العرب والعربية والإسلام
اتفق علماء الأجناس وعلماء الأنساب على أن العرب هم من – الفصيلة السامية – وكذلك المؤرخون المسلمون أرجعوا أصلهم إلى – سام بن نوح – عليه السلام، وهو أحد الأصول الثلاثة التي تتفرع منها الأمم وهي (سام، وحام، ويافث).
وقد تواجدوا بالمنطقة التي عرفت لدى علماء التاريخ اليوم (بالمثلث) هي منشأ الحضارات ومنطلق الأجناس، وهي موطن الحضارة الأولى، وتمتد من أراضي الرافدين بالعراق في أحد ساقي المثلث وواد النيل في الساق الأخرى وبينهما بلاد الشام في قاعدة المثلث وعلى رأسه اليمن وحضرموت.
ويرجع المؤرخون المسلمون أصل اجتماع العرب في شبه الجزيرة العربية إلى قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام وزوجه هاجر وابنهما إسماعيل عليه السلام بعد أن ترك الاثنان في مكة واكتشافهما لماء زمزم.
ومن ثمة بدأت الحياة تدب بهذه الصحراء القاحلة واستمر الأمر إلى بناء إبراهيم عليه السلام للبيت ومخاطبة الله له بأن يؤذن في الناس بالحج في قوله تعالى:
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) فكان ذلك بداية استقرار الناس بشبه الجزيرة العربية وانقسم الناس بعد ذلك طوائف وقبائل مستقلة تربطهم بعض علاقات التجارة أحيانا إلا أن الحرب كانت سيدة الموقف غالبا.
- اهتمام العرب باللغة العربية
لقد نشأت اللغة العربية في هذه الأحضان خالصة لأبنائها مذ ولدت نقية سليمة مما يشينها من أدران اللغات الأخرى.لبثت كذلك أحقابا مديدة كان العرب فيها يغدون ويروحون داخل بلادهم على ما هم عليه من شظف العيش، غير متطلعين إلى نعيم الحياة وزخارفها فيما حولهم من بلاد فارس والروم وغيرها.
وإن دفعتهم الحاجة إليها حينا، وتبادل المنافع حينا آخر. كما أنه كان في أسواقهم الكثيرة التي تقام بينهم طوال العام غناء، كما أي غناء في عيشتهم البدوية القانعة، ومن أشهرها عكاظ، و مجنة، و ذو المجاز.
ولقد كان في هذه الأسواق فوق ما تضمه من مرافق الحياة ومتطلبات المعيشة منتديات للأدب، يعقدون فيها المجامع ذات الشأن يتبارى فيها الخطباء، و الشعراء من القبائل المتنائية الأصقاع، يعرضون فيها مفاخراتهم ومنافراتهم ومعاظماتهم وكل ما لهم في جيد الخطب وبديع الشعر.
عاد ذلك كله على اللغة بتثبيت دعمائها وإحكام رسوخها وجودة صقلها وبقيت كذلك متماسكة البنيان غير مشوبة بلوثة الأعجام.
- الإسلام والقرآن واللغة العربية
بعد أن سطع نور الإسلام زاد تألق اللغة وازدهارها بعد نزول القرآن الكريم بلسان عربي مبين فكان بذلك كأحسن ما كان وكأفضل إبداع باللغة العربية فجاء رسالة إعجازية لغوية بيانية لسانية بامتياز، غير أن العرب لم يستسيغوا فكرة أن يأتي رسول الله بمثل هذا الكلام الذي يعجزون عن الإتيان بمثله.
وكردة فعل منهم اتهموه بالسحر والشعر والسحر والكهونة إلا أن القرآن كان دائما ما يدحض شبهاتهم ويدافع عن كونه كلام الله الخالد، متحديا إياهم ولها سيجعل المسلمون القرآن لسان كلامهم ودستور حياتهم ومحور نظم أشعارهم.
وستأتي في القرون اللاحقة مجموعة علوم لخدمته منها علوم الآلة كعلم النحو والصرف والبلاغة وعلوم التوضيح كعلم التفسير وعلوم القرآن وأخرى متعلقة بالاستنباط كعلم الفقه وعلم الأصول.
فبرز عدد من العلماء العرب الذي ادهشوا العالم إلى اليوم بما قدموه من أبحاث ودراسات كابن جني والجرجاني وغيرهم.
- مشاكل تواجه اللغة العربية
بعد أن انتشر الإسلام على ما حول الجزيرة العربية بالفتوحات الإسلامية ودخل الناس في دين الله أفواجا تتابعت الفتوحات في عهد الخلفاء الراشدين، فوصلت في عهد سيدنا عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- شرقا إلى نهري السند وجيحون، وغربا إلى الشام ومصر.
فكان من الطبيعي هبوط العرب ومعهم عشائرهم وعمائرهم إلى هذه الأمصار التي افتتحوها ودخلت تحت حوزتهم، وبحكم الفتح قد كثر تملكهم للموالي في البلاد المفتوحة عنوة.
كما كان من الطبيعي تقاطر الوافدين من هذه الأمصار المفتوحة إلى الجزيرة العربية، إذ فيها المدينة المنورة حاضرة الإسلام، ومقر الخلفاء الراشدين وعلية الدولة. وفيها مكة المكرمة، وبها الكعبة المشرفة التي يؤمها كل من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وهكذا ازداد هذا النزوح من الجانبين كلما توالت الفتوحات تترى في عهد بنى أمية، فلقد بلغت الفتوحات في عهدها شرقا بالهند والصين وشمالا بسيبريا، وغربا في ما وراء جبال البرانس بالأندلس، وجنوبا السودان، كما امتدت إلى جزائر البحر الأبيض المتوسط.
فهذه المملكة المترامية الأطراف كانت تخفق عليها الراية الإسلامية التي تآخى تحت ظلها الجميع “الأحمر والأسود”، وانمحت بينهم فوارق الجنس والوطن، ودينهم الإسلام وكتابهم القرآن ولغتهم العربية.
وكان أثرا لهذه الفتوحات من لدن كانت أن اختلط العرب بغيرهم اختلاطا مستمرا في البيوت والأسواق، والمناسك والمساجد، وتصاهروا واندمجوا في بعضهم حتى تكون منهم شعب واحد اجتمع فيه الصريح والهجين.
اقتضى كل أولئك أن يستمع بعضهم من بعض وأن يتفاهموا في كل ما يتصل بهم ولغة التخاطب الوحيدة بينهم في كل ما يحيط بهم هي العربية، فكان لزاما على غير العربي أن تكون لغته العربية مهما عالج في ذلك وعانى.
كما كان لزاما على العربي أن يترفق بغير العربي ويتريث معه في التخاطب، بمعنى ضرورة التعاون بين الطرفين فكل منهما يسمع من الآخر، والسمع سبيل الملكات اللسانية فما اللغة إلا وليدة المحاكاة وما يصل إلى السمع.
وبطول هذا الامتزاج تسرب الضعف إلى اللسان العربي وسليقته، وتولد من هذا كله أن اللغة العربية تسرب إليها اللحن، ووهنت الملاحظة الدقيقة التي تمتاز بها وهي اختلاف المعاني طوعا لاختلاف شكل آخر الكلمة، فإن هذه الميزة كانت متوفرة لديهم وهم بعيدون عن مخالطة سواهم من ذوي اللغات الأخرى التي خلت منها.
ولقد كان هذا النوع أول اختلال طرأ على اللغة العربية، منذ كان الإسلام ، وطفق يزداد رويدا رويدا ما طال الزمن وتفسحت رقعة الإسلام.