“مملكة قيدار” – أقدم «كونفدرالية قبلية عربية»
مملكة قيدار؛ هي إحدى أبرز الممالك العربية القديمة التي ظهرت في الألفية الأولى قبل الميلاد، وكانت تشكّل مركزا استراتيجيا على تخوم الشام وشمال الجزيرة العربية، وامتد نفوذها إلى مناطق شاسعة من الشرق الأوسط. يعود أقدم ذكر لمملكة قيدار إلى عهد الملك الآشوري تغلث فلاسر الثالث (745–727 ق.م)، وقد شكّلت في زمنها أكبر مملكة عربية ضمن تحالف قبلي بدوي قوي النفوذ.
- نسب القبيلة وأصلها
ينتمي القيداريون إلى قيدار بن إسماعيل، الابن الثاني للنبي إبراهيم عليه السلام، وفقا لما يُجمع عليه المؤرخون العرب والمستشرقون. وتُعدّ أقدم إشارة تاريخية إليهم ما ورد في النقوش الآشورية في القرن الثامن قبل الميلاد، بالإضافة إلى ذكرهم في النقوش الآرامية في القرن السادس قبل الميلاد تحت اسم “QDRYN” أو “قَدارين”.
رغم عدم توفر نقوش عربية تعود لتلك الفترة، فإن ذلك يُعزى إلى أن الأبجدية العربية لم تكن قد تطورت بعد، لذا استخدم القيداريون الخط الآرامي في التوثيق.
- المواطن الجغرافية والانتشار
تركز وجود القيداريين في شمال غرب الجزيرة العربية، وامتدت سلطتهم من دومة الجندل (عاصمتهم) إلى حدود بابل غربا، وديدان جنوبا في الحجاز. كما سيطروا على المناطق الصحراوية المتاخمة لفلسطين ومصر، وتحكموا بالطرق التجارية المؤدية إلى غزة.
ويشير هيرودوت إلى وجودهم في شمال سيناء، حيث اشتبكوا مع الأخمينيين لحماية حدودهم. وقد عُثر على آنية فضية في بيت أتوم (تل المسخوطة) تحمل اسم قينو بن جشم، ملك قيدار، ما يدل على امتداد نفوذهم حتى شرق دلتا النيل.
- البنية القبلية والكونفدرالية
كان القيداريون على رأس كونفدرالية عربية قوية، ضمت قبائل بدوية عديدة، وقد منحهم هذا التحالف قوة سياسية وعسكرية مكنتهم من فرض الهيمنة على الطرق التجارية الإقليمية.
كتب المؤرخ فيليب كينغ أن القيداريين أقاموا في الصحراء العربية الشمالية الغربية، بينما أشار جيفري بروميلي إلى أن مواطنهم كانت تمتد بين جنوب شرق دمشق وشرق الأردن.
- التأثير السياسي والثقافي واللغوي
امتلك القيداريون تأثيرا سياسيا واسعا، خاصة في الفترة الممتدة بين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد، حيث فرضوا سيطرتهم على الطرق التجارية الحيوية وأسسوا تحالفات إقليمية.
من الناحية اللغوية، كان القيداريون من أوائل من استخدم اللغة العربية الشمالية القديمة، رغم أنهم كتبوا بالأبجدية الآرامية. وتشير المصادر الحاخامية إلى “لسان قيدار” بوصفه إحدى تسميات اللغة العربية في ذلك الزمان.
كما تميزوا بظاهرة التسمية بأسماء الأجداد، وهو تقليد شائع لديهم، وتركوا إرثا لغويا يظهر في النقوش الصخرية المنتمية لعائلة “اللغات السامية المركزية“، والتي انبثقت عنها العربية الفصحى لاحقا.
- اللغة والكتابة في مملكة قيدار
تحدث القيداريون اللغة العربية الشمالية القديمة، المنتمية إلى اللغات السامية المركزية، والتي كانت منتشرة بين القبائل العربية في دومة الجندل، وتيما، وددان. استُخدمت هذه اللهجات في النقوش الصخرية التي تعود إلى القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد، قبل أن تندثر تدريجيا في القرن الرابع الميلادي.
وقد عُثر على نحو 40.000 نقش صخري في مناطق انتشارهم، معظمها جرافيتي على الصخور، تؤكد انخراطهم في النشاط التجاري وتفاعلهم مع الثقافات المجاورة، بما في ذلك الآراميين.