فلسفة العصور الوسطى

العصور الوسطى – القرن الثاني عشر وظهور الجامعات

ترجمات جديدة

كجزء من الإحياء الثقافي الموصوف آنفا، ومن أواخر القرن الحادي عشر وما بعده، كان هناك اهتمام جديد ومتزايد بالحصول على ترجمات لنصوص لم تكن متوفرة سابقا، وإن لم تكن كلها فلسفية بأية حال.

لا شك أن هذا الاهتمام الجديد كان مدفوعا، جزئيا، بتعرض أوروبا الغربية للعالمين اليوناني والإسلامي، خلال الحملة الصليبية الأولى (التي بدأت عام 1095). ولكن، لسبب من الأسباب، سرعان ما بدأت الترجمات الجديدة في الظهور من:

صقلية، التي كانت في ذلك الوقت بوتقة ينصهر فيها اللاتين، واليونان، واليهود، والمسلمون. فتمت ترجمة إقليدس وبطليموس هناك، بالإضافة إلى أعمال رياضية وطبية أخرى.

القسطنطينية. ارتحل بعض العلماء الغربيين إلى القسطنطينية، وأبرزهم: جيمس الفينيسي، في أواخر عشرينيات القرن الحادي عشر تقريبا، وهو مترجم مهم لكتابات أرسطو المنطقية وغيرها. لكن التوترات السياسية بين الغرب والقسطنطينية، في ذلك الوقت، كفلت عدم توسع مثل هذا الاتصال (انظر مدخل Byzantine philosophy).

إسبانيا. ظهرت مدرسة بالغة الأهمية للمترجمين في طليطلة، تحت إشراف رئيس الأساقفة ريموند (المتوفي 1151، وإن بقيت المدرسة مستمرة). وشملت، من بين آخرين:

جون الإسباني (Johannes Hispanus) الذي ترجم، من بين أعمال أخرى، كتاب المنطق، للفيلسوف المسلم البارز الأهمية ابن سينا (980 ـ 1037)، من اللغة العربية إلى اللاتينية.

دومينيك جونديسالينوس (أو Gundisalv، صياغة لفظية قديمة من “Gonzales”، أواخر القرن الثاني عشر). ترجم جونديسالينوس الميتافيزيقيا لابن سينا​​، وجزء من أعماله في الطبيعة، وبعض أعماله الأخرى، بالإضافة إلى كتابات للفلاسفة المسلمين: الفارابي (حوالي 870-950) والغزالي (1058-1111).

قام جونديسالينوس بمشاركة جون الإسباني بترجمة كتاب سليمان ابن جابيرول (حوالي 1022 – 1058/1070) نبع الحياة (= Fons vitae). كان ابن جابيرول (باللاتينية، Avicebron، Avencebrol، وما إلى ذلك) مؤلفا يهوديا أيبيريا، الذي ألَّف كتابه “نبع الحياة” باللغة العربية. يقدم وجهة نظر أفلاطونية محدثة ومنهجية للكون. بالإضافة إلى هذه الترجمات، كان جونديسالينوس أيضا مؤلفا لبعض الأعمال الفلسفية الأصيلة الخاصة به.

جيرارد كريمونا (توفي 1187). بدأ جيرارد العمل في طليطلة عام 1134. وقام بترجمة “التحليلات الثانية” لأرسطو، جنبا إلى جنب مع تعليقات ثيمستيوس عليها، والطبيعة لأرسطو، و”في السماء“، و”في الكون والفساد“، وأجزاء من كتابه: “الظواهر الجوية“، ورسالة الفيلسوف المسلم الكندي (ت 873) المهم، “في العقل“، وأعماله الأخرى.

ترجم جيرارد أيضا كتاب “العلل” المهم جدا (= Liber de reasonis)، المنسوب خطأ إلى أرسطو، على الرغم من أن العمل، في الواقع، يستند إلى أطروحات بعينها، مستمدة من كتاب بركليس: “عناصر اللاهوت“.
عمل المترجمون الإسبان على النصوص العربية.

في حالة أرسطو، استخدموا الترجمات العربية عن اليونانية لأرسطو، وأحيانا مع وجود وسيط سرياني سابق بينهما. بعد هذا المسار الملتوي، فمما يثير الدهشة، أن يكون الأوروبيون اللاتين قادرين على فهم أي شيء من هذه الأعمال الأرسطية، التي توفرت لهم حديثا.

في النهاية، فقد تُرجمت التعليقات الشاملة والمتعمقة للأندلسي ابن رشد (باللاتينية، Averroes، 1126-1198) عن اللغة العربية أيضا. كانت هذه التعليقات مهمة للغاية في تشكيل فهم القرون الوسطى المتأخر لأرسطو، على الرغم من أن بعض الآراء الواردة فيها أصبحت مثيرة للجدل إلى حد كبير.

بحلول نهاية القرن الثاني عشر، كانت أعمال أرسطو المتاحة اليوم، تقريبا، قد تمت ترجمتها إلى اللاتينية، وبدأت تداولها بالتدريج، جنبا إلى جنب مع التعليقات، والنصوص الأخرى المترجمة حديثا. بحلول منتصف القرن الثالث عشر، كانت معروفة على نطاق واسع.

كانت أول ما انتشر وتم تداوله هي الكتابات المنطقية المتبقية لأورجانون أرسطو، غير تلك التي كانت معروفة بالفعل على نطاق واسع من ترجمات بوثيوس، قبل حوالي ستمائة عام. تلك الكتابات المنطقية الجديدة، المتميزة عن “المنطق القديم” (Logica vetus =) التي قام بها بوثيوس، أصبحت تُعرف مجتمعة باسم “المنطق الجديد” (Logica nova =) بعدهم، أصبحت المؤلفات عن الطبيعة، والميتافيزيقا، وغيرها من الكتابات الأرسطية معروفة تدريجيا.

كان هذا الضخ المفاجئ نسبيا، للكثير من المواد الجديدة وغير المألوفة في أوروبا الغربية، بمثابة صدمة مذهلة، تشبه صدمة ثورية. لم يعد من الممكن للفلاسفة واللاهوتيين أن يعتبروا مهمتهم على أنها، ببساطة، تنحصر في تعميق وتطوير الآراء التقليدية، التي نشأت بشكل رئيسي عن آباء الكنيسة، والسلطات المعروفة والمعتمدة الأخرى.

لقد أصبح الأمر الآن متعلقا بالتعامل مع إطار عمل غير مألوف تماما، بأفكار جديدة، مصحوبة ببراهين قوية عليها، كان من الواضح أن بعض هذه الأفكار غير مقبولة بالنسبة للمسيحي ـ على سبيل المثال: إنكار أرسطو لأي شيئ يمثّل عناية إلهية، وآرائه حول خلود العالم (انظر مدخل: William of Auvergne).


المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى