هل سيتعثر حوار العرب بلغتهم الأم حول العلوم الحديثة، حتى بعد تعريب المصطلحات العلمية الجديدة؟ السؤال يبدو وكأنه يتضمن بعض المبالغة، لكن العاملين في الميادين العلمية بدأوا يلحظون بعض الصعوبات في التفاهم فيما بينهم عندما يكون موضوع الحديث علمياً أو تقنياً جديداً. وقد تصل هذه الصعوبات إلى حد الاعتماد على التحليل والتكهن لمعرفة المقصود بهذا المصطلح أو ذاك، إذ إن تعريبه غالباً ما يكون مختلفاً بين بلد عربي وآخر. الكاتب والمترجم الجزائري عبدالحفيظ جباري يعرض واقع المصطلحات العلمية كما تم تعريبها ويكشف ضآلة ما تم تحقيقه على صعيد توحيدها. منذ أن نُظّم أول مؤتمرات التعريب ووضع المصطلحات، نودي بتوحيد المصطلحات في مختلف المجالات المعرفية في اللغة العربية، حفاظاً على وحدة لغتنا، وكي لا تتحلل إلى مجموعة لغات مختلفة. وفي إطار السعي إلى هذا الهدف، تم إنشاء مكتب تنسيق التعريب في الرباط بالمغرب، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إيذاناً بطرق مرحلة توحيد المصطلحات العربية وانتهاء فوضى المصطلحات والمترادفات. وعلى الرغم مما بذلته وتبذله هذه المؤسسة التنسيقية من جهود لبلوغ مراميها، فإن الواقع يكشف لنا بمرارة أن المشكلة لا تزال مستفحلة، ولا نبالغ إذا قلنا إن حدتها قد زادت في السنوات الأخيرة. فبالبحث والتقصي يقف المرء أمام كثرة مذهلة من المصطلحات العربية المختلفة في شتّى الميادين العلمية. والأمر صار ظاهرة مثيرة لقلق أهل العربية والغيارى عليها، خاصة وأن اللغة العلمية تمتاز، كما هو معلوم، بدقة مفرداتها الاصطلاحية، ولا تقبل لبساً أو تشوشاً، مثلما هو الحال، بوجه عام، في مصطلحات العلوم باللغتين الإنجليزية والفرنسية، الأكثر استخداماً في الأقطار العربية.
وتوكيداً لصحة ملاحظتنا هذه، نكتفي هنا بذكر عينة من هذه الفوضى في المصطلحات؛ لأنها من الكثرة بحيث يصعب حصرها في مقالة واحدة. Computer Science Informatique ولنا ملاحظة في هذا المقام، هي أن هذه الألفاظ بعضها مترجم عن اللغة الفرنسية وبعضها الآخر مترجم عن اللغة الإنجليزية. Computer Ordinateur Server Serveur Virtual Reality Réalité Virtuelle Pendulum Pendule Linguistics Linguistique Privatization Privatisation Acoustics Acoustique Allergology Allergologic Archaeology Archéologic Biology Biologic Ecology Ecologic Ergonomics Ergonomie Geogeny Géogénie Geriatrics Gériatrie Prefixs Préfixes Jargon Jargon Microphone Microphone Telephone Téléphone Semantics Sémantique Semasiology Sémasiologie Semiology Sémiologie Semiotics Sémiotique Television Télévision Mobile Téléphone Portable Class Room Classe d’Ecole وغني عن القول إن المصطلح العلمي، خاصة، لا بد أن يُرصد لمفهوم واحد. وإن وضعاً سمته تعدد الألفاظ مقابل مفهوم واحد، يعني وجود اضطراب في اللغة يقود حتماً إلى تشوش في نظامها المفاهيمي، ولا أقصد هنا في ذاتها وكيانها. ومن الحالات الجادة والجديدة، نذكر ما وضعه الدكتور محمد رشاد الحمزاوي من مقاربة لسانية إحصائية تهتم خصوصاً باللغة العلمية في كتابه المنهجية العامة لترجمة المصطلحات وتوحيدها وتنميطها (دار الغرب الإسلامي، بيروت 1986م). ولقد طُبقت هذه الطريقة على مشروع ترجمة مصطلحات الاتصالات والفضاء إلى اللغة العربية في منظمة الأمم المتحدة في معجم مصطلحات الاتصالات (عربي، إنجليزي، فرنسي، إسباني) صدر عن الاتحاد الدولي للاتصالات في العام 1987م بجنيف (سويسرا). وما دامت هذه الطريقة قد اعتمدت، بعد أن ثبت جدواها، على صعيد الأمم المتحدة (مستوى دولي)، يجدر بنا أن نوسعها إلى مجالات علمية أخرى، لوضع معجمات منمَّطة على مستوى محلي وإقليمي.
العاملون في حقول الترجمة والبحث العلمي هم أول المصطدمين بالفوضى الحاصلة في حقل تعريب المصطلحات العلمية. ولهؤلاء مجموعة ملاحظات مشتركة، أهمها ما يأتي: عمل المجاميع اللغوية العربية وغيرها من الهيئات اللغوية عظيم ويستحق الثناء والشكر. ولكن المأخذ على هذه الجهود هو أن ثمارها تبقى بعيدة عمّن يفترض بها أن تتوجه إليه. فغالباً ما نسمع أن هذه المجامع أصدرت معاجم تضم مصطلحات موحدة في حقل علمي. غير أن المؤسف هو أن هذه المعاجم لا توزع بما يكفي لوصولها إلى أيدي كل المعنيين من باحثين ومترجمين وكتّاب علميين. فهي بعيدة المنال وغير متوافرة في المكتبات. ولو أنها كانت تصل فعلاً إلى أي مترجم أو باحث لوجد نفسه مضطراً إلى اعتمادها على أوسع نطاق. ثمة سمة التصقت بعمل المجامع اللغوية العربية فلازمتها، وهي أنها تصدر توصيات ليتم العمل بها بما تراه مناسباً لتطوير اللغة العربية. ولكن ما يؤسف له هو أن هذه المجامع لا تملك السلطة والقدرة اللازمتين لإنفاذها. محدودية الموارد المالية المتوافرة لدى المجامع اللغوية تحدّ من جهودها. ولا بد من تدعيم قدراتها في هذا المجال بشكل يسمح لها بطبع ما يكفي من المعاجم الموحدة وتوزيعها على المؤسسات والأفراد المعنيين بها مجاناً. من المستحسن أن تفتح المجامع اللغوية أبوابها لكل من يقدم مقترحاً أو مقترحات يحاول من خلالها خدمة اللغة العربية، حتى ولو لم يكن اسمه مسبوقاً بتميز أكاديمي أو درجة أكاديمية. لأنه قد تتحقق أحياناً مقولة: يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر . وهذا منهج يمكّن الهيئات اللغوية من المتابعة والتحكم – قدر المستطاع – في كل ما يستحدث من ألفاظ خارج أطرها. فيتسنى للمجامع اللغوية أن تجمع على مستواها كل المفردات المستحدثة، فتعتمد ما تراه مناسباً، وتستبعد ما لا يلائم. على المجامع اللغوية التي تتوصل إلى توحيد المصطلحات في مجال معين، أن تبادر إلى تضمين هذه الاصطلاحات في مطبوعة أو نشرة، توزعها على خاصة الناس وعامتهم من المستعملين. كأن تصدر معجماً صغير الحجم يضم المفردات المتداولة في قطاع المؤسسات والهيئات الإدارية انطلاقاً من تسمية أبسط الأدوات المستخدمة في العمل الإداري اليومي (دبّاسة، نشابة،…) ومروراً بعملية جرد الوسائل والتجهيزات المزودة بها، ووصولاً إلى أدق المسائل المرتبطة بالمفاهيم والإجراءات والترتيبات والتدابير القانونية والتنظيمية والإدارية. على أن يتم تَأوِين (مُحَابَنَة) هذه المراجع عند الاقتضاء مواكبة للتطور، وأن يبعث بها إلى مختلف المؤسسات والإدارات في الوطن العربي. الانتباه إلى دور وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية أمر بالغ الأهمية في هذا المجال. فهذه الوسائط الإعلامية تحقق بالتأكيد التداول والانتشار الواسعين لهذه الاصطلاحات. باتت الشبكة العالمية (الإنترنت) وسيلة اتصال ناجعة وفاعلة، تيسّر السعي إلى توحيد المصطلحات. وهذه سانحة يحسن بنا ألا نفوتها لخدمة اللغة العربية، بأن نمكّن أهل الاختصاص وغيرهم من عامة الناس من الاستفادة من المعاجم التي تحوي مصطلحات موحدة التي من الممكن توافرها على الشبكة العالمية. بحيث يكون المحتوى غير قابل للتبديل والتغيير مثلما اقترح ذلك أحد الباحثين. وبهذ نضمن الانتشار الواسع لمصطلحاتنا الجديدة الموحدة والمتفق عليها. إن استفحال ظاهرة الترادف يرجع جانب كبير منه إلى أن المستعمل (المترجم، الباحث، الإعلامي…) عندما تعوزه المعاجم، فلا تسعفه بما يلزمه، ولا يتاح له الوصول إلى المصطلح الذي أقرته الهيئات اللغوية المتخصصة، فإنه يلجأ مضطراً (ولا يعني هذا أننا نسوّغ مثل هذا المسعى) إلى اعتماد مصطلح متداول (قد يكون مخالفاً لسنن العربية)، أو ابتكار لفظة أخرى – ربما وفق أساليب اللغة العربية إن كانت له دراية بها، أو بأسلوب الجاهل بقواعدها – وهنا تكمن الكارثة – ملتزماً المقولة الشائعة: خطأ شائع خير من صواب مهجور (بل قل مجهول). ومن هنا تكثر المرادفات في لغتنا مقابل المصطلح الواحد في اللغة الأجنبية سواء أكانت الإنجليزية أو الفرنسية. ختاماً لا بد من إشارة إلى عامل الوقت ودوره في مسيرة توحيد المصطلحات العلمية المعربة. فكلما تأخرت عملية التوحيد هذه كلما أصبحت أكثر صعوبة. لأن المترادفات المختلفة تترسخ بمرور الوقت أكثر فأكثر في وجدان مستخدميها، وتصبح لاحقاً جزءاً من النسيج اللغوي الشائع على ألسنتهم. فإذا كان مقدراً لتوحيد هذه المصطلحات أن ينجح، فلا بد من أن يبدأ العمل عليه باكراً.. باكراً جداً، قبل أن يعتاد الناس على الخطأ فيصبح شائعاً وخيراً من صحيح مهجور. عبد الحفيظ جباري – كاتب والمترجم الجزائري
|
ما يطرحه الأخ جباري صحيح و أمر نأسف له ,أضعنا الكثير من الوقت و الجهد في محاولة اللحاق بسراب المعاصرة من خلال ترجمة مفاهيم لسانية غربية ليست من خطائص لغتنا …و خاصة الكلمات العلمية ذات الأصول اللاتينية و الإغريقية الإلصاقية المصدّرة بالسوابق و الملحة إلى الجذور باللّواحق….و الحقيقة التي وصلت إليها أنّ هذه المصطلحات جائت بالنظر و الوضع و ليس بالسماع و كذلك جاءت من لغة ميتة و أدرجت في لغات (مثل الفرنسية إحدى سليلات الاتينية عن الرومانية) و لم تنشأ لدى القوم المعبرين عنها…فهي أشبه ما تكون بكلمات مفرغة من الحياة اللغوية و أظن أن هذا هو السبب الذي جعلها عصيّة على الترجمة ليس فقط في العربية بل في كل لغات العالم …و السبب الذي جعلها تنتشر مبحث آخر…..سمير – ميلة- الجزائر