أنسيلم كانتربري – فلسفة العصور الوسطى
بعد “نهضتهما” القصيرة خلال الفترة الكارولينجية، اضمحل التعليم والثقافة مرة أخرى، لما يقرب من 200 عام أخرى. ثم، بعد فترة وجيزة من مطلع الألفية، بدأت الأمور في استعادة ازدهارها. كانت القبائل الجرمانية “البربرية”، التي أزعجت الإمبراطورية الرومانية المتأخرة، قد استقرت منذ فترة طويلة، وأصبح غزاة الفايكنج اللاحقون، في هذا الوقت، “نورمان” مهذبين.
بدأت التجارة في الانتعاش، وأصبح السفر آمنا نسبيا مرة أخرى، على الأقل مقارنة بما كان عليه، ونشأت مدن جديدة، ومعها بدأت ترتيبات اجتماعية جديدة في التبلور. كان التعليم جزءا من هذا الازدهار العام، ومعه كانت الفلسفة.
ربما كان عدد فلاسفة القرون الوسطى من الرواد، قبل عام 1000، أقل من خمسة (اعتمادا على مدى سخاء المرء في فهم كلمة “رائد”). ولكن بعد عام 1000، ازدادت أعدادهم أضعافا مضاعفة. لم يعد من الممكن التعامل معهم بشكل فردي حسب الترتيب الزمني، في الواقع، من الصعب تتبعهم جميعا. مع مرور الوقت، تزداد التعقيدات والأرقام.
في الوقت نفسه، تصبح الفلسفة تقنية و”أكاديمية” بشكل متزايد. يمثل أنسيلم من كانتربري (1033-1109) شخصية انتقالية رئيسية (انظر مدخل: Saint Anselm). لم تكن كتاباته مثقلة بالتقنيات والرطانة التي تجعل فلسفة العصور الوسطى، في مرحلتها المتأخرة، عصية على الاستيعاب، من قبل غير المتخصصين.
ومع ذلك، فإن كتاباته “جدلية” من الوجهة الفلسفية، بطريقة لم تكن عليها فلسفة العصور الوسطى في مرحلتها الأولى، وهذا مما يجعلها مألوفة بشكل أكبر لقراء اليوم.
لا شك في أن أنسيلم قد اشتهر بكونه منشئ “البرهان الأنطولوجي” الشهير على وجود الله.[18] لكنه كتب الكثير من الأعمال إلى جانب ذلك، في الكثير من الموضوعات الفلسفية واللاهوتية. تذخر كتاباته بالتفكير الدقيق والمتمرس.
في الواقع، إنها توضح الدور المتزايد “للديالكتيك” في الفلسفة واللاهوت. على يد أنسيلم، بدأ علم اللاهوت في التطور إلى نظام جدلي، وليس على سبيل الحصر مسألة “دراسات الكتاب المقدس” والروحانية، وبشكل متزايد مسألة الاستكشاف والتقديم المنهجي للعقيدة. ويزداد هذا التطور في النمو، بشكل واضح وقوي، بعد أنسيلم.