الولايات المتحدة والعالم: تاريخ الهيمنة والتدخل

الكونغو 1960–1961: الانقلاب على أول زعيم وطني بعد الاستقلال

سلسلة: الولايات المتحدة والعالم – تاريخ الهيمنة والتدخل

  • السياق التاريخي – الاستقلال المفاجئ من الاستعمار البلجيكي

في 30 يونيو 1960، نالت الكونغو (الكونغو البلجيكية سابقا) استقلالها عن بلجيكا بعد أكثر من 75 عاما من الاستعمار الوحشي الذي قاده الملك ليوبولد الثاني، والذي خلّف ملايين القتلى وعقودا من الاستغلال.
لكن الاستقلال جاء متسرعا وغير مُهيّأ سياسيا أو إداريا، نتيجة ضغوط شعبية متصاعدة وحراك نخبوي.

  • أُجريت أول انتخابات عامة، وأُسندت رئاسة الحكومة إلى باتريس لومومبا، الزعيم الشعبي والمثقف الذي مثّل تيار التحرر الوطني غير التابع.
  • تولّى جوزيف كازافوبو منصب رئيس الجمهورية، وسط نظام مزدوج وغامض الصلاحيات.
  • بقي الجيش والإدارة العامة في أيدي البلجيكيين، وخصوصا الضباط، مما أشعل الأزمات فورا.

باتريس لومومبا – زعيم وطني في زمن الحرب الباردة

كان لومومبا (1925–1961) مؤسسا لحزب الحركة الوطنية الكونغولية (MNC)، وقد اشتهر بخطابه الثوري يوم الاستقلال، الذي ندّد فيه بالاستعمار والعبودية أمام الملك البلجيكي بودوان، في لحظة غير مسبوقة في سياق العلاقات الإفريقية–الأوروبية.

رؤيته السياسية:

  • دولة مستقلة موحدة لا تخضع للنفوذ الاستعماري الجديد.
  • رفض الانحياز التابع لأحد المعسكرين (الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي).
  • سيادة وطنية كاملة على الموارد الطبيعية، وعلى رأسها اليورانيوم والنحاس والماس، وهي موارد بالغة الأهمية للقوى العظمى.

التمرد والفوضى – التربة الخصبة للانقلاب

خلال أسابيع من الاستقلال، اندلعت أزمات متلاحقة:

  • تمرد عسكري بسبب بقاء الضباط البلجيكيين.
  • انفصال إقليم كاتانغا الغني بالمعادن بقيادة مويس تشومبي، بدعم بلجيكي وأمريكي.
  • تدخل عسكري بلجيكي بذريعة حماية الرعايا الأوروبيين، مع دعم انفصاليي كاتانغا.

طالب لومومبا بدعم الأمم المتحدة، لكن بعثتها بقيادة الأمين العام داغ همرشولد رفضت التدخل ضد الانفصاليين أو البلجيكيين، مما دفع لومومبا إلى التلويح بطلب دعم الاتحاد السوفيتي، وهو ما أثار ذعر الولايات المتحدة.

  • الدور الأمريكي–البلجيكي – انقلاب واغتيال تحت مظلة الحرب الباردة

الوثائق الأمريكية والبلجيكية تكشف:

  • في أغسطس 1960، أدرجت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) لومومبا كتهديد شيوعي محتمل.
  • أمر الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور (بحسب شهادة مدير CIA ألين دالاس) بضرورة “إزالة لومومبا جسديا”.
  • تم تنسيق انقلاب عسكري بقيادة جوزيف موبوتو، بدعم لوجستي أمريكي ومالي بلجيكي.

في سبتمبر 1960:

  • أُقيل لومومبا من قبل الرئيس كازافوبو.
  • قام موبوتو بالانقلاب، ووضع لومومبا تحت الإقامة الجبرية، ثم سجنه.

في يناير 1961، تم تسليم لومومبا إلى سلطات كاتانغا الانفصالية حيث:

  • عُذِّب ثم أُعدم رميا بالرصاص في 17 يناير 1961.
  • أُخفي جثمانه وتقطّعت أوصاله، ثم أذيبت في الحمض.

تداعيات الاغتيال – خنق الاستقلال وصعود الديكتاتورية

  • اغتيال لومومبا أنهى أول تجربة استقلال حقيقية في الكونغو، وأطلق العنان لحرب أهلية دامت سنوات.
  • صعد موبوتو سيسي سيكو إلى السلطة لاحقا بدعم أمريكي كامل، وحكم كديكتاتور فاسد لأكثر من 30 عاما.
  • تحول البلد إلى ساحة صراع نفوذ استعماري جديد، حيث سيطرت الشركات الغربية على الموارد في ظل ديكتاتور عميل.

التحليل الاستراتيجي – لماذا استهدفت واشنطن لومومبا؟

  1. الخوف من انضمامه إلى المعسكر السوفيتي، في وقت كانت فيه الكونغو تزود الولايات المتحدة باليورانيوم المستخدم في الأسلحة النووية.
  2. رفضه النموذج الاقتصادي التابع، ونيته تأميم الموارد واستخدامها في التنمية الداخلية.
  3. قوة خطابه وشعبيته، التي جعلته رمزا عابرا للحدود الإفريقية ومصدر إلهام لحركات التحرر.
  • مراجع:
  1. Ludo De Witte, The Assassination of Lumumba, Verso Books, 2001.
    🔗 https://www.versobooks.com
  2. The Guardian – “Belgium admits to ‘moral responsibility’ for Lumumba’s death”:
    🔗 https://www.theguardian.com
  3. National Security Archive – Declassified CIA documents on Lumumba:
  4. BBC History – “Who was Patrice Lumumba?”
  5. United Nations ReportsUN’s role in the Congo Crisis and the death of Dag Hammarskjöld:

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى