعي، ويرفض الكنيست، ولديه قناعة إلى أن التشريعي ليس كالكنيست، سواء في الواقع أو المشاركة فيه، بدعوى ان التشريع مؤسسة وطنية، غاضا الطرف عن الواقع الذي أفرز المجلس التشريعي وما يناط به من دور ومهمات، ليست إسلامية نهائية، بل سيستخدم من أجل تمرير ما تريده السلطة من قوانين لتمكينها ككيان متعاون مع كيان الاحتلال، ولتثبيت الكيان الغاصب وإعطائه شرعية والتصديق على كل المعاهدات والاتفاقيات المذلة. هذا دوره من ناحية “وطنية” فما بال الدكتور لو تمت مناقشة المجلس التشريعي ودوره في التشريع ومدى إسلامية ذلك من عدمه، أم أن المصلحة ستسعف الدكتور في تزيين وجود المجلس التشريعي في الحياة السياسية الفلسطينية؟
يتوصل الباحث إلى أن صلح الحديبية وصلح الرملة هما هدنتان وليسا صلحا[10]، وأنه لا بد من توفر ثلاثة شروط لعقد الهدنة، ويوظف هذا البحث من أجل أن يبني عليه ما يخص عقد هدنة مع الاحتلال لفترة محدودة، فيجيز ذلك، مع العلم أنه لا يجوز عقد هدنة مع الأعداء لا دائمة ولا مؤقتة إلا أن تقوم بذلك الدولة.
ويرى الدكتور في مواضع أخرى من الكتاب أن عقد هدنة مخرج من مأزق ما، وهو إثبات للعالم أننا نحب السلام. هذا بحث واقعي وليس بحثا إسلاميا مضبوطا إلا إذا ربطه الشاعر بما يدعيه من مصلحة مرسلة. إذ لا يهم أن ترضي العالم والناس، ولست بحاجة لتقول للعالم إنني أحب السلام بهذه الطريقة غير الشرعية.
عدا أن العالم الحر المتحضر بهيئاته الدولية هو من فرض على الشعب الفلسطيني الكيان الغاصب ورعاه وحماه، وأوجد أنظمة عربية تحميه، ومنظمة فلسطينية تقوده إلى بر الأمان كذلك، فأي عالم هذا الذي نريد أن نمد له أيدينا بالسلام، وهو قائم على ذبحنا وتشريدنا، وليس على استعداد أن يلوم كيانه المستعمر الغاصب على ما قدم من جرائم بحقنا؟
يستمر الكتاب في مناقشة موضوع الهدنة في الصفحات الآتية[11]، فيرى أن من يوقع على هذه الهدنة يجب أن يكون برتبة إمام المسلمين. فهل كانت حماس في ذلك الوقت، وحتى اليوم، بوصفها فصيلا فلسطينيا برتبة إمام المسلمين، هذا خلط عجيب في الفهم، فإذا كانت الحركة برتبة إمام المسلمين فلماذا لا تطبق ما يطبقه إمام المسلمين من أحكام أخرى؟ وإذا كانت الحركة برتبة إمام المسلمين لماذا يصر الباحث على أن تكون ساحة المعركة مع الاحتلال هي ساحة فلسطين، رادا تهمة الأمريكيين عن الحركة في حوادث تفجير دولية[12]؟
يتردد الكاتب في أفكاره المبحوثة في الكتاب بين الانجرار وراء الواقع وبين الأحكام الشرعية، فعندما يقدم أسبابه الرافضة لعملية السلام، فيخلط بين الأسباب الشرعية والأسباب الواقعية المستندة إلى أن شروط العملية السلمية كانت مجحفة وآثارها سلبية[13]، إن هذا الخلط يقود إلى إمكانية التغاضي عن السبب العقائدي في حال تم تحسين تلك الشروط المجحفة، والحقيقة ليست كذلك لمن يريد أن يرى المسألة بمنظار إسلامي تقاس فيه الأمور بثوابت عقائدية، وربما كشف عن هذه الحقيقة ما قدمه الدكتور لاحقا، إذ يعنون جزءا من بحثه هذا بعنوان “السبب الحقيقي المباشر للرفض”[14]، فكأن السبب العقائدي غير كاف للرفض، ويظهر جليا أن المراوغة والمصلحة والواقعية والعقلانية المصطنعة مسيطرة على فكر الباحث ولبه واتجاهاته.
ليس في الأمر ما يُنقض لو أن الباحث لم يجعل “وجهة النظر الإسلامية” هي المركز في بحثه، فلكل باحث وما يعتقد، ولذلك فإنه من المسلّم به لدى القارئ أن يرى بناء على تأسيس العنوان النظرة الإسلامية بكل تفاصيل البحث وعمومياته، هذه الكيفية من البحث جعلت الأحكام متغيرة وخاضعة لمنطق التبدل، فكما يقرر البحث فإن “إمكانية تفسير الاختلاف على أنه إنما يعود لاختيار اللغة التي تناسب الظرف”.
يظل الالتباس لفهم البحث قائما، فهو لا يقوم على مجموعة مصطلحات معروفة ومنضبطة ومحددة، ومن ذلك ما ورد في البحث من استخدم لفظ الأمة[15]، والخلل الحادث من توظيف هذا المصطلح ناشئ من أن البحث قائم على أساس وطني فلسطيني لا يشمل الأمة، ما يعني بالضرورة عدم وضوح في مصطلح الأمة، فعن أي أهداف استراتيجية للأمة ستعمل عليها السلطة الفلسطينية، هل كانت السلطة الأوسلوية تعمل لصالح الأمة؟ وأي أمة؟ هل الأمة العربية؟ أم الإسلامية؟ أم الفلسطينية؟
يجعل الباحث من الكيان الصهيوني دولة، فتبدو في لغته غير قلقة، ويتعامل معها كأنها شيء طبيعي، وتبدو الخطورة من وجهة نظري أن هذا الجانب تحديدا فيما يخص المصطلحات والألفاظ الخاصة بالكيان، اسمه، واسم مؤسساته، إنما هو تدجين للقراء وتطبيع لغوي لقبول هذه الألفاظ في لغتنا واستخداماتنا اليومية.
عدا هذا وذاك، فإن الباحث يوظف في ثنايا الكتاب العديد من المصطلحات اللغوية ذات الأثر السيئ في تكوين الوعي، وبعضها يتماهى مع ما روج له الإعلام المعادي والمناصر له من إعلام عربي غير سوي، وبعضها غير محدد في دلالته. وفيما يأتي مناقشة لأربعة من المصطلحات، تشكل عصباً أساسيا في الكتاب:
- الحركة الإسلامية: يلتبس الاستخدام والتردد في هذا المصطلح، فيعني به الباحث أحيانا حركة حماس تحديدا، وأحيانا الجهاد الإسلامي، ليمتد أيضا إطلاق هذا الوصف على حزب الخلاص. هذه مسألة منهجية هنا لا أكثر، ولا تحمل أي دلالة أخرى.
- المطلق الديني: يقوم البحث عموما على تحطيم مصطلح “المطلق الديني” المرتبط بقضية فلسطين فيما يخص المسألة السياسية والصلح والاتفاقيات، ينحت الدكتور المصلح ليدمره.
- الانتحاريون: يطلق البحث على مجموعة الاستشهاديين لفظ الانتحاريين. مع أن هذا المصطلح- على ما يبدو لي- متوافق جداً مع ما يقصده الدكتور في بحثه من فك الارتباط العقدي بين فلسطين وبين الأعمال التي يقوم بها المناضلون وما يقوم به أيضا المفاوضون، ويستخدمه وعالم بما يعني به. فثمة فارق كبير بين المنتحر والشهيد، فارق شرعي وفارق واقعي أيضا.
- الديمقراطية: يحمل المصطلح بعدا أيديولوجيا غير إسلامي، عدا أن “الديمقراطية” في مسخها الذي يراها به الإسلاميون في حصره بالانتخابات عملية مضللة وغير حقيقية ولا تعني حقيقة هذا المصطلح الذي يشير إلى أنه منهجية حياة كاملة، له أسس يقوم عليها، والديمقراطية جزء أصيل من النظام الرأسمالي العالمي الذي أضاع فلسطين، بل كل بلادنا، فهو قائم على الاستعمار والسيطرة والعنف.
وخلاصة القول: فإن كتاب الدكتور ناصر الدين الشاعر- وهو ابن من أبناء حركة حماس وكادر من كوادرها- “عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية- وجهة نظر إسلامية” كتاب ليس له من وجهة النظر الإسلامية إلا ما جاء في عنوانه. وحضرت هذه النظرة خلفية باهتة، إذ ابتعد الدكتور عنها إلى الواقعية المغرقة في سطحيتها، محاولا أن يرى رأيه بناء على هذا الواقع.
وليس بمستغرب إذاً وقد أصبح الكاتب بعد سنوات من تأليفه هذا الكتاب، بعد انتخابات عام 2006 نائبا لرئيس الوزراء إسماعيل هنية، ووزيرا للتربية والتعليم في سلطة أوسلو، فقد رضي واطمأن وتابع، ولم يقض على طموحاته في الواقعية السياسية الفلسطينية إلا ذلك النزاع المسلح في غزة، إذ أطاح بسلطة محمود عباس في القطاع، لتتولى حركة حماس مسؤولية الحكم، وبقيت تابعة لمفهوم أوسلو وإفرازاته، وتوجه أتباعها في الضفة الغربية ليكونوا أعضاء في البلديات وفي المجالس القروية، ومستعدة لتكون شريكا حقيقيا لأي عملية سلام قادمة، وصار لها علاقات إقليمية ودولية مبنية على ما سماه ناصر الدين الشاعر “المصلحة” والواقعية السياسية، وما ذاك الخطاب المغلف بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والهيئات الملتحية ما هي إلا للتسويق الجماهيري، وإمعاناً في استغباء الأتباع الذين لا يرون إلا الحق والعدل في كل ما تقوم به حركة حماس سواء في حالتي الحرب والسلم أو في علاقاتها الخارجية والداخلية.
الهوامش:
[1] صدر الكتاب عن مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، نابلس، 1999، ويقع في (199) صفحة.
[2] ينظر الكتاب ص17.
[3] ينظر الكتاب الصفحات (18-23).
[4] ينظر الكتاب، ص25.
[5] ينظر الكتاب، ص35.
[6] ينظر الكتاب، ص38.
[7] الكتاب، ص41.
[8] الكتاب، ص49.
[9] الكتاب، ص50.
[10] ينظر الكتاب، ص56.
[11] ينظر الكتاب، ص59.
[12] ينظر الكتاب، ص69.
[13] ينظر الكتاب، ص61.
[14] الكتاب، ص77.
[15] ينظر الكتاب، ص74.