التنوخيون: الجذور العربية لممالك الغساسنة والمناذرة
- من هم التنوخيون؟ النشأة والتاريخ
التنوخيون؛ هم اتحاد قبلي عربي قديم نشأ في جنوب سوريا والأردن (منطقة الأنباط التاريخية)، وامتدت مواطنهم لاحقا إلى غربي العراق وشمالي الجزيرة العربية، منذ القرن الأول قبل الميلاد. وقد عُرفوا في بعض المصادر اليونانية باسم “الساراكينوس” (Sarakenoi)، في إشارة إلى قبائل العرب الرحل الذين تفاعلوا مع الإمبراطوريات المحيطة.
تُظهر نقوش أم الجمال والنمارة بجلاء موقع التنوخيين في التاريخ العربي القديم، وتدلّ على أن جذيمة الأبرش كان أحد أبرز ملوكهم، وهو الذي أعاد ترتيب اتحاد القبائل التنوخية سياسيا وعسكريا. ومن أشهر القبائل التنوخية:
- قبيلة لخم التي أنشأت مملكة المناذرة في الحيرة (266–618م).
- قبيلة غسان التي أسّست مملكة الغساسنة في بلاد الشام (220–638م).
الحضور السياسي والعسكري: من بادية الشام إلى العراق
تشير المصادر التاريخية، ومنها رواية ابن الأثير، إلى أن مالك بن فهم – أول ملوك تنوخ حسب هشام الكلبي – قاد موجة توسعية هامة نحو العراق، بعدما استتب له الحكم في بادية الشام. وانقسم الجيش العربي حينها إلى قسمين:
- قاد الأول قبيص الحيقاد بن الحنق وهاجم الأرمانيين في بابل.
- أما الجيش الثاني فقادَه مالك بن فهم بنفسه، فسيطر على مناطق الأردوانيين حتى الأنبار.
وبذلك، تمكن التنوخيون من تأسيس أول كيان عربي منظم يمتد من الحيرة شرقا إلى حوران غربا، محولين العراق من إقليم مشرذم إلى مملكة عربية صاعدة.
الحلفاء السياسيون وخط الكتابة
اعتمد التنوخيون الخط النبطي في نقوشهم، وكانوا من أوائل من كتب بالعربية بأسلوبها القديم. كما دخلوا في تحالفات استراتيجية مع الرومان، مما مكّنهم من بسط نفوذهم على قبائل عربية كبرى مثل نزار، معد، وأسد، التي كانت تستوطن شمال الجزيرة.
من الاتحاد إلى المملكتين: الغساسنة والمناذرة
كان التنوخيون بمثابة النواة التي انبثقت منها مملكتان عربيتان عظيمتان:
- مملكة الغساسنة في جنوب سوريا والأردن (220–638م)، تحت الحماية البيزنطية.
- مملكة المناذرة في العراق (266–618م)، تحت النفوذ الفارسي الساساني.
وقد لعبت هاتان المملكتان دورا محوريا في صدّ الأطماع الأجنبية، وتثبيت الهوية العربية في قلب الهلال الخصيب، قبل ظهور الإسلام.
مملكة الغساسنة (220–638م)
- الموقع الجغرافي: امتدت مملكة الغساسنة في جنوب بلاد الشام، وشملت مناطق واسعة من الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين.
- العاصمة: بُصرى الشام، التي كانت مركزا دينيا وثقافيا هاما.
- التحالفات: تحالفت مع الإمبراطورية البيزنطية، وكانت تشكل خط الدفاع الأول ضد الفرس والمناذرة.
مملكة المناذرة (266–602م)
- الموقع الجغرافي: تمركزت في العراق، وامتدت من الحيرة إلى مناطق واسعة من بلاد الرافدين.
- العاصمة: الحيرة، التي كانت مركزا سياسيا وثقافيا هاما.
- التحالفات: تحالفت مع الإمبراطورية الساسانية الفارسية، وكانت تشكل خط الدفاع الأول ضد البيزنطيين والغساسنة.
ملاحظات تاريخية:
- الصراعات: شهدت المنطقة صراعات مستمرة بين الغساسنة والمناذرة، أبرزها معركة “يوم حليمة” عام 544م، حيث انتصر الغساسنة بقيادة الحارث بن جبلة على المناذرة بقيادة المنذر بن ماء السماء.
- الدور الثقافي: لعبت المملكتان دورا هاما في نقل الثقافة العربية وتطويرها، وكان لهما تأثير كبير في الشعر والأدب العربي قبل الإسلام.