قبيلة “بكر بن عبد مناة”: أبناء كنانة ومنافسو قريش على الجاه والزعامة والسلطة
- من هم بنو بكر بن عبد مناة؟
ينحدر بنو بكر بن عبد مناة من قبيلة كنانة العدنانية، وهم أبناء عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ما يجعلهم من صميم العرب المستعربة ومن أقرب القبائل نسبا إلى قريش.
وقد برز بنو بكر في الجاهلية بوصفهم قوة قبلية بارزة ومنافسا قويا لقريش على السيادة في مكة المكرمة، وكانوا على تماس مباشر بالحياة السياسية والدينية والتجارية فيها.
- أصل التسمية وعلاقتهم بقبائل ربيعة
تُنسَب تسميتهم بـ “بكر” إلى نسب غير مباشر: “بكر بن وائل”، أحد كبار بطون ربيعة، إذ كانت أمّ بكر بن عبد مناة تُدعى هند بنت بكر بن وائل. وبعد وفاة عبد مناة، تزوّجت هند من علي بن مسعود الغساني الأزدي، الذي تولى رعاية أولاد زوجها الأول، ولذلك عرف بنو عبد مناة أيضا بـ”بني علي“.
ويشير الشاعر الجاهلي أمية بن أبي الصلت الثقفي إلى هذه العناية بقوله:
لله در بني علي أيمٍ منهم وناكح
إن لم يغيروا غارة شعواء تجحر كل نابح
- مواطن بني بكر وتوزعهم الجغرافي
في الجاهلية، استقر بنو بكر في تهامة، إلى الجنوب الشرقي من مكة، وهي منطقة استراتيجية مجاورة للحرم المكي، ما أتاح لهم الاحتكاك الدائم بقريش.
أما بعد الإسلام، فقد توزعت فروعهم في أماكن متفرقة منها:
- جنوب العراق
- الحجاز (خاصة مكة والمدينة)
- الأردن
- مصر
وقد شارك كثير من أبنائهم في الفتوحات الإسلامية الكبرى، وكان لهم دور عسكري وعلمي بارز في العصرين الأموي والعباسي.
- أبرز بطون بني بكر بن عبد مناة
1. بنو ضمرة
من أشهر بطون بني بكر، وقد خرج منهم فرع بني غفار. ومن بني ضمرة جاء أحد أعلام الصحابة المعروفين: أبو ذر الغفاري، أحد أوائل المسلمين وصاحب المواقف الصلبة مع الخلفاء.
2. بنو الدئل
قبيلة ذات نفوذ، دخلت في حلف قريش أثناء صلح الحديبية، وكان لها تاريخ حافل في الحروب والتحالفات، واشتهرت أيضا باسم أحد أبنائها أبو الأسود الدؤلي، واضع اللبنات الأولى لعلم النحو العربي.
3. بنو ليث
برز منهم أبو واقد الليثي، أحد الصحابة، وشاركوا في فتح مكة وكانوا من أوائل من دخلوا الإسلام.
4. بنو العريج
فرع أقل شهرة نسبيا، لكن مشارك في الامتداد التاريخي للقبيلة.
- بني بكر في الحروب القبلية
◾ حرب الفِجار
لعب البرّاض الغفاري الكناني، أحد رجال بني بكر، دورا محوريا في تأجيج حرب الفجار، وهي سلسلة معارك نشبت بين كنانة (ومنها قريش) وقيس عيلان، وكان النبي ﷺ حاضرا فيها في شبابه كحامل للسلاح عن أعمامه.
◾ الصراعات مع خزاعة
وقعت عدة معارك بين بني نفاثة بن عدي (أحد بطون بني بكر) وخزاعة، أبرزها يوم الوتير، الذي كان أحد الأسباب المباشرة في فتح مكة، حينما نقضت قريش صلح الحديبية بتحريض بني بكر على خزاعة، فكان الرد الإسلامي حاسما.
◾ أيامهم مع قريش
رغم القرب النسبي في النسب، كانت هناك نزاعات متكررة بين بني بكر وقريش، أهمها:
- يوم ذات نكيف
- يوم شهورة
وقد انتهت هذه النزاعات غالبا بالتحالفات، خاصة بعد دخول الإسلام، لكن ذكريات المنافسة ظلت حاضرة.
- دورهم في الإسلام وفتح مكة
مع توقيع صلح الحديبية، تحالفت بنو الدئل مع قريش. غير أن هذا الحلف انكسر عندما هاجمت بني بكر خزاعة، وهو ما اعتبره النبي ﷺ نقضا صريحا للصلح، ليقود إثره فتح مكة.
ومن الجدير بالذكر أن النبي ﷺ قد أمر باستثناء بني الدئل من العفو العام حين دخول مكة، إحقاقا لحق خزاعة، بينما دخلت بطون أخرى كـ بني ليث وبني ضمرة الإسلام وشاركوا في الجيش الإسلامي الفاتح.
أعلام بني بكر في الإسلام
- أبو ذر الغفاري: من أوائل المسلمين، وأحد أبرز الزاهدين، له موقف مشهور في معارضة الترف الأموي.
- أبو واقد الليثي: من المشاركين في غزوة حنين، وكان من الفقهاء في عصره.
- أبو الأسود الدؤلي: واضع علم النحو العربي، وأحد كبار التابعين.
التحليل العام والدلالات التاريخية
تمثل بنو بكر بن عبد مناة نموذجا للقبائل القريبة من مركز القرار الديني والتجاري في الجاهلية (مكة)، ومع ذلك لم تحظَ بالقدر نفسه من النفوذ الذي نالته قريش، ما أدى إلى منافسة مستمرة تارة، وتحالفات سياسية تارة أخرى.
وقد ساعد تقاربهم الجغرافي والنسبي من قريش في جعلهم جزءا من الأحداث الكبرى، مثل صلح الحديبية وفتح مكة، بل وكانوا سببا مباشرا في تغيير مسار الأحداث في بعض الأحيان.
المراجع:
- ابن هشام، السيرة النبوية
- الطبري، تاريخ الرسل والملوك
- ياقوت الحموي، معجم البلدان
- الزبيدي، تاج العروس
- البلاذري، أنساب الأشراف
- جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام.