سلالات حكمت في شمال إفريقيا

“بنو غانية” .. سلالة صنهاجية سعت إلى إحياء دولة المرابطين

“بنو غانية”، سلالة صنهاجية سيطرت على جزر البليار الثلاث: “ميورقة” و”مينورقة” و”يابسة” بين 1126 – 1203م. قادوا ثورة في أفريقية من 6 شعبان 580هـ /13 نوفمبر 1184م إلى 631هـ/1233م (حوالي 50 سنة) هدفت إلى إحياء دولة المرابطين والقضاء على إمبراطورية الموحدين.


  • التاريخ:

ينتسب بنو غانية إلى قبيلة مسوفة ثانية القبائل الصنهاجية التي قامت عليها دولة المرابطين بعد لمتونة، وكان علي بن يوسف المسوفي من كبار رجال يوسف بن تاشفين، وهو الذي زوجه من قريبة له تدعى غانية.


وقد أنجب منها ولدين هما محمد ويحيى، وكان المرابطون كثيرا ما ينسبون أبنائهم لأمهاتهم لعادت عندهم، وكانت أسرة بني غانية من كبار الأسر في الدولة المرابطية.


وحدث أن قامت ثورة على دولة المرابطين بزعامة عالم يسمى محمد بن تومرت إدعى فيها أنه المهدي المنتظر وكفر فيها المرابطين لأنهم لم يؤمنوا بمهدويته، وأعلن الحرب عليهم.


وعلى الرغم من أنه توفي قبل إسقاط دولتهم، إلا أن تابعه الوفي “عبد المؤمن بن علي” تمكن من دخول عاصمة المرابطين مراكش وأسقط دولتهم، وأقام دولة الموحدين على أنقاضها.


وفي هذه الفترة، كان أحد أبناء أسرة بنو غانية محمد بن غانية واليًا للمرابطين على الجزائر الشرقية، فلما رأى ما حل بدولتهم استقل بالجزر، ولكنه رأى أنه من الأحسن له موادعة الموحدين للقوة الكبيرة التي أصبحت عليها هذه الدولة، خاصة بعد سيطرتها على كل المغرب (المغرب والجزائر وتونس وليبيا الآن) وأجزاء كبيرة من الأندلس.


لكن ما أن أكمل الموحدون سيطرتهم على الأندلس في عهد الخليفة يوسف بن عبد المؤمن حتى أرسلوا سنة 579هـ الرسل لإسحاق بن محمد بن غانية الذي خلف أبيه تباعا يدعونه للدخول في طاعتهم ويحذرونه من مغبة العصيان.


وهنا تردد إسحاق في البث في الموضوع، وخرج في غزوة إلى قطلونية فاستشهد فيها، دون أن يبت في الأمر.


فلما تولى ابنه محمد بن إسحاق بن غانية الحكم، أظهر استعدادا لقبول طاعة الموحدين، غير أن إخوته رفضوا ذلك وعزلوه وولوا عليهم أخاهم علي بن إسحاق بن غانية.


  • غزو بجاية والجزائر

وفي هذه الأثناء، حدثت تطورات خطيرة في الدولة الموحدية. فقد قتل الخليفة يوسف بن عبد المؤمن بمعركة شنترين في الأندلس، وتلكأ شيوخ الموحدين في مبايعة ابنه.


كما وصلت إلى بني غانية رسائل من بني حماد (إحدى السلالات التي كانت تحكم في بجاية ونواحيها والتي اسقط الموحدون دولتهم أيضا) يدعونهم لغزو بجاية ويعدونهم بالنصرة.


فقرر بنو غانية استغلال الفرصة، وغزو بجاية بقيادة زعيمهم علي بن غانية لإعادة إحياء دولة المرابطين والقضاء على دولة الموحدين الغاصبة. فقاموا أولا باعتقال الرسول الذي أرسله الموحدون ليطالبهم بالدخول في الطاعة.


ثم سيروا أسطولا من أربعين سفينة إلى ثغر بجاية، وتمكنوا من دخولها دون صعوبات تذكر، ثم إن بني غانية ما لبثوا جمعوا جيشهم على عجل وبدؤوا في اجتياح أهم مدن الدولة الموحدية في المغرب الأوسط؛ كالجزائر ومليانة وحاصروا تلمسان وقسنطينة. فقد كان الموحدين مغترين بقوتهم فأهلموا تحصيناتهم، وأذهل بنو غانية الجميع بهذه الغزوة المفاجئة.


  • بنو غانية في عهد المنصور

وجد الخليفة الموحدي الجديد “أبو يوسف يعقوب بن يوسف المنصور” في ثورة بني غانية فرصة لإثبات كفاءته؛ بعد التلكؤ الذي حدث في مبايعته، فأعد قوة من 12 ألف جندي أمازيغي من البر والبحر، وسارت هذه الجيوش تسترجع المدن المحتلة الواحدة تلوى الأخرى، حتى دخلت بجاية في 19 صفر سنة 581هـ/22 ماي سنة 1185م بعد سبعة أشهر من احتلالها.


لكن بالرغم من ذلك، لم ييأس “بنو غانية” بل فروا إلى بلاد الجريد بتونس، واخذوا يألبون الأعراب، وجمعوا منهم قوات ضخمة واخذوا يحتلون بها العديد من المدن أفريقية، وهنا بدأت ثورة بني غانية تعرف انحرافا خطيرا؛ وهو انزلاقُها إلى طريق السلب والنهب للحصول على الأموال، وتمويل الحروب ودفع أجور الأعراب مقابل الحرب معهم.


  • أصل قدوم العرب إلى أفريقية

يعود أصل هؤلاء الأعراب (قبائل بني هلال) إلى صحراء الثلث الخالي بالأساس، ثم شرق منطقة الخليج العربي في جزيرة العرب، فكانوا يقطعون الطريق ويغيرون على الحجاج، إلى أن تحالفوا مع القرامطة فنفاهم الفاطميون إلى صعيد مصر عقابا لهم.


فأقاموا هناك على عهدهم من الفساد والعيث. وحدث أنَّ والي إفريقية باسم الفاطميين؛ المُعز بن باديس قطع الدعاء للخليفة الفاطمي وحوله للخليفة العباسي، وتحول من المذهب الشيعي إلى السني، فأشار أحد دهاة الوزراء على الخليفة الفاطمي، بأرسال هؤلاء الأعراب إليه للتخلص من شرهم من جهة واقتصاد مؤونة تسيير جيش للمعز ابن باديس من جهة أخرى.


فيما يعرف في التاريخ بتغريبة بني هلال. فسيروهم له وقال الفاطميون للاعراب انهم اعطوهم كل ما تصل إليه ايديهم من أرض أفريقية. فساروا إليه سنة 480هـ وهزموا المعز شر هزيمة ولكنهم الحقو بالمغرب خرابا كبيرا.


وبعد 130 سنة دخل “بنو غانية” أفريقية (تونس والغرب الليبي والشرق الجزائري) فوجدوا في هؤلاء الاعراب خير نصير لتململ الأعراب الكبير من طاعة الدولة الموحدية؛ التي فرضت عليهم الكثير من الانضباط بعد العبث والفساد الكبير الذي كانوا يقومون به.


  • تطورات مهمة في الجزر الشرقية

بعد أن تناهى إلى أسماع بني غانية مقتل الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن قاموا باعتقال رسول الموحدين إليهم علي بن الربرتير، لكن هذا الرسول كان شعلة متقدة من الدهاء، فاستطاع أن يقنع الحراس النصارى الموكلين بحراسته بأن يطلقوا سراحه ويعينوه على قلب نظام الحكم، على أن يعطيهم أموالاً كثيرة ويطلق سراحهم ليذهبوا إلى بلدانهم في أوروبا.


وفعلا تمت الاتفاقية، واستغل ابن الربرتير احرام الناس لصلاة الجمعة وخرج على حين غرة وتمكن من أسر أسرة علي ابن غانية نفسه ثم تحصن بأحد الحصون هناك وهدد كل من يحاول اقتحام الحصن بقتل أم علي بن غانية مما جعل أهل الجزيرة عاجزين عن فعل أي شيء.


وبعد مفاوضات طويلة رضخ أهل الجزيرة للامر الواقع وتم الاتفاق بين أهل الجزيرة وابن الربرتير على أن يٌرجع أهل الجزيرة محمد بن غانية (الذي عزله اخوته من قبل) إلى الحكم ويعلن محمد بن غانية بدوره دخوله في طاعة للموحدين.


وأخذ منهم الأيمان المؤكدة على ذلك ثم نفذ ما اتفق مع جند النصارى وسرحهم إلى بلدانهم سنة 585هـ/ 1185م ورجع هو إلى مراكش ليبشر الخليفة الموحدي بعظيم صنعه. وبدى كانما دخلت الجزيرة في طاعة الموحدين أخيرا.


غير انه ما ان بلغ هذا الخبر علي ابن غانية في أفريقية (تونس الحالية) حتى أسرع بإرسال أخويه عبد الله والغازي لتدارك الأمر، فدخلا جزيرة ميورقة وتمكنا بكل يسر، بمساعدة الأهالي، من الانقلاب على أخيه محمد واسترجاع الحكم.


فقد كان أكثر أهل الجزيرة من المرابطين الذين كانوا يكنون حقدا شديدا للموحدين باعتبارهم غاصبي ملكهم فما إن ظهر عبد الله وأخوه حتى سارعوا إلى نصرتهم، وعادت الجزيرة إلى حوزة بني غانية من جديد وطُرد محمد بن غانية من الجزيرة لتعاونه مع العدو فخرج وسار إلى الموحدين.


تحالف شرف الدين قراقوش وبني غانية

وعندما كان ابن غانية يسقط مدن أفريقية (تونس الحالية) الواحدة تلوى الأخرى وفد على علي بني غانية طامع آخر مثله يسمى شرف الدين قراقوش الارمني وكان قراقوش هذا من اتباع صلاح الدين الايوبي صاحب معركة حطين المعروف.


وسبب قدومه ان صلاح الدين أراد أن يتمرد على سيده نور الدين زنكي فأزمع نور الدين المسير إليه وخشي صلاح الدين عاقبة ذلك فأرسل تابعه قرقوش ليحتل له مدن في أفريقية حتى يفراليها صلاح الدين إذا غزاه نور الدين.


وعلى الرغم من أن نور الدين توفي قبل المسير إلى صلاح الدين إلا أن قرقوش مع ذلك واصل مشروعه التوسعي في أفريقية، فصادف وصوله وصول بني غانية، أيضا فتعاهدا على التحالف ضد الموحدين لأن جميع الأراضي التي سيحتلونها هي أراضي الدولة الموحدية.


ضياع الجزائر الشرقية

لقد كانت الممالك المسيحية الاوربية تغض الطرف عن جوار بني غانية لاشتراكهم معها في العداءللموحدين، بالإضافة إلى أن بني غانية كانوا مهتمين بتقوية جزرهم وتدعيم جيوشهم، لكن بعد استيلاء الموحدين عليها صمم النصارى على اخذها من المسلمين وسيَّرَ لذلك خاييمي الأول ملك قطلونيا اسطولا ضخما.


وعلى الرغم من المجهودات الضخمة التي بذلها الوالي الموحدي أبو مخلوف التنمللي في صد هذه الحملة والمقاومة الشرسة التي ابداها المسلمون لكن جيوش النصارى هزمتهم في النهاية وقبضوا على الوالي الموحدي وعذبوه عذابا شديدا ثم قتلوه.


وعلى الرغم من أن مقاومة المسلمين استمرت عدة سنوات بعد الاحتلال إلا أنها في النهاية خبت وخرجت هذه الجزر من حوزة المسلمين بعد أن بقيت في ايديهم نحو خمسة قرون حيث اقتتحها موسى بن نصير ابان فتحه للأندلس وكانت تسمى الجزر الشرقية.


وقد اشتهرت هذه الجزر بأنها كانت قبلة العالم الإسلامي كله في علم القراءآت ولكنها ضاعت بسبب تشرذم المسلمين وصراعهم على الحكم سنين طويلة (الموحدين وبني غانية).


  • ملاحظات

تسمي بعض المصادر بني غانية بالميارقة نسبة إلى جزيرتهم ميورقة وفي بعض الأحيان تسميهم بالملثمين لان أصولهم تعود إلى شعب الطوارق المشهورين بالارتداء للثام إلى اليوم، لكن الغالب على تسميتهم هي بني غانية نسبة إلى امهم غانية؛ التي قيل انها من غانة البلد الأفريقي المعروف.


وجدت في بعض مواقع الإنترنت ان بنو غانية من ملوك الطوائف، وهو خطأ، لأن بنو غانية ينتمون إلى قبيلة مسوفة البربرية التي كانت تستوطن فيما يعرف الآن بالصحراء الغربية وموريطانيا بل ان بني غانية هم من الذين اسقطوا ملوك الطوائف عندما غزى المرابطون الأندلس واسقطوا دويلات الطوائف ووحدوا الأندلس تحتى رايتهم.


ثم ان أهل الجزائر الشرقية ثاروا على واليهم وأنور ابن أبي بكر (وليس أنور) لظلمه، فعزله يوسف بن تاشفين وارسل مكانه محمد بن غانية فخلفه بعد وفاته ابنه اسحاق بن غانية الذي راسله الموحدون لطاعتهم.


وعلى الرغم من التأثير السلبي لبني غانية واعاقتهم للموحدين في دفاع المسلمين في الأندلس إلا أن لاسرتهم دور كبير في الدفاع لاندلس حينما كانت دولة المرابطين قائمة في الأندلس، وقد انتصر المسلمون انتصار باهرا بقيادة أحد أبناء هذه الأسرة في معركة تسمى معركة افراغة.


وكذلك عندما قام حاكم قشتالة روميرو بقتل واليي قرطبة واشبيلية في إحدى المعارك، قام أحد أبناء هذه الأسرة ويسمى يحيى بن غانية (عم يحيى بن غانية المذكور في المقال) باعتراض طريق روميرو وخاض معه معركة طاحنة حتى قتله في النهاية ثم قطع رأسه وذراعه وكتفه وارسلهم إلى زوجتى الواليين عزاء لهما.


شرف الدين قرقوش ليس هو بهاء الدين قرقوش أحد اتباع صلاح الدين المعروفين.


  • علي ابن رويبتر

هو “أبو الحسن علي ابن رويبتر” (توفي 1187م، تونس) هو الابن الثاني لريفيرتر الأول. صار على نفس نهج أبيه وانضم إلى صفوف جيوش المسلمين في المغرب والأندلس، وتخلى عن الإيمان المسيحي واعتنق الإسلام.


اسمه المسيحي غير معروف. عندما توفي والده سنة 1142 وهو يقاتل في صفوف المرابطين ضد الموحدين، عينه الأمير تاشفين بن علي قائدا في جيش المرابطين بالمغرب.

 

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى