“بنو غطفان”: قبيلة من صلب التاريخ القبلي في الجزيرة العربية
“بنو غطفان”؛ قبيلة عربية عريقة، تمثل واحدة من “جماجم العرب” الكبرى التي تركت بصمة عميقة في التاريخ القبلي والسياسي للجزيرة العربية. اشتهرت القبيلة بحضورها القوي في منطقة نجد والحجاز خلال الجاهلية وصدر الإسلام، وكانت طرفا رئيسيا في العديد من الأحداث الكبرى التي ساهمت في تشكيل الملامح الاجتماعية والسياسية لذلك العصر.
- النسب والأصول
ينتسب بنو غطفان إلى غطفان بن سعد بن قيس غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ما يجعلهم فرعا من العرب العدنانية القيسية. وتعود أم غطفان إلى تكمة بنت مر بن أد بن عمرو بن إلياس بن مضر، ما يربط القبيلة بنسب نبيل يمتد إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
قبل الإسلام، كانت القبيلة تُعرف باسم بني عبد العزى، إلا أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم غيّر هذا الاسم إلى بني عبد الله، في سياق تطهيري من الأسماء الوثنية.
- الحروب الداخلية: داحس والغبراء نموذجا
شهدت قبيلة غطفان واحدة من أكثر الحروب شهرة في التاريخ الجاهلي: حرب داحس والغبراء، التي نشبت بين بطني عبس وذبيان. استمرت هذه الحرب لعقود، وأدت إلى إنهاك الطرفين بشريا واقتصاديا، وهو ما دفع بطون عبس إلى الترحال من مواطنها الأصلية نحو اليمامة وبني حنيفة.
- الشتات والتحالفات القبلية
بعد رحيل عبس من مواطنهم، اتجهوا إلى التحالف مع بني ضبة ثم بني عامر ثم تيم الرباب. كانت هذه التحالفات جزءا من استراتيجية النجاة وسط صراعات العرب المستمرة، إلا أنها لم تمنع عبس من الدخول في نزاعات جديدة، ما أدى إلى مزيد من التشتت والخسائر.
- العودة إلى ذبيان والصلح القبلي
أمام الكوارث المتكررة التي ألمّت بعبس، قرروا العودة إلى ذبيان وطلب الصلح، فاستقبلهم الحارث بن عوف أو هرم بن سنان، وتم التوسط بينهم وبين حصن بن حذيفة بن بدر الذي قبل بالصلح على مضض. تم ذلك بوساطة قيس بن زهير والربيع بن زياد، اللذين ساهما في إعادة اللحمة القبلية بعد سنوات من التناحر.
- قيس بن زهير: من الزعامة إلى الاعتزال
رفض قيس بن زهير، أحد زعماء عبس، العودة إلى ذبيان معتبرا أن لا مكان له في قبيلة قتلت أهله وأقرباءه. انطلق في رحلة اعتزالية انتهت به إلى عمان، حيث قتله أحد فرسان بني عبد القيس. هناك روايات أخرى تشير إلى أنه تزوج في النمير بن قاسط وأنجب ولدا اسمه فضالة، الذي أسلم في عهد النبي ﷺ وشارك في الفتوحات.
- بنو غطفان في صدر الإسلام
لم تقتصر شهرة غطفان على الجاهلية فقط، بل استمرت في صدر الإسلام، حيث دخلت بعض بطونها في الإسلام مبكرا، وشارك أبناؤها في الغزوات والمعارك إلى جانب النبي محمد ﷺ. وقد ورد ذكر بعضهم في كتب السيرة والتراجم كمجاهدين وقادة.
- تحليل تاريخي
تجربة بني غطفان تبرز الطبيعة الديناميكية للمجتمع العربي قبل الإسلام: من التحالفات المتقلبة، إلى الحروب الطويلة، إلى العودة للصلح، ثم المشاركة في المشروع الإسلامي الناشئ. كما تُعد مثالا نموذجيا على أن البنية القبلية كانت قابلة للتحول والتجديد رغم الجراح التاريخية.
- خلاصة:
بنو غطفان قبيلة عربية عظيمة حفرت اسمها في صخر التاريخ. وما بين سيوف داحس والغبراء وألوية الفتوحات الإسلامية، تبقى قصة غطفان سجلا حيا يعكس التحولات الكبرى التي شهدتها جزيرة العرب.
المراجع:
- ابن الكلبي، “نسب معد واليمن الكبير”.
- الطبري، “تاريخ الأمم والملوك”.
- ابن هشام، “سيرة النبي محمد”.
- جواد علي، “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام”.
- عاتق بن غيث البلادي، “معجم قبائل الحجاز”.