موسوعة القبائل العربية

قبيلة الأوس: من جذور الأزد إلى صُنّاع دولة الأنصار في المدينة المنورة

  • قبيلة الأوس في قلب التحول التاريخي

تعد قبيلة الأوس من أبرز القبائل العربية التي استقرت في يثرب (المدينة المنورة)، وقد شكّلت مع الخزرج الكيان القبلي المسمى بـ”بني قيلة“، نسبة إلى أمهم الأسطورية. دخلت الأوس التاريخ الإسلامي من أوسع أبوابه عندما تحولت من كيان قبلي إلى ركيزة أساسية في بناء المجتمع المدني الإسلامي تحت اسم الأنصار.

لكن حضورها في يثرب سبق الإسلام بعدة قرون، وارتبط بتحولات سياسية واجتماعية ودينية كبرى شملت تحالفات مع اليهود، وصراعات داخلية انتهت بـمعركة بعاث الشهيرة، التي مهدت، بطريقة غير مباشرة، لاستقبال النبي محمد ﷺ لاحقا.

أصل الأوس ونسبهم: من الأزد إلى يثرب

ترجع قبيلة الأوس إلى قبيلة الأزد القحطانية، وهم من سلالة كهلان بن سبأ، وقد هاجرت هذه القبائل اليمنية شمالا بعد انهيار سد مأرب في القرن الثالث أو بداية الرابع الميلادي. وفقا للتقاليد النسبية، فإن:

  • الأوس والخزرج هما أبناء ثعلبة بن عمرو، من سلالة الأزد.
  • ولقب “بنو قيلة” الذي اشتهروا به هو نسبة إلى قيلة بنت كاهل أو قيلة الأزدية بحسب بعض الروايات، التي تمثل الجذر الأنثوي القبلي للفرعين.

استقرت الأوس في يثرب بعد أن استقل زعيمهم ثعلبة بن عامر عن بقية المهاجرين، حيث وجد المدينة تحت سيطرة عدد من العشائر اليهودية، مثل بني قينقاع، بني النضير، وبني قريظة.

استقرار الأوس في يثرب: تقاسم النخيل والسيادة

في بداية وجودهم، كانت العشائر اليهودية مهيمنة على الحياة الاقتصادية والسياسية في يثرب، حيث امتلكوا أغلب الحصون والبساتين. لكن مع تصاعد قوة الأوس والخزرج، وظهور زعماء أقوياء مثل مالك بن عجلان من الخزرج، بدأ الميزان يتغير.

  • تقاسموا النخيل والحصون مع اليهود عبر تحالفات سياسية واقتصادية.
  • وبحلول القرن الخامس الميلادي، تمكنت قبائل بني قيلة من السيطرة على المدينة، فتراجعت قوة اليهود إلى الخلفية.

الصراع الداخلي: معركة بعاث وانهيار التحالفات

رغم الأصل الواحد، دخل الأوس والخزرج في صراع دموي استمر لعقود، بلغ ذروته في معركة بعاث عام 617م، التي وقعت قبل الهجرة النبوية ببضع سنوات. وتعد هذه المعركة من أهم الأحداث التمهيدية لقيام الدولة الإسلامية، لأنها:

  • أضعفت الطرفين بعد حرب طويلة، مما جعلهم أكثر استعدادا للبحث عن زعامة توحدهم.
  • شاركت فيها القبائل اليهودية كمتحالفين:
  • انتهت بهزيمة الخزرج رغم الدعم الواسع من قبائل مثل مزينة وجهينة، ومقتل زعماء الطرفين.

يذكر المؤرخون أن هذه الحرب كانت نقطة انعطاف كبيرة في وعي القبيلتين، ومهدت نفسيا لقبول نبي الإسلام وسيطا للحل.

الأوس في المصادر اليهودية والشيعية: نظرات متباينة

تتضارب الروايات حول أصل الأوس والخزرج:

  • بعض المصادر الشيعية القديمة ادعت أن القبيلتين كانتا في الأصل من اليهود العرب، إلا أن هذا الرأي ضعيف الإسناد وغير مدعوم بأدلة نسابية.
  • أما المصادر اليهودية فتؤكد أن الأوس والخزرج قبائل عربية يمنية، دخلوا يثرب في القرن الرابع الميلادي، ثم انتزعوها من اليهود في القرن الخامس عبر “القتل الجماعي في مأدبة”، وفق وصف أحد المصادر اليهودية.

ورغم التباين، تتفق كل المصادر تقريبا على أن العلاقة بين القبيلتين كانت عدائية دموية استمرت أكثر من 120 عاما، وبلغت ذروتها في بعاث.

تحوّل تاريخي: من قبيلة أوسية إلى أنصار الدولة الإسلامية

عندما هاجر النبي محمد ﷺ إلى يثرب عام 622م، وجد القبيلتين منهكتين من الصراع، ومستعدتين لحل يقوده طرف محايد. ومن هنا بدأت أعظم تحولات قبائل الأوس والخزرج:

  • عقد النبي دستور المدينة، وجعل من الأوس والخزرج والمسلمين من المهاجرين “أمة واحدة”.
  • أصبحوا يُعرفون باسم الأنصار، واندمجوا في المجتمع الإسلامي الجديد.
  • وكان للأوس تحديدا دور بارز في حروب الردة والفتوحات الإسلامية اللاحقة.

ومن أشهر زعماء الأوس في الإسلام:

  • سعد بن معاذ: زعيم الأوس وقاضي المدينة، أحد كبار الأنصار.
  • أسيد بن حضير، وأبو دجانة، وغيرهم من الصحابة الكبار الذين برزوا في بدر وأحد والخندق.

خلاصة:

تجسد قبيلة الأوس نموذجا حيا لكيفية تحوّل القبائل العربية من كيانات متناحرة إلى نواة لحضارة عالمية. فبعد أن كانت في صراع داخلي دام أكثر من قرن، أصبحت في عهد النبي محمد ﷺ جزءا من مشروع سياسي وديني حضاري غير مسبوق.

ومع دخولها تحت راية الإسلام، لم تتخلّ عن خصوصيتها القبلية، لكنها وجهتها في خدمة الدولة الإسلامية الوليدة، حتى أصبح الأوس والخزرج ركيزتين أساسيتين في مشروع الأنصار.

المراجع المعتمدة:

  1. ابن هشام. السيرة النبوية. تحقيق: مصطفى السقا.
  2. الواقدي. المغازي. دار الكتب العلمية.
  3. ابن إسحاق. سيرة ابن إسحاق. رواية ابن هشام.
  4. الطبري. تاريخ الرسل والملوك.
  5. موسوعة اليهود في بلاد العرب، مركز دراسات الشرق الأوسط.
  6. موسوعة الأنصار في الإسلام، المكتبة الإسلامية.
  7. ابن خلدون. المقدمة.
  8. جواد علي. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى