العربموسوعة القبائل العربية

“عرب الهولة”: قبائل عربية مغيبة في إيران

- يُعرفون كذلك بـ "عرب الحُولة" -

من المؤكد أن الكثير من الحقائق التاريخية التي تخص الأمة العربية قد جرى طمسها والتعتيم عليها، خصوصا منذ أن بدأت منطقة الشرق الأوسط تشهد أطماع القوى الاستعمارية الأوروبية. تزامن هذا التحول مع بداية تفكك أوصال الدولة العثمانية، وظهور النزعات القومية والانقسامات الطائفية التي شتّتت وحدة العالم الإسلامي.

وفيما حظيت مناطق مثل بلاد الشام ومصر والمغرب العربي باهتمام بحثي واسع نظرا لموقعها الجغرافي القريب من أوروبا، ظلّت منطقة الخليج العربي، وخاصة ضفته الشرقية، غائبة عن الوعي العام رغم أهمية تاريخها.

فما جرى في الخليج العربي، ولا سيما في الجانب الشرقي منه المعروف قديما بـ”بر فارس”، لا يقل خطورة وتأثيرا عمّا جرى في فلسطين وبلاد الشام. هذا الشريط الساحلي كان موطنا لقبائل عربية عريقة، عاشت فيه لقرون، وأسّست فيه إمارات ومراكز علم وتجارة، في وقت لم تكن فيه الدولة الإسلامية تخضع لأي تقسيمات استعمارية.

عرفت هذه القبائل باسم عرب الهولة، وهم عرب من أصول تعود إلى شبه الجزيرة العربية، نزحوا إلى الجانب الفارسي من الخليج بفعل ظروف الجفاف والفقر، واستقروا في بندر عباس وبو شهر ولنجة ومدن أخرى.

ووفقا للمؤرخ محمد غريب حاتم في كتابه المرجعي “تاريخ عرب الهولة” الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، فإن هؤلاء العرب كانت لهم مراكز حضارية متقدمة، ولم يكن للفرس أي وجود حاكم في تلك المناطق قبل ظهور الدولة الصفوية.

يتألف عرب الهولة من قبائل مثل البستكية، والعوضية، والكلدارية، والهولي، والخنجي، والفوادرة، والشطي، والحمادية، والعبادلة، والكندري، وغيرهم. وقد سجّل لهم التاريخ أدوارا كبرى في مقاومة التوسع الفارسي والهيمنة الاستعمارية الأوروبية، كما أنهم احتفظوا بلسانهم العربي وعقيدتهم السنية، رغم محاولات التشييع والتفريس الممنهجة.

ويتتبع الكتاب بدايات الهجرة إلى بر فارس، ويربطها بحقب قحط ضربت الجزيرة العربية واليمن وعُمان وجنوب العراق، دفعت قبائل عربية كبرى مثل آل بوسميط إلى الاستيطان في مدينة لنجة. كما يستعرض معلومات هامة من مؤرخين ورحالة، مثل المؤرخ الألماني كارستن نيبور الذي أكد أن السواحل الشرقية للخليج كانت خاضعة للعرب، لا للفرس، وأن العرب فيها كانوا يعيشون وفق تقاليد الجزيرة العربية نفسها.

كما يسجل الكتاب تأسيس العرب لإمارات وموانئ على الساحل الشرقي، مثل آل مذكور في بوشهر، وبنو كعب في الدورق (هرمشهر)، وتحكُّمهم في البحرين قبل أن يُعيد الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة السيطرة عليها سنة 1780م. ورغم ما تعرض له عرب الهولة من تهجير قسري وتدمير لمدنهم، إلا أنهم حافظوا على هويتهم وعادوا إلى الشاطئ العربي مجددا.

تشير الروايات إلى مشاركة قبائل الهولة في الغزوات إلى جانب آل مكتوم وآل مسلم، ما يعكس عمق علاقاتهم مع القبائل الخليجية في قطر والإمارات. إلى اليوم، لا يزال أحفاد عرب الهولة يقيمون في قطر، والبحرين، والكويت، والسعودية، والإمارات.

يحتوي الكتاب على معلومات نادرة حول منطقة فلامرز، موطن آل الكندري، وكذلك مساكن قبيلة بني حماد، وآل علي، والمرازيق، والقواسم، والعبادلة، وآل الحرم، وبني تميم، وآل الفودري، وآل الشطي، وسكان بستك، وغيرهم. كما يتضمن وثائق وشجرات نسب وصور نادرة وخرائط تؤكد عروبة بر فارس.

يتعرض المؤلف أيضا إلى المؤامرات الاستعمارية التي هدفت إلى طمس هذا التاريخ، بدءا من التواطؤ البريطاني مع الدولة الصفوية، مرورا بعمليات الطرد الجماعي، وصولا إلى محاولات فرض السيطرة الفارسية على الجزر العربية.

كتاب “تاريخ عرب الهولة” ليس مجرد سرد تاريخي، بل وثيقة إثبات لهوية عربية في أرض أرادت القوى الكبرى نزعها من جذورها. وهو مرجع أساسي لكل من يسعى لفهم التكوين التاريخي للقبائل العربية في الخليج، وأهمية الحفاظ على هذا الإرث الغني والمشرّف.

إن قراءة هذا الكتاب ليست ترفا معرفيا، بل ضرورة لفهم أحد أبرز الفصول المغيّبة في التاريخ العربي، والذي ما زال صداه يتردد في الوجدان الخليجي حتى اليوم.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى